باتت كل الخيام في المخيم منزلاً لها، فهي تتنقل طوال الوقت من خيمة إلى أخرى والجميع من دون استثناء يرحّب بالزائرة الصغيرة ولا يبخل عنها لا بالطعام ولا بالهدايا، مهما كانت صغيرة، طالما يعرف أنها ستفرحها وسترسم ابتسامة على شفتيها. كما أنها تختار الخيمة التي ستنام فيها كل يوم من دون أن يمنعها أحد من ذلك.
فاطمة أو "فطومة" ذات السنوات الخمس، فقدت كل أفراد عائلتها بقصف جوي طاول الحي الذي تسكن فيه في مدينة الموصل مطلع العام الجاري، في ساحل الموصل الأيمن. وقد كتبت لها النجاة بأعجوبة، فوالدها ووالدتها وإخوتها الستة توفوا تحت الأنقاض. وبعد إخضاعها للعلاج خرجت "فطومة" إلى المخيم، حيث يحتضنها اليوم نازحو مخيم مخمور (30 كم شمال شرق الموصل).
تقول عنها الحاجة وفيقة خالد (71 سنة)، إنها تنام أغلب الوقت في خيمتها كون الخيمة واسعة ولا يوجد فيها أطفال قد يضايقونها. كما أن الحاجة وفيقة تهتم بها مثل أمها وتتولى إطعامها بين الحين والآخر. تضيف لـ"العربي الجديد": "لا يمكن لأحد الإمساك بها عندما تركض وتلعب. هي تتذكر أهلها كل يوم. تسأل عن أمها فتبكي ثم تهدأ قبل أن تخرج للعب مجدداً وكأن شيئاً لم يكن". تتابع: "هذه الطفلة مسكينة. وقد تأخّر أعمامها في القدوم إليها لأخذها... فهم نازحون مثلها".
وقد باءت جميع محاولاتنا لإقناع فاطمة بالتوقف للتحدث معها بالفشل، غير أن وصولها إلى خزان المياه المخصص للشرب والاغتسال في المخيم سمح لنا بالتقاط عدة صور لها. وبعد الشرب والاغتسال ركضت بسرعة مجدداً الى خيمة قريبة، حيث اندسّت بين أبناء سيدة جمعت أبناءها حول صحن من الخبز وبعض اللحم. وما إن شاهدت السيدة النازحة فاطمة حتى أجلستها في حجرها، وبدأت بإطعامها بيديها بعد أن اطمأنت أنها غسلت يديها.
يقول ليث أحمد، وهو أحد المشرفين على المخيم، لـ"العربي الجديد" إن هناك أربعة أطفال آخرين وضعهم مثل "فطومة" في هذا المخيم. هم صبي وثلاث بنات جميعهم فقدوا عائلاتهم بالقصف في الموصل والآن هم في المخيم من دون أن يعرف أحد متى يصل أقرباؤهم للسؤال عنهم أو لإخراجهم من المخيم. يؤكد حمد أن الجميع يحبهم ويتعاطف معهم كثيراً ويهتم بهم. يختم: "بالتأكيد ستشعر فاطمة بالوحدة والقهر في كل مناسبة، لا سيما في العيد، عندما لا تجد أمها وأباها وبقية أفراد عائلتها بالقرب منها".