بينما يجري تسويق للتدخين الإلكتروني على أنّه بديل آمن وصحي عن التدخين التقليدي، يبدو الواقع مخالفاً، بعد سقوط وفيات بسبب هذا الاختراع العصري.
تأتي بنكهات مختلفة، من ليمون ونعناع وفراولة وغيرها، وتشهد إقبالاً كبيراً باعتبارها بديلاً عن تدخين التبغ، لكنّ السجائر الإلكترونية أدت إلى وفاة 29 شخصاً في الولايات المتحدة الأميركية وإصابة أكثر من 1200 بمرض رئوي غامض يرتبط بتدخينها. يخمن المسؤولون أنّ عدداً من السجائر الإلكترونية حصل عليه المستخدمون من السوق السوداء، إذ كانت تحتوي مواد غير شرعية، لكنّ المستهلك نادراً ما يمكنه تمييز ذلك، فهي غالباً ما تكون مغلفة بطريقة لا تشي بأنّها مصنعة في مكان غير مرخص. كذلك، لم تشر السلطات الأميركية المختصة، متمثلة في "المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها" إلى منتج بعينه، وإن أشارت إلى الزيوت الموجودة في هذا النوع من السجائر والتي تحتوي على رباعي هيدرو كانابينول، وهو واحد من مكونات الماريجوانا، على أنّه مسؤول محتمل عن المرض، لكنّ حالات الإصابة لا تقتصر على زيوت الماريجوانا فقط بل إنّ قسماً منها كان بسبب سجائر النيكوتين الإلكترونية. وبينت الإحصاءات أنّ ثمانين في المائة من المصابين هم من الشباب ما دون 35 عاماً.
وأظهرت دراسة أجريت على 17 مريضاً بعد أخذ عينات من أنسجة رئاتهم أنّ الإصابات قد تظهر على شاكلة حروق كيميائية أو كأنّ الرئة تعرضت لاستنشاق مواد كيميائية سامة. ونشرت الدراسة مؤخراً في مجلة "نيو إنغلاند" المختصة بالأبحاث الطبية وصدرت عن مؤسسة "مايو كلينيك". وتشير الدراسة إلى أنّ السجائر لإلكترونية التي تحتوي على مادة النيكوتين أصبحت الآن الأكثر شيوعاً في الولايات المتحدة، خصوصاً بين المراهقين والشباب. وتعمل الأجهزة بالبطاريات وتقوم بتسخين السوائل أو الزيوت التي تحتوي على النيكوتين أو مادة الحشيش والعقاقير غير المشروعة أو المركبات الكيميائية وغيرها من المواد التي تصنع في الغالب في شكل مادة سائلة. وتشير الدراسة إلى أنّه يجري تسويق السجائر الإلكترونية على أنّها بديل آمن للسجائر العادية، لكنّ الدراسات التي تحاول أن تثبت ذلك غير مقنعة. وبسبب ارتفاع عدد الإصابات وزيادة الوعي، بدا واضحاً في الآونة الأخيرة أنّ السجائر الإلكترنية ليست عديمة الأضرار. ومن أبرز ما جاء في الدراسة أنّ المركبات الكيميائية، في الزيوت أو المواد التي تحتوي عليها السجائر الإلكترونية، وهي المسؤولة عن التفاعلات الرئوية الضارة، تبقى غامضة في العديد من الحالات بسبب التنوع، وبسبب بيع السجائر الإلكترونية وموادها من دون تنظيم أو رقابة.
وتشير الدراسة إلى أنّ هناك الكثير من الأمور بالنسبة للباحثين ما زالت غير مفهومة تتعلق بتفاعل تلك المواد الكيميائية داخل الجسم. كما لم يتمكن الباحثون حتى الآن، من تحديد السبب الدقيق خلف الضرر الذي تتعرض له الرئة وعدد وكمية المواد السامة. ويشير تي لارسن، أحد الأطباء المشاركين في الدراسة، إلى أنّ التغييرات التي لاحظها الباحثون على النسيج الرئوي الذي جرى فحصه، بعد أخذه من أشخاص مصابين، هي حروق كيميائية في الشعب الهوائية من النوع الذي تتوقع أن تراه نتيجة لتسرب مواد كيميائية سامة في حادث صناعي مثلاً، كما لا يعرف الباحثون ما إذا كانت السوائل التي تستخدم وتتبخر عند إشعال السجائر هي المصدر أم تنبعث المادة السامة من تفاعل للمواد المستخدمة لتصنيع أجهزة السجائر الإلكترونية نفسها. كذلك، لم يتمكن الباحثون من تحديد ما إذا كانت الأجهزة المستخدمة، السجائر الإلكترونية، فيها عطب ما وغير صالحة للاستخدام.
