يحارب المغرب ظاهرة التطرّف الديني في البلاد، بصيغة المؤنث. ويدرّب شابات ونساء متعلمات كمرشدات دينيات، فيحاولن نشر "الوسطيّة" سواء في المساجد أو داخل السجون وفي عديد من المؤسسات والفضاءات الأخرى، وذلك بهدف إبعاد شبح التطرّف والتشدّد عن الشباب.
نورة شمس الدين مرشدة دينية، من بين خرّيجات الأفواج الأولى من معهد محمد السادس للأئمة في الرباط، تقول لـ "العربي الجديد" إنّ "تجربة المرشدات الدينيات عرفت نجاحاً باهراً، سواء من خلال تعليم الدين الوسطي للمغاربة رجالاً ونساء، أو عبر محاربة الأمية المتفشية في أوساط النساء في المساجد". تضيف: "أعمل إلى جانب زميلات لي في مجال تلقين تعاليم الدين الإسلامي بطريقة بسيطة ومحببة، وتوضيح معانيه السامية والمسالمة لجمهور المستفيدين، سواء أكانوا سجناء أو مصلين أو مرضى، أو وُجدوا في مختلف الأماكن التي تعمل من خلالها المرشدات الدينيات على إيصال دروسهنّ ورسائلهنّ". وتتابع أنّ ما تتلقاه المرشدة الدينية من معارف ومهارات، تتعلق مثلاً بمبادئ رئيسية في علم النفس وعلم الاجتماع لتمنحها قدرة على مواجهة أفكار اليأس والشكّ، وتعويضها بأفكار الرضا والقناعة والجزم بأهميّة الوسطية في الدين والبعد عن الغلو والتشدد".
أمّا المرشدة فاطمة وردي، فتقول لـ"العربي الجديد" إنّ "دور المرشدات الدينيات ينصبّ أساساً على محاربة التطرّف بين الشباب من الجنسين، اعتماداً على لغة الحوار وتبسيط الأفكار ومناقشتها، وتوضيح خطورة التطرف المفضي إلى العنف والإرهاب، والابتعاد عن لغة التوجيه والأوامر والنواهي".
في السياق ذاته، يشير مصدر مسؤول في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لـ "العربي الجديد"، إلى أنّ "المغرب نجح بشكل كبير في نشر الاعتدال والتسامح وسط المواطنين، خصوصاً فئة الشباب، في خضم ثورة المعلوماتية وعدوى الأفكار الهدامة والمتطرّفة"، موضحاً أنّ برنامج المرشدات الدينيات حقق قسطاً وافراً في محاربة التطرّف.
ويتابع المصدر نفسه أنّ "منذ عام 2006، تتخرّج سنوياً خمسون مرشدة دينية بعد تلقيهنّ تدريباً شرعياً وعصرياً يواكب المستجدات في المجتمع، ويراعي عقليات شبابه المتأثرة بالتكنولوجيات المتطورة والفضاءات المفتوحة". يضيف أنّ "أكثر من 500 مرشدة دينية تخرّجت خلال هذه السنوات، ما يعني جيشاً من المتعلمات اللواتي يبذلن جهوداً لمحاربة الفكر المتطرف".
ويوضح المصدر أنّ "لغة المرشدة الدينية وأسلوبها يختلفان بين مقام وآخر. طريقتها في إيصال رسائلها وخطابها داخل المسجد تختلف عن طريقتها ولغتها داخل السجون مثلاً أو في مراكز اعتقال الأحداث". ويشدّد على أنّ "تكييف لغة التواصل مع الفئات المستهدفة أمر ضروري لإنجاح مهام المرشد الديني".
من جهته، يعلّق الباحث المغربي الدكتور محمد الزهراوي على موضوع تجربة المرشدات الدينيات في البلاد، قائلاً إنها "من بين التجارب الرائدة في الوطن العربي والإسلامي، وقد جاءت في سياق استراتيجية الدولة الرامية إلى إعادة هيكلة تدبير الحقل الديني، بغية الحدّ من تمدد الفكر الجهادي ومحاصرة ظاهرة انتشار التيارات الإسلامية المتطرفة".
ويوضح الزهراوي لـ "العربي الجديد" أنّ الدولة عملت على استكمال حلقات إنتاج "متدخلين جدد"، من خلال السعي إلى إنتاج فئة جديدة من المرشدات والواعظات صاحبات الثقافة الشرعية والملمات بعلوم العصر وتقنياته، في إطار محاولة عصرنة الشأن الديني وجعله أكثر انفتاحاً على الشرائح المجتمعية الأخرى".
ويؤكّد الزهراوي على أنّ "تجربة المرشدات الدينيات نجحت في تحقيق ثلاث وظائف جديدة. الوظيفة الأولى هي تقريب الفتوى إلى شريحة عريضة من المجتمع بانسيابية ومرونة أكبر"، مشيراً إلى أنّ "الفتاوى الدينية" المقدّمة من طرف المرشدات تحقق هدفين اثنَين. الهدف الأول يتمثل في "إعادة الاعتبار للمرأة، وتكريس كفاءتها العلمية وأهليتها التي أقرها الإسلام في المسائل المرتبطة بالعلوم الشرعية"، أما الهدف الثاني فهو "عملي إجرائي يتجسّد في رفع الحرج عن النساء في العديد من القضايا الحساسة".
يتابع الزهراوي أنّ "الوظيفة الثانية تتمثل في تجاوز الصورة النمطية السائدة التي تعدّ المسجد فضاء حكراً على الرجال في المسائل المرتبطة بمجالات الإرشاد والوعظ". أمّا "الوظيفة الثالثة، فهي تصحيح الأفكار والتصوّرات المغلوطة التي تكوّنت لدى بعض النساء، نتيجة الفتاوى المتشددة الصادرة عن بعض المتطرفين. وقد ساهمت المرشدات الدينيات في تقريب فئات عريضة من النساء خصوصاً في القرى".