قبل ذلك، لم أقم بمحاسبة نفسي مثلما يفعل كثيرون في نهاية كلّ سنة، أو بعد كلّ مرحلة مفصلية في حياتهم. وأخيراً، وأنا بكامل قواي العقلية، أقبلت على هذه التجربة في بداية الشهر الجاري، ديسمبر/كانون الأول. على مدى أسبوع كامل، جلست في قوقعة أفكاري، لا أعلم من أين أبدأ أو كيف أفعل.
ورحت أسال نفسي بصمت كيف أفصل الإيجابيات عن السلبيات؟ وكيف أغربل الناس ومحيطي، حيث أشياء كثيرة تتكدّس بعشوائية؟ الأواني مع الكتب، تعلوها أحلام اليقظة وبعض اللوحات والروتين، في حين تتبعثر فناجين القهوة بين الفرح والحزن، وبين الافتراضي والواقعي، وبين جدران عزلتي الأربعة ونوافذ المدينة المشرّعة على كلّ شيء.
ارتباك، خوف، ضحك، ذهول، تردد، مواجهات… أشياء تأتي في فترات متباعدة. بعضها يعود إلى أكثر من عشر سنوات، وقد ظننت أنّها اندثرت. لكنّها ما زالت تعشش في كلّ التفاصيل.
في اليوم الأول، رحت أحاول ترتيب الأشياء. في اليوم الثاني، حاولت كذلك. في اليوم الثالث، لم أحاول وإنّما بدأت بتغيير شكل الأشياء المكدّسة. كلّما وجدت أمراً عالقاً حللته أو تصالحت معه بسبب تعقيداته. في اليوم الرابع، بدأت بتقييم السلبيات. وضّبتها ووضعت كثيراً منها أسفل الأشياء المتكدّسة، إذ لم أعد أكترث لها، في حين تركت بعضها على رفّ لمراجعتها في بداية السنة الجديدة. أمّا الإيجابيات، فوضعتها في براويز وعلّقتها على جدراني احتفاءً.
اليوم الخامس كان مخصصاً لغربلة الكائنات المحيطة بي. في الواقع، كانت قائمة الأسماء قصيرة وكانت الخيارات صعبة نوعاً ما، بخلاف القائمة الافتراضية التي تأتي معظم أسمائها على "فيسبوك"، فكانت العملية أسهل من إشعال سيجارة. بعد ذلك، توقّفت عن جردة الحساب التي كلّما أغلقت ملفاً فيها فُتح آخر لم يكن في الحسبان.
في اليوم السادس، لم أقم بشيء سوى مشاهدة التلفزيون وتقليب المحطات، ودخول المطبخ خلال الفقرات الإعلانية أو الخروج إلى البلكون لإشعال سيجارة. كنت منقطعاً بصورة كاملة عن العالم الخارجي، لاعتقادي بأنّني سوف أقوم بعمل جبّار بمحاسبة نفسي، وبأنّ كلّ الأمور سوف تكون على أكمل وجه، وبأنّني بعد هذه العزلة سوف أصير شخصاً آخر يتعامل مع كلّ المواقف بطرق مختلفة…
وتركت كلّ تلك الأشياء خلفي، وخرجت من المنزل، وتجوّلت في أنحاء المدينة، وشربت القهوة في الأماكن المعتادة، والتقيت أصدقائي المعتادين وبعضاً من الأشخاص المدرجين على قائمة الغربلة والذين لم أجد أيّ مبرر لإلغائهم مثلما لم أجد مبرراً لكلّ تلك الحسابات التي ربّما تساعدني في ترتيب بعض الأشياء من حولي.