يشكل الأمازيغ جزءاً مهماً من الجسم المجتمعي في الجزائر. يعدّون السكان الأصليين للبلاد ولدول شمال أفريقيا قبل الفتح الاسلامي، وهم الشعب الذي أقبل على الإسلام واستقبل الفاتحين وساعدهم على فتح مناطق أخرى كالأندلس.
يتغنى الأمازيغ في الجزائر بماضٍ عتيد يقدّس الحرية عبر شعارهم الخالد "نكنو ولا نغزر"، وتعني "نموت ولا ننحني"، ويلتحفون راية استلهموا ألوانها من الطبيعة والجبال التي يقطنونها على مر العصور.
يتمركز الأمازيغ في أربع مناطق رئيسية في الجزائر، أكبر كتلة سكانية في منطقة القبائل الكبرى، والتي تمتد على مناطق البويرة وتيزي وزو وبجاية، إضافة إلى بعض المناطق من ولايات سطيف وجيجل. ويقطن جزء منهم منطقة تيبازة، 80 كيلومتراً غربي العاصمة الجزائرية، ويعرفون بـ"إيشنوين"، نسبةً إلى جبل شنوة.
ويحتفظ أمازيغ القبائل الكبرى بعادات وتقاليد خاصة في ما يتعلق بإدارة الشأن الاجتماعي، ويشكل عقلاء القرى ما يعرف "بتاجماعت" وتعني العرش أو الجماعة التي تدير القرية، وتشرف على عمليات التضامن والتكافل المجتمعي وحل المشاكل الاجتماعية.
ويعد أمازيغ القبائل الكبرى أكثر انخراطاً في الحراك السياسي في الجزائر، وأكثر تعبيراً عن التمرد المستمر على السلطة المركزية، منذ التمرّد المسلّح الذي قاده الزعيم الثوري الراحل حسين أيت أحمد عام 1962، رفضاً لانقلاب الجيش على الحكومة المؤقتة، مباشرة بعد استقلال الجزائر، وصولاً إلى أحداث أبريل/ نيسان 1980 التي اعتبرت أول هزة سياسية وشعبية تمس الجزائر منذ استقلالها عام 1962. وتلت هذه الأحداث إضراب عام 1994 للمطالبة بتدريس اللغة الأمازيغية ثم أحداث الربيع الأسود في أبريل/نيسان 2001.
وتتمركز الكتلة الثانية للأمازيغ في منطقة غرداية وسط البلاد على تخوم الصحراء، ويتميّز سكانها باعتناق المذهب الإباضي، وهم أكثر انضباطاً من ناحية التنظيم الاجتماعي. وحتى الآن يحافظ أمازيغ غرداية على هيئات اجتماعية تحكم المجتمع الإباضي، كمجلس عمي سعيد، والذي يجمع علماء وفقهاء الإباضية، ويشرف على الشؤون الدينية و"مجلس العزابة" الذي يدير الشأن الاجتماعي والثقافي وكذلك الشأن التربوي والمدارس الحرة.
ويحافظ أمازيغ غرداية على الترابط الاجتماعي واحترام خصوصيات مجتمعهم على الرغم من مجمل التطور الذي عرفه العالم، والحفاظ على النمط المعماري لمدنهم وأحيائهم، ويتميزون بالاشتغال بالتجارة وتعايشوا مع العرب المالكية في المنطقة، لكن السنوات الأخيرة شهدت خلافات وتوترات اجتماعية بين الأمازيغ الإباضيين والعرب المالكية في غرداية.
أما الكتلة الثالثة من الأمازيغ فتتمركز في منطقة الأرواس أقصى شرقي الجزائر قرب الحدود مع تونس، ويعرفون بـ"الشاوية"، وتضم مدن باتنة وخنشلة وأم البواقي وسوق أهراس، وهي مناطق ثورية شهدت أكبر المعارك والمواجهات، وهم أكثر تمسكاً باللحمة الوطنية وأقل انخراطاً في الحراك المطلبي الأمازيغي، ويتميز أمازيغ الشاوية بالتمسك بالتراب والأرض وبالشدة تماشياً مع قساوة الظروف المناخية الباردة في الشتاء، وما زالوا يخضعون لهيئات عرفية واجتماعية "العرش"، والتي تساهم في إدارة حياتهم الاجتماعية، فيما تتمركز الكتلة الرابعة من الأمازيغ في منطقة الصحراء كتمنراست واليزي، ويعرفون "بالطوارق". وتتميز حياتهم بالبساطة والتنقل في فيافي الصحراء، لكنهم بدأوا في العقود الأخيرة في الاستقرار في المدن الصحراوية، ويتميزون بموسيقى التندي، التقليدية الهادئة التي تعزف على قيثارة تقليدية.
ما زالت الهوية الأمازيغية على تنوّعها تُثري المشهد الثقافي في الجزائر، وصارت في بعض تجلياتها تمثّل قواسم مشتركة بين كل الجزائريين على اختلاف أصولهم الأولى، بما يسهم في التعايش بين الطرفين والذوبان معاً في الجسم الوطني، وشكّل ذلك في فترات معينة محفزاً جماعياً للانخراط في خيار الدفاع عن الوطن والأرض في وجه الغزو الأجنبي، إذ كان الأمازيغ ضحية كما كل الجزائريين لأساليب القمع الاستعماري الفرنسي في الفترة بين 1830 حتى استقلال البلاد عام 1962.
ولعب عدد من القادة والشخصيات ذات الأصول الأمازيغية دوراً بارزاً في حركة التحرير الوطني في الجزائر قبل وخلال ثورة التحرير الجزائرية بين نوفمبر/تشرين الثاني 1954 ويوليو/تموز 1962، إضافة إلى الإسهامات الثقافية والفنية والدينية، إذ تعد منطقة القبائل شرقي الجزائر أكثر المناطق التي ساهمت في احتضان الزوايا والكتاتيب الدينية التي حافظت على الدين الإسلامي واللغة العربية خلال فترة الاستعمار الفرنسي.