تتناقض الحروب بما تطلقه من عنف مع سوية الحياة العادية في أيّ من المجتمعات. موظفون وعمال وباعة وتجار يذهبون إلى أعمالهم، وطلاب إلى جامعاتهم ومعاهدهم يندرجون في صفوف أمام أساتذتهم يستمعون إلى المحاضرات، أو يخوضون في جدال معهم حول شؤون تتعدى مواد الدراسة إلى حياة مجتمعهم بتفاعله مع محيطهم العربي والعالمي حتى. دوماً كان طلاب اليمن مصدر حراك وتفاعل مع مصر رفضاً للعدوان الثلاثي وهزيمة عام 1967 وتضامناً مع فلسطين في نضال شعبها ضد الاحتلال الصهيوني، ومع بيروت في صمودها خلال الاجتياح الإسرائيلي عام 1982. ودوماً كان طلاب الجامعات في قلب الحدث العربي مهما كان موقعه قريباً أو بعيداً عن جغرافية بلادهم.
لذلك، لم يكن خارج المألوف التفاعل مع المناخ العربي الإجمالي في إزاحة السلطات المتكلسة عن كاهلهم، على أن يفتح حلم التغيير الأبواب نحو مستقبل مختلف لبلادهم وبلاد العرب أجمعين. التظاهرات التي خرجت من جامعة "صنعاء" تفاعلت معها الجامعات والمعاهد في طول البلاد وعرضها. ولأنّ بلادهم تقع على خط فوالق جيوسياسية جرى توظيف إنجازهم في دفعهم والبلاد إلى محرقة الحروب التي يعرف بعضهم متى تبدأ ولا يعرفون أبداً متى تنتهي. على هذه القاعدة جرى تحطيم آمالهم بقيام يمن مستقر متوثب للخوض في مجرى التقدم وتجاوز العوائق المتراكمة أمام طموحاتهم.
رفع الطلاب في بدايات حراكهم ضد حكم الرئيس علي عبد الله صالح في عام 2011 شعاراً معبراً يقول: "الثورة أولاً والدراسة ثانياً". وعلى هذا الأساس انخرطوا في التظاهرات، واعتقل منهم العشرات وزجوا في السجون من دون أن يتراجعوا أو يترددوا حتى ظنوا أنّهم حققوا ما يصبون إليه. لكنّ الحرب اللاحقة بعد تحالف النظام مع الحوثيين نقلتهم إلى مكان آخر. ومعها عادت البلاد إلى صورة مشابهة لما كانت عليه أيام الحكم الإمامي، من مناطق ممزقة منفصلة بعضها عن بعض، وجبهات قتال مشتعلة لا تترك محافظة إلاّ وأقحمتها في النار.
اقــرأ أيضاً
في مناخ من هذا النوع تتعطل الحركة الطالبية، إن لم نقل أكثر. تحتاج هذه الحركة إلى دولة ووزارة تربية تضغط عليها من أجل انتزاع استقلال الجامعات وتحقيق مطالب الطلاب في مناهج متطورة ومكتبات حديثة تواكب كلّ جديد في عالم النشر داخلياً وخارجياً ومناخات من الحياة الديمقراطية تسمح بتفاعل الطلاب فيما بينهم، ومع أساتذتهم وما يدور في مجتمعهم ومنطقتهم والعالم. لكنّ هشاشة الدولة في اليمن أشبه ما يكون بلعنة تطاردهم في القرن الواحد والعشرين كما طاولتهم قبل ذلك، وهكذا عادت إلى ما يشبه عصر السلطنات التي زادت يوماً عن 17 سلطنة، في تعبير عن بلاد ممزقة بين المدن المطوقة المعرضة للقصف والسيارات المفخخة والمعارك الملتهبة. في مناخ من هذا النوع تمّحي عملية التعليم، وتنحدر حتى الحدّ الأدنى نتيجة الوضع العام، ويصبح الأساتذة والطلاب مجرد ضحايا في مطحنة الموت، ومحاولة تدبير قطرة الماء ورغيف الخبز لهم ولأفراد أسرهم من أخوة وأخوات، ما يعني أنّ المستقبل بات سراباً يبتعد ببريقه عن مرأى عيونهم. وفي مناخ مترع بمنوعات العنف، تنشغل القبائل والجماعات بمحاولات حماية نفسها أو فرض إرادتها بقوة سلاحها على غيرها، ما يقود إلى تراجع العلم كسبيل للتقدم والخلاص من ربقة التخلف الطاغي.
*باحث وأكاديمي
لذلك، لم يكن خارج المألوف التفاعل مع المناخ العربي الإجمالي في إزاحة السلطات المتكلسة عن كاهلهم، على أن يفتح حلم التغيير الأبواب نحو مستقبل مختلف لبلادهم وبلاد العرب أجمعين. التظاهرات التي خرجت من جامعة "صنعاء" تفاعلت معها الجامعات والمعاهد في طول البلاد وعرضها. ولأنّ بلادهم تقع على خط فوالق جيوسياسية جرى توظيف إنجازهم في دفعهم والبلاد إلى محرقة الحروب التي يعرف بعضهم متى تبدأ ولا يعرفون أبداً متى تنتهي. على هذه القاعدة جرى تحطيم آمالهم بقيام يمن مستقر متوثب للخوض في مجرى التقدم وتجاوز العوائق المتراكمة أمام طموحاتهم.
رفع الطلاب في بدايات حراكهم ضد حكم الرئيس علي عبد الله صالح في عام 2011 شعاراً معبراً يقول: "الثورة أولاً والدراسة ثانياً". وعلى هذا الأساس انخرطوا في التظاهرات، واعتقل منهم العشرات وزجوا في السجون من دون أن يتراجعوا أو يترددوا حتى ظنوا أنّهم حققوا ما يصبون إليه. لكنّ الحرب اللاحقة بعد تحالف النظام مع الحوثيين نقلتهم إلى مكان آخر. ومعها عادت البلاد إلى صورة مشابهة لما كانت عليه أيام الحكم الإمامي، من مناطق ممزقة منفصلة بعضها عن بعض، وجبهات قتال مشتعلة لا تترك محافظة إلاّ وأقحمتها في النار.
في مناخ من هذا النوع تتعطل الحركة الطالبية، إن لم نقل أكثر. تحتاج هذه الحركة إلى دولة ووزارة تربية تضغط عليها من أجل انتزاع استقلال الجامعات وتحقيق مطالب الطلاب في مناهج متطورة ومكتبات حديثة تواكب كلّ جديد في عالم النشر داخلياً وخارجياً ومناخات من الحياة الديمقراطية تسمح بتفاعل الطلاب فيما بينهم، ومع أساتذتهم وما يدور في مجتمعهم ومنطقتهم والعالم. لكنّ هشاشة الدولة في اليمن أشبه ما يكون بلعنة تطاردهم في القرن الواحد والعشرين كما طاولتهم قبل ذلك، وهكذا عادت إلى ما يشبه عصر السلطنات التي زادت يوماً عن 17 سلطنة، في تعبير عن بلاد ممزقة بين المدن المطوقة المعرضة للقصف والسيارات المفخخة والمعارك الملتهبة. في مناخ من هذا النوع تمّحي عملية التعليم، وتنحدر حتى الحدّ الأدنى نتيجة الوضع العام، ويصبح الأساتذة والطلاب مجرد ضحايا في مطحنة الموت، ومحاولة تدبير قطرة الماء ورغيف الخبز لهم ولأفراد أسرهم من أخوة وأخوات، ما يعني أنّ المستقبل بات سراباً يبتعد ببريقه عن مرأى عيونهم. وفي مناخ مترع بمنوعات العنف، تنشغل القبائل والجماعات بمحاولات حماية نفسها أو فرض إرادتها بقوة سلاحها على غيرها، ما يقود إلى تراجع العلم كسبيل للتقدم والخلاص من ربقة التخلف الطاغي.
*باحث وأكاديمي