يجتاح داء الحصبة عددا من محافظات جنوب الجزائر، بشكل مفاجئ، بعد عقود من اختفائه، في حين تؤكد الحكومة تسارع خطوات القضاء على البؤر الوبائية، ردا على انتقادات حادة بشأن تعاطيها مع الأزمة.
وأقامت السلطات الجزائرية خياما صحية لعزل وعلاج المصابين بالحصبة، الذي يُعرف في الجزائر بـ"البوحمرون"، فيما أطلقت وزارة الصحة فرقا طبية متنقلة لتلقيح الأطفال ومراقبة انتشار الوباء في المناطق الريفية في ولايات الجنوب، بعد أن حصد حتى الآن أرواح 14 طفلا، أغلبهم في منطقة وادي سوف.
وأحصت السلطات الجزائرية أكثر من 1400 إصابة، حتى الآن، بينها 1263 حالة إصابة بالفيروس في ولايتي الوادي وورقلة جنوبا، حسب ما كشف مدير الوقاية في وزارة الصحة، جمال فوراري.
وأطلقت السلطات حملة تلقيح في بؤر انتشار المرض في القرى والبلدات، لمعالجة حالات الإصابة، ووضع حد لانتشار الوباء، وكلفت الولاة بتوفير وسائل نقل إضافية للطواقم الطبية المكلفة بعملية التلقيح، للسماح لهم بالتنقل إلى الأماكن النائية والمعزولة، ومتابعة الحالة الصحية للمرضى، بهدف تطويق الوباء.
ووضعت الحكومة ست ولايات ضمن خطة طوارئ عاجلة، هي وادي سوف وبسكرة والجلفة وورڤلة وتيارت وإليزي، وطالبت سكان المناطق الريفية والنائية والبدو الرحّل، بالتجاوب مع المبادرة الوقائية والإسراع في التلقيح. وتبدو خريطة انتشار الوباء آخذة في التوسع في المناطق النائية والفقيرة التي يعاني سكانها من ظروف معيشية غير مستقرة، إذ سجلت أولى حالات الإصابة بالوباء في ولايات تمنراست والجلفة والأغواط وغليزان غربي الجزائر، والمسيلة والبويرة وخنشلة وتبسة شرقي البلاد.
وحسب خبراء في الصحة، فإن فريقا متخصصا في معهد باستور يجري تحاليل على حالات لوباء الحصبة، مع ورود تقارير عن أن الفيروس المتفشي يختلف عن الفيروس المعروف في الجزائر، برغم التشابه في الأعراض.
ولم تتوصل التحاليل، حتى الآن، إلى نتيجة نهائية، لكن يرجح أن يكون الفيروس الجديد انتقل عبر أطفال المهاجرين القادمين من دول الساحل وأفريقيا جنوب الصحراء، وانتشر بسرعة بين أطفال الجنوب في منطقة وادي سوف، قبل أن ينتقل إلى ولايات ورقلة وبسكرة وغيرها.
ويشير الطبيب عبد العزيز سغني، إلى أن وباء الحصبة أو البوحمرون، والذي أوردته الأمم المتحدة ضمن أمراض الفقر، له أعراض واضحة كارتفاع درجة الحرارة لمدة ثلاثة أيام وزكام شديد، وسعال جاف، واحمرار وحرقة في العينين، كما تظهر عند نهاية اليوم الثالث بقع بيضاء داخل الفم تشبه ذرات الملح، وفي اليومين الرابع والخامس يظهر طفح جلدي أحمر اللون يبدأ خلف الأذنين ثم ينتشر على الوجه ثم على الجذع.
ودعا سغني "كل من يشعر بعرض من الأعراض إلى الإسراع في عزل نفسه عن الآخرين، خصوصا الأطفال، والذهاب إلى المستشفى لتلقي العلاج وتجنب نقل العدوى".
وتشير التقديرات إلى أن نحو 40 مليون حالة من مرض الحصبة تسجل سنويا في مختلف أنحاء العالم، ونحو مليون شخص يموتون من جرائه سنوياً، لكن الوباء لم يظهر منذ زمن في الجزائر.
وينتقد سكان مناطق الجنوب، التي تمثل البؤرة الأولى للوباء، عجز السلطات عن محاصرته أو استباق ظهوره. ويُرجع مدير مصلحة الوقاية في مديرية الصحة بولاية ورقلة، جمال معمري، عودة ظهور الحصبة إلى فشل حملة التلقيح التي جرت في شهر مارس/آذار 2017، ما أدى إلى تفشي حالات الإصابة، خاصة لدى الأطفال أقل من 15 سنة، والذين يشكلون نصف تعداد المرضى المسجلين.
وأقر وزير الصحة الجزائري، مختار حسبلاوي، بأن وزارة الصحة فتحت تحقيقا لمعرفة أسباب انتشار الوباء أفضت إلى أن العزوف عن التلقيح هو أحد الأسباب.