ما إن يؤذّن إمام المسجد القريب من بيتها، حتى تستيقظ سميرة صيام من نومها لتؤدّي صلاة الفجر. وتبدأ بإعداد الفطور لأبنائها قبل أن توقظهم. يتوجهون إلى مدارسهم، فتعود هي إلى المطبخ لتعدّ لهم وجبة الغذاء. هكذا، عندما يعودون بعد الظهر يجدون الطعام جاهزاً وبحاجة فقط إلى التسخين.
بعدما تطمئن إلى أن كل شيء معدّ لعائلتها، تنتعل حذاءً ورديّ اللون وترتدي قميصاً أحمر وتضع الكوفية الفلسطينية على رأسها بدلاً من المنديل. ومن ثم تغادر منزلها في مخيم جباليا باتجاه منطقة الشفاء. تدخل مدرسة الجراجوه لتعليم قيادة السيارات، مع ابتسامتها المعهودة. فيبادلها طلابها الابتسام.
بعد ثلاثة أيام، تبلغ سميرة أحمد صيام عامها الخامس والخمسين. هي قضت طفولتها في أزقة مخيم جباليا، حيث شهدت أيام نكسة عام 1967 عندما احتلت قوات الاحتلال المخيم ومناطق عديد في قطاع غزة. وعلى الرغم من هذه المعاناة والمصاعب التي واجهتها بسبب الاحتلال الإسرائيلي، إلا أنها قضت أياماً جميلة في طفولتها سِمتها الصمود والترابط الأسري. هي "عيشة الأصالة"، بحسب ما تصفها.
في عام 1979، أنهت سميرة دراستها وحصلت على شهادة الثانوية العامة، فرع علمي، بدرجة جيد جداً. بعدها سافرت إلى الأردن لتكمل دراستها الجامعية، بسبب عدم توفّر معاهد متخصصة في غزة في ذلك الوقت. فتابعت الدراسة بالعلوم المصرفية لمدة ستة أشهر، لتحصل بعدها على منحة لدراسة الطب في بلغاريا. لكن فرحتها لم تكتمل. فهي وبعدما غادرت الأردن وتوجّهت إلى غزة، لم تتمكن من العودة ولم تحصل على المنحة. تقول: "منعتني دولة الاحتلال من العودة إلى الدراسة في الأردن. حرمت بعدها من التعليم، إذ إنني فلسطينية. لم أحصل على كامل حقوقي".
لم تسمح سميرة للظروف أن تعوّقها أكثر، فتابعت دورات مكثفة في اللغتين الإنكليزية والعبرية ودورة في الطباعة، وحصلت على رخصة قيادة. وكانت سميرة قد نشأت في منزل تتعدد فيه الشاحنات الكبيرة، وكان والدها يعمل سائق شاحنات نقل بين المحافظات الفلسطينية، فخطرت للشابة حينها فكرة تعليم القيادة، ولاقت دعماً كبيراً من والدها الذي حرص على إتقانها ذلك.
في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، بدأت سميرة تتدرّب على أصول تعليم القيادة، بعدما حصلت على إذن بذلك من القيادة العسكرية التابعة للاحتلال في منطقة أبو خضرة العسكرية. اعتبرت الأولى على مستوى فلسطين في خوض مجال التدريب على القيادة. تابعت في البداية محاضراتها العلمية على معبر بيت حانون (إيرز)، ومن بعدها دروساً عملية في داخل الأراضي المحتلة. كانت الوحيدة التي ترافق مجموعة من الرجال وتتنقل بين المناطق لتلقي الدروس العملية.
لكن الدروس العملية سرعان ما توقفت إثر الانتفاضة الأولى في عام 1987. فسياسة الاحتلال كانت تقضي بإطالة الدروس العلمية مع الفلسطينيين. وفي عام 1990، كانت محطة سميرة الأولى في مدرسة الشروق لتعليم القيادة، أمام المجلس التشريعي في غزة.
في خلال عملها، حصلت سميرة على رخصة لقيادة حافلة ركاب وعلى الدرجة السابعة في التدريب على القيادة، وهي أعلى درجة في هذا المجال. وقد نجحت في جعل اسمها مميّزاً في هذا المجال. كانت المرأة الوحيدة، وتخبر أن "عديدين هم الذين كانوا ينظرون إليّ بشكل غريب كوني امرأة أتدرّب كالرجال". هنا في غزة، لا تسمح العادات والتقاليد للنساء بمثل هذه المهن.
في مدرسة بيت لاهيا، في شمال القطاع، درّبت سميرة طلابها لمدة ثمانية أعوام، ولمدة عام واحد في مدرسة التعاون في منطقة الرمال في غزة، ولعام آخر في مدرسة الزهراء، وسط القطاع. ومنذ 12 عاماً، تمارس مهنتها في مدرسة الجراجوه. ولأن الأوضاع المعيشية صعبة، تتوجه المرأة بعد انتهاء دوامها في المدرسة عند الساعة الثانية من بعد الظهر، إلى مدرسة القدس في مدينة الشيخ زايد في شمال القطاع، للتدريب. وعلى الرغم من عدم سماح وزارة النقل والمواصلات بالتدريب في مدارس متعددة، إلا أنها حصلت على تصريح رسمي منها لخبرتها في المجال، فتمضي يومياً 11 ساعة ونصف الساعة في العمل، بدءاً من السابعة والنصف صباحاً.
كثر هم الشباب الذين يقصدون المدرستين حيث تدرّب على القيادة، نظراً لصيتها الحسن وللاسم الذي صنعته في هذا المجال. تضيف أن عدداً من سائقي الأجرة تدرّبوا على يدها، هذا ما منحها اسماً مميزاً.
إلى ذلك، لا تملك سميرة أي وقت فراغ للزيارات العائلية أو للترويح عن نفسها. تقول: "أوقات فراغي هي لأولادي الأربعة، ثلاثة صبيان وفتاة واحدة. أنا حريصة على حل مشكلاتهم ومتابعة يومياتهم".
تجدر الإشارة إلى أن سميرة تعيش ظروفاً اقتصادية صعبة، لكنها تجهد وزوجها الذي يعمل سائق أجرة لتأمين مستقبل أولادهما. وهي اليوم تسكن وعائلتها في غرفتين على سطح منزل والدها، أما سطحهما، فألواح من "الأسبست".