وتوفي أحد عشر سجيناً في مصر بفيروس كورونا، نتيجة الإهمال الطبي، وآخرهم زيدان شلتوت، التي توفي في 24 يونيو/ حزيران الجاري، وسبقه المواطنون ياسر أبو العلا، وحمدي عبد العال، ومحمد عبد النعيم، وأحمد فتحي، وأحمد يوسف، ومعوض سليمان، وناصر عبد المقصود، وناصر سعد عبد العال، وحسن زيادة، ورضا مسعود.
ونتيجة الإهمال الطبي، توفي تسعة معتقلين في مايو/ أيار الماضي، ومعتقل واحد في إبريل/نيسان الماضي، فضلاً عن وفاة 6 معتقلين في مارس/ آذار الماضي، وخمسة معتقلين في فبراير/ شباط الماضي، وسبعة معتقلين في يناير/ كانون الثاني الماضي.
وكانت منظمة "كوميتي فور جستس" قد أكدت في تقرير، في 18 يونيو/ حزيران الجاري، انتشار الوباء في 28 مقر احتجاز في 8 محافظات.
وفي عدادها الإلكتروني المحدث على موقعها، رصدت المنظمة 104 حالات اشتباه بالإصابة بفيروس كورونا بين المحتجزين في مقار الاحتجاز والسجون بأنحاء مصر المختلفة، كما رصدت 29 إصابة مؤكدة بالفيروس، و10 حالات وفاة.
وفي تعليق اللجنة الدولية للصليب الأحمر على جائحة كورونا في ظل القانون الدولي الإنساني ووضعية المحتجزين داخل أماكن الاحتجاز المختلفة، قالت: "تشكل مرافق الاحتجاز، والتي غالبًا ما تكون مكتظة وتعاني من سوء مستوى النظافة الصحية وتفتقر إلى التهوية، تحديًا خطيرًا عندما يتعلق الأمر بالوقاية من الأمراض المعدية واحتوائها. ومن بينها جائحة (كوفيد-19)، وتنبغي المحافظة على صحة المحتجزين ومتطلبات النظافة الصحية بموجب القانون الدولي الإنساني، وينبغي أن يتلقى المرضى المحتجزون الرعاية الطبية والاهتمام الذي تتطلبه حالتهم. وينبغي، في ظل الوضع الراهن، إجراء الاختبار للوافدين الجدد للكشف عن الفيروس وتعزيز تدابير النظافة الصحية (على سبيل المثال: تركيب مرافق غسل اليدين، وتوفير الصابون ومعدات الغسيل الأخرى، وإنشاء أجنحة لحالات العزل) وذلك لمنع انتشار المرض".
ويبلغ عدد السجون في مصر 68 سجناً، أُنشِئت 26 منها بعد وصول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى السلطة. وعلاوة على هذه السجون، هناك 382 مقر احتجاز داخل أقسام ومراكز الشرطة في مختلف المحافظات، إضافةً إلى السجون السرية في المعسكرات، ومع ذلك تتراوح نسبة التكدس داخل السجون من 160 في المائة في السجون إلى 300% في مقرات احتجاز مراكز الشرطة، حسب تقرير رسمي صادر عام 2016 عن المجلس القومي لحقوق الإنسان (مؤسسة حكومية مصرية).
وتتراوح أعداد السجناء والمعتقلين ما بين 110 آلاف و140 ألف سجين ومعتقل، بينهم 26 ألف محبوس احتياطيا ولم تصدر ضدهم أحكام قضائية، طبقًا لتصريحات الإعلامي المصري الموالي للنظام محمد الباز، نقلًا عن مصادر بمصلحة السجون المصرية.
ويشير ارتفاع أعداد الوفيات إلى تصاعد خطير للإهمال الطبي المؤدي للموت داخل السجون المصرية في ظل انتشار وباء كورونا، الذي سارعت بعض الدول للإفراج عن مسجونيها خشية انتشار الوباء بينهم، بينما ينتشر فعليا داخل السجون وأماكن الاحتجاز في مصر من دون إجراء حقيقي لمواجهته، ما يجعل أعداد وفيات المحبوسين مرشحة للزيادة.
ومن هذا المنطلق، يعد الحديث عن التعذيب كجريمة، أو انتهاك تتفرع منه عناصر متعددة تشكل نوعًا وفرعًا من فروع التعذيب التي أقرها القانون الدولي بغية مناهضته ومنعه، لما يمثله من خطر لا يمكن تداركه. حيث أقر القانون الدولي تعريفات متعددة للتعذيب بخلاف التعذيب البدني الصريح، مثل التعذيب النفسي اللاإنساني أو المهين أو الحاط بالكرامة. وفي خضم هذه التعريفات والفروع؛ أصبح التعامل مع هذه الجريمة، التي لا مبرر لها أساسًا، مصدر قلق متزايد إزاء تفشي وباء كورونا، والذي يعتبر تطبيقا لقواعد حقوق الإنسان في أوقات الأزمات والكوارث.
وهذا هو الاتجاه الدولي الذي وضعه البرنامج الدولي لقانون الكوارث لتيسير الاستجابة الكافية والفعالة لحالات الكوارث، التي تلبي الاحتياجات الأساسية للأشخاص المعنيين مع الاحترام الكامل لحقوقهم. وبناءً عليه، فإن الحديث عن انتشار فيروس كورونا يتطلب الحديث عن الحق في الصحة باعتباره أحد الحقوق الأصيلة للإنسان، لا يمكن غض الطرف عنها، سواء في الأوقات العادية أو أوقات الأزمات والكوارث، وبالأخص عندما يعرض القانون الدولي الإهمال الطبي المتعمد كأحد روافد الحق في الصحة كونه نوع من أنواع التعذيب الذي يجب الوقوف ضده ومناهضته.
وأعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في قرارها 52/149 المؤرخ 12 ديسمبر/ كانون الأول 1997، يوم 26 يونيو/ حزيران يوماً دولياً للأمم المتحدة لمساندة ضحايا التعذيب، بهدف القضاء التام على التعذيب، وتحقيقاً لفعالية أداء اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة التي بدأ نفاذها في 26 يونيو/حزيران 1987.
وبينما تنص المادة 52 من الدستور المصري على أن: "التعذيب بجميع صوره وأشكاله، جريمة لا تسقط بالتقادم"، ولم يفتح سوى تحقيق واحد في وفاة كل هؤلاء المحتجزين نتيجة الإهمال الطبي، في مقار الاحتجاز المختلفة، بشأن وفاة المخرج الشاب شادي حبش (24 عامًا) داخل زنزانته، فجر السبت 2 مايو/ أيار الماضي، والذي ألمحت النيابة العامة في بيانها الصادر في هذه الواقعة بشكل غير مباشر، إلى أنه انتحر، لتزيح احتمالات الإهمال الطبي مع التحقيق.
وعلى الرغم من أن الواقعة مضى عليها قرابة شهرين، إلا أن الحديث عنها توقف مع صدور بيان النيابة العامة الذي تلى الوفاة بعدة أيام، ولم يتم الإعلان لاحقًا عن نتائج التحقيقات حال استمرارها، وسط توقعات حقوقية وقانونية بصدور نتائج التحقيقات مؤكدة للتحقيقات المبدئية بأن سبب الوفاة انتحار على الرغم من أن البيان الأول تضمن وقائع اعتبرها حقوقيون إهمالاً طبياً متعمداً.