وصلتني رسالة عبر "فيسبوك" من فتى عمره 14 عاماً يعيش في كندا، يدعوني فيها للمشاركة بحملة تبرعات أطلقها من ضمن مشروعه المدرسي، هدفها المساهمة في توفير بعض الحاجيات للاجئين.
الحملة بالطبع ليست فريدة من نوعها، لكنّها تخبرك بأنّ صغارنا وشبابنا قادرون على التعاطف مع قضيّة ما في مواجهة القسوة المستشرية وتوجيه مشاعرهم نحو المشاركة والتعاون. والخيارات غير البديهية، تقف خلفها أسرة مشجعة ومدرسة مساندة تتبنيان ثقافة دعم الآخرين في مصاعبهم.
سلوك الفتى طرح أمامي جملة أسئلة عن أسباب تعاطفنا مع جهة دون أخرى، وامتناعنا عن التبرع لمحتاج في حاجة إلى دعمنا. وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) هي النموذج الذي استحضرته؛ فالوكالة تعيش أصعب أزماتها منذ قطع التمويل الأميركي عنها، وبرامجها مهددة ومعها مصير ملايين اللاجئين.
اعتبرت أنّ دعم "أونروا"، إذا حصل، نردّه إلى تعاطفنا الذاتي كأفراد مع الفلسطينيين لأنّنا نفهم معاناتهم. وهو ترجمة لموقفنا من القضية الفلسطينية التي تأخذ حيزها الخاص في حياتنا وتفكيرنا منذ زمن بعيد. وهذا دافع منطقي وكافٍ للمساعدة. والتبرع لـ"أونروا"، إذا حصل، يكون أداة تفريغ لغضبنا الكامن ضد الاحتلال الإسرائيلي الذي نعجز عن محاربته، وشكلاً من أشكال التعبير عن سخطنا تجاه السياسة الأميركية المعادية للفلسطينيين وإصرارها على نزع حقوقهم.
لكن، لماذا يخفت تعاطفنا ولا يبقى مستيقظاً فينا على الدوام، فنحتاج إلى منبّه كي نحييه في نفوسنا؟ وفي حالة "أونروا" اليوم، لا يتوقف المنبّه عن الرنين، ونتائج الدعم ليست بحجم الأزمة!
الإجابة ليست سهلة؛ ففي حالة "أونروا"، نرى نحن الأفراد أنّ دعم الوكالة مسؤولية الأنظمة العربية وليس الشعوب، وأنّ عدداً قليلاً من الأغنياء العرب قادر وحده على تغطية عجز الوكالة لسنوات، وأنّ همومنا وغرقنا بمشاكلنا المعيشية والاجتماعية في بلداننا تثقلنا بما يكفي وتجعلنا بأمسّ الحاجة إلى من يتعاطف معنا ويدعمنا، وهذا يخفف تعاطفنا مع الفلسطينيين.
يضاف إلى ما سبق الواقع الفلسطيني المشرذم والمتناحر الذي يشوّه المشهد الفلسطيني العام ويقلل فرص التعاطف معه. وهناك المواقف التي بناها الناس تجاه الفلسطينيين انطلاقاً من وجود اللاجئين الفلسطينيين في بلدانهم، وعلاقة دولهم مع السلطة الفلسطينية نفسها. كذلك يقف الفساد الذي لم تسلم منه مؤسسات الأمم المتحدة حاجزاً أمام التعاطف، وتحديداً في تعاملها مع التمويل وأولويات توزيعه ومواقفها المتغاضية عن جرائم إسرائيل تاريخياً.
كل تلك المبررات صحيحة، لكنّ أكثر من نصف مليون طفل يحتاجون إلى مقعد دراسي هذا العام وكل عام، ولا يستطيعون العيش من دون طبابة وعلاج، ويعجزون عن مواجهة مصيرهم لوحدهم.
رغم كل ما سبق، فإنّ دعم "أونروا" لا يمكن أن نبقيه مرهوناً بمشاعر التعاطف الآنية التي "قد" تتحرك فينا وربما لا، ولا بدّ من أن يتحول إلى تعاطف فردي "إلزامي" اليوم ومن دون تأخير.