فوجئت عائلات سوريّة كثيرة، فرّت من الحرب الدائرة في البلاد إلى ألمانيا، بطبيعة النظام الدراسي هنا. وقد أصيب البعض بخيبة أمل، نتيجة تصوّر مسبق خاطئ عن العملية التربوية هنا وطبيعة الدخول إلى الجامعة. وكثيرون هم الشباب السوريون الذين كانوا يأملون في متابعة دراستهم في إحدى الجامعات الألمانية، التي تعدّ الأفضل على مستوى العالم.
ويرى أكثر المراهقين السوريين، الذين تجاوزوا السادسة عشرة من عمرهم، أنفسهم مضطرين إلى الالتحاق بما يُعرف بـ "بيروف شوله"، المدرسة المهنية، التي يستطيع من بعدها الالتحاق بمعهد لمدّة تتراوح ما بين سنتَين وثلاث سنوات، فيتخرّج مع مهنة وليس مع شهادة جامعية مثلما كان يأمل كثيرون.
توضح لويزا كروزا، وهي مشرفة على اللاجئين الشباب في مقاطعة تورنغن، أنّ "النمط التدريسي هنا متنوّع وليس على مستوى واحد. ليس الدخول إلى الجامعة هو ما يحدد المستقبل الجيد للتلميذ فحسب، بل من المهم أن يكون في المكان