لكلّ من البلدان العربية سمة كارثية. صحيح أن هناك ما هو جامع بينها جميعاً، لكن الأصح أن هناك خصوصيات تمر بها كل واحدة من الدول العربية تختلف في كثير أو قليل عما تعانيه سواها. والعراق هو نموذج مكبر عما جرى ويجري. في غضون العقود الماضية شهد العراق ما عرفه وذاقه أهله من أهوال، بدءاً بالحرب مع إيران إلى حرب الخليج وصولاً إلى الاحتلال الأميركي وحل مؤسسات الدولة وهندسة مؤسساتها السياسية على أسس طائفية ومذهبية وعرقية على يد "المفوض السامي" الأميركي بول بريمر... المهم أن القوات الأميركية رحلت، ولكن ما أرسته من ركائز باق ويتعمق بفضل السياسات الأميركية والإيرانية معاً. والحصيلة هي أن العراقيين يدفعون من لحومهم ودمائهم وعظامهم وفي مختلف المجالات. اللهم باستثناء الفاسدين الذين باتوا على رأس هرم قمة سلطات الفساد في العالم تقريباً، والذين لا تطاولهم يد القانون ولا سيف العدالة باعتبارهم يتمتعون بالحصانات الخارجية والطائفية الداخلية...
تشير المعطيات التي يتداولها مسؤولون عراقيون في رئاسة الوزراء أن نسبة الخريجين الجامعيين العاطلين عن العمل في العامين الماضيين لم تنقص عن 90 في المائة وهو رقم لا شبيه له بين خريجي الدول العربية القريبة والبعيدة. أي أنه من أصل كل عشرة خريجين يجد أحدهم عملاً، من دون أن يعني ذلك تحديد طبيعة العمل: هل هو في اختصاصه أم لا؟ وعلى الأغلب العمل الذي يزاوله الخريجون هو في بعض الأشغال التي لا تساهم في تحقيق التنمية المجتمعية، خلافاً للدور الذي يمكن أن يلعبه الجامعيون في دفع عجلة التطور إلى الأمام. الرقم الذي أشرنا إليه هو جزء من المعاناة، وهي أشد إطباقاً على خريجي العلوم المهنية الذين درسوا بعد حصولهم على الشهادات المتوسطة.
اقــرأ أيضاً
وفي العراق تتداخل الأوضاع على نحو مدهش، إذ إلى جانب غياب السياسات التنموية في القطاعين الزراعي والصناعي، هناك فشل مشروعات تحديث البنية التحتية نتيجة نهب الأموال، وإنفاق ما يبقى من أموال النفط على الجيش والحشد الشعبي وتسليحهما. يتكامل ذلك مع غياب التخطيط والتنسيق بين وزارات التعليم العالي والعمل والشؤون الاجتماعية وغيرها ما أدى إلى تراكم في اختصاصات وندرة في أخرى يحتاجها سوق العمل، أو أنه بأمس الحاجة إليها لتلبية طلباته. وينطبق ذلك على الكوادر الوسطى المساعدة لكوادر أعلى منها، ما يؤدي إلى تعطيل العمل أو تراجع مردوده.
والفعلي أن العراق يعيش كارثتين: أولهما سياسية من خلال إدارة البلاد من الخارج على يد قوى تريد تأبيد التخلف لضمان استمرار هيمنتها على مقدراته، ويجري ذلك بأشكال متداخلة من ضمنها عسكرة المجتمع وامتصاص العاطلين عن العمل واستعمالهم في حروب الداخل والخارج. والثاني هو تراجع دور الدولة والنخب الليبرالية لصالح المسؤولين الطائفيين الفاسدين الذين لا يعبأون بمصير العلم والتعليم والمتعلمين في بلاد الشعر والشعراء والعلماء... يكفيهم البقاء في مواقع القرار، ولو قاد ذلك لخراب البصرة الحاصل، بدليل ثورتها كمدينة منكوبة من أجل الحصول على المياه... مياه الشرب والاستعمال
النظيفة فقط.
(باحث وأكاديمي)
تشير المعطيات التي يتداولها مسؤولون عراقيون في رئاسة الوزراء أن نسبة الخريجين الجامعيين العاطلين عن العمل في العامين الماضيين لم تنقص عن 90 في المائة وهو رقم لا شبيه له بين خريجي الدول العربية القريبة والبعيدة. أي أنه من أصل كل عشرة خريجين يجد أحدهم عملاً، من دون أن يعني ذلك تحديد طبيعة العمل: هل هو في اختصاصه أم لا؟ وعلى الأغلب العمل الذي يزاوله الخريجون هو في بعض الأشغال التي لا تساهم في تحقيق التنمية المجتمعية، خلافاً للدور الذي يمكن أن يلعبه الجامعيون في دفع عجلة التطور إلى الأمام. الرقم الذي أشرنا إليه هو جزء من المعاناة، وهي أشد إطباقاً على خريجي العلوم المهنية الذين درسوا بعد حصولهم على الشهادات المتوسطة.
وفي العراق تتداخل الأوضاع على نحو مدهش، إذ إلى جانب غياب السياسات التنموية في القطاعين الزراعي والصناعي، هناك فشل مشروعات تحديث البنية التحتية نتيجة نهب الأموال، وإنفاق ما يبقى من أموال النفط على الجيش والحشد الشعبي وتسليحهما. يتكامل ذلك مع غياب التخطيط والتنسيق بين وزارات التعليم العالي والعمل والشؤون الاجتماعية وغيرها ما أدى إلى تراكم في اختصاصات وندرة في أخرى يحتاجها سوق العمل، أو أنه بأمس الحاجة إليها لتلبية طلباته. وينطبق ذلك على الكوادر الوسطى المساعدة لكوادر أعلى منها، ما يؤدي إلى تعطيل العمل أو تراجع مردوده.
والفعلي أن العراق يعيش كارثتين: أولهما سياسية من خلال إدارة البلاد من الخارج على يد قوى تريد تأبيد التخلف لضمان استمرار هيمنتها على مقدراته، ويجري ذلك بأشكال متداخلة من ضمنها عسكرة المجتمع وامتصاص العاطلين عن العمل واستعمالهم في حروب الداخل والخارج. والثاني هو تراجع دور الدولة والنخب الليبرالية لصالح المسؤولين الطائفيين الفاسدين الذين لا يعبأون بمصير العلم والتعليم والمتعلمين في بلاد الشعر والشعراء والعلماء... يكفيهم البقاء في مواقع القرار، ولو قاد ذلك لخراب البصرة الحاصل، بدليل ثورتها كمدينة منكوبة من أجل الحصول على المياه... مياه الشرب والاستعمال
النظيفة فقط.
(باحث وأكاديمي)