على الرغم من أنّ السجائر الإلكترونية متوفرة في السوق منذ سنين فالجهات المختصة سجلت هذا العدد المرتفع من الوفيات والإصابات في العام الأخير فقط. ومن الأعراض التي يعاني منها الأشخاص آلام الصدر، والسعال أو ضيق النفس، قبل أن تتدهور الصحة ويضطر للدخول إلى المستشفى والمكوث في العناية المركزة في كثير من الأحيان. وهناك أعراض إضافية جرى رصدها، بحسب "المراكز الأميركية" هي الغثيان والتقيؤ والإسهال والتعب والحمى وفقدان الوزن. وبعض المصابين يعانون من ضيق حاد في النفس إلى درجة تحول دون تمكنهم من التنفس ما يهدد حياتهم. ويشير المختصون كذلك إلى أنّ التدهور يمكن أن يقع بشكل سريع خلال أيام ما يعقد الحالة الصحية. وسجلت 49 ولاية في الولايات المتحدة حالات وفاة أو إصابات. ورسمياً سجلت السلطات أول حالة وفاة ناجمة عن استخدام السجائر الإلكترونية في 23 أغسطس/ آب الماضي، في ولاية إلينوي. لكنّ عدداً من الباحثين يتوقع أن تكون هناك حالات سابقة لم يتمكن الأطباء من ربطها بتدخين السجائر الإلكترونية، فيما يشكك آخرون بصحة هذا الاعتقاد
في كلّ الأحوال، بدأ عدد من السياسيين والمسؤولين الأميركيين بالتحرك للتحقيق ومواجهة هذا الخطر، خصوصاً بعد حالات الوفاة والإصابات التي سجلت في الأشهر الأخيرة. وتدعي الشركات المصنعة أنّ السجائر الإلكترونية تساعد في الإقلاع عن السجائر العادية والتي تعرض المدخنين لأمراض خطيرة من بينها السرطان، لكنّ عدداً من الباحثين خلص إلى أنّ هذه الادعاءات غير مقنعة. ومن الصحيح أنّ مدخن السجائر الإلكترونية لا يلحقه الضرر من تدخين التبغ، لكنّ السؤال الذي يطرحه هؤلاء هو: هل تحتوي السجائر الإلكترونية على مواد، في السائل، أو التصنيع ستؤدي إلى إصابة المستخدم على المدى البعيد بأمراض من نوع آخر؟ في ما يبدو هناك أسباب جيدة للشك بـ"صحية" السجائر الإلكترونية، كما تحاول الشركات المصنعة الادعاء، خصوصاً في ظل حالات الوفاة والإصابات التي تشهدها الولايات المتحدة مؤخراً. ولن يكون من السهل على الباحثين كشف الأضرار الناجمة عن تدخينها أو مدى تأثيرها على توجه الشباب لاحقاً بعد إدمانهم النيكوتين للبحث عن السجائر العادية، لأنّ ذلك يستدعي بحوثاً طويلة الأمد والكثير من الأموال لرصدها. كذلك، تتطلب مكافحة انتشارها، خصوصاً بين الشباب، وعياً لديهم ولدى أهلهم، بالإضافة إلى ضرورة سنّ قوانين لازمة لمنع بيعها للشباب دون الثامنة عشرة. وعلى الرغم من تشريعات في ولايات مختلفة تحاول الحيلولة دون انتشارها بين هؤلاء، وقد بدأت تمنع استهداف الشركات لهم عن طريق الدعايات، فالمسؤولون يرون أنّ من الضروري سنّ قوانين على المستوى الفدرالي للحيلولة دون حصول الشباب على السجائر الإلكترونية.
في مقابل الحملات التي تستهدف السجائر الإلكترونية في الولايات المتحدة، فإنّ الشركات المصنعة لتلك السجائر والجهات المستفيدة من رواجها، تعمل كلّ ما في وسعها للتشكيك ومحاربة منعها، إذ بلغت قيمة سوق السجائر الإلكترونية عام 2018 أكثر من 11 مليار دولار أميركي، ومن المتوقع أن تصل قيمتها إلى أكثر من 18 ملياراً سنوياً بحلول عام 2024.