تهاني "فيسبوك" تلغي "إنسانية العيد" وتفرق العائلات الجزائرية
هكذا أبدى حليم (32 عاما) "خيبته" الكبرى نتيجة تلقيه تهاني عيد الفطر إلكترونيا، بكلمات معدودة، أو عبارات مستنسخة ترسل في الوقت نفسه لعشرات الأسماء الموجودة في الفضاء الأزرق. مؤكداً لـ"العربي الجديد" أنه فوجئ بتلقيه الرسالة ذاتها من أصدقاء كثيرين، ومن أفراد العائلة الذين بعثوا فيديوهات قصيرة، عبارة عن "فرحة مستنسخة"، أو فرحة تنقصها روح التهاني الحقيقية بالعيد السعيد".
توزيع التهاني في ثانية
هل تغير المجتمع الجزائري؟ سؤال وضعه حليم على صفحته الفيسبوكية للتعبير عن غضبه، يخفي رسالة للأصدقاء والزملاء تدعوهم للاتصال عبر الهاتف، للإبقاء على التواصل مع معارفه، وتبادل الفرحة والاستماع لضحكاتهم، الممزوجة بتمنيات الخير والمحبة والسلام التي تنقلها عبارات التهاني.
لكن تعليقه صار محل جدل واسع من أصدقائه الافتراضيين الذين برروا أفعالهم بضيق الوقت، و"الزمن الذي تغير".
وأوضح حليم أن "الفضاء الإلكتروني رغم تقريبه للبعيد وإلغاء المسافات، ومساعدته على لمّ شمل ولقاء الأحبة واستعادة أصدقاء الطفولة وزملاء المدرسة، غير أنه ألغى "الروح" المنبعثة من "اللقاءات العائلية والزيارات المتبادلة بين الأحبة".
لغة العصر جميلة جدا، وفيها فوائد جمة، لغة يمكنها أن تنقل الكلام، وتوثق اللحظات بمختلف الوسائل، لكنها لم تستطع أن تعوض لقاء الأقارب والجيران والأصدقاء حول صينية الحلوى والشاي والقهوة، وصيحات الأطفال وفرحهم بالألعاب. وصارت هي اللغة المسيطرة في المناسبات، توضع على الجدار الافتراضي، فيتلقفها الآلاف ويردون عليها بالإعجاب أو التعليق. هكذا صرح بعضهم لـ"العربي الجديد" عن آرائهم بـ"المعايدة" المكررة والردود التي تفتقد الروح والعاطفة التي يتحلى بها المسلمون في الأعياد الدينية، خصوصاً عيد الفطر.
تعويض التكاليف في مكان الروح
وتعارضت الآراء بين رافض لعبارات التهاني المقتضبة، وبين راضٍ بحسنات التكنولوجيا التي خففت عنهم تكاليف الاتصالات الباهظة، وأبقت على صلة الرحم والتواصل مع الأحبة ولو عبر رسائل نصية أو فيديوهات جاهزة.
ويعترف كثيرون بأن "المعايدة الإلكترونية" أو "التهاني الفيسبوكية"، ألغت العلاقات الإنسانية. ففي السابق كانت زيارة الأقارب تبدأ عقب صلاة العيد مباشرة، حسب عادات الجزائريين. إذ يقضي الأبناء يوم العيد في الدار الكبرى وهو بيت الأب والأم، أو بيت الجد، حيث تلتقي العائلة من أخوة وأخوات. أما اليوم الثاني من أيام العيد فيكون لزيارة الأخوال والأعمام، وزوجات الأبناء أهاليهم.
لكن لجوء كثيرين إلى تقديم التهاني عبر الفضاء الافتراضي، ورفع الحرج بعدم زيارة الأهل والأقارب، راجع إلى أن الظروف تحتم على بعضهم قلب "الطاولة" على العادات، والتعامل مع احتفالات العيد حسب الظروف التي تحول دون تطبيق تلك العادات، والتي باتت بنظر عدد من الناس "بالية" أو "لا يمكن تنفيذها". ويقول بلال لعراجي لـ"العربي الجديد" الذي يشتغل في المنطقة الصناعية والنفطية بمنطقة حاسي مسعود، جنوبي الجزائر، إن بعض العادات تخنق الأسر الجزائرية، وتسحبهم إلى الوراء وتكلفهم بما لا يطيقونه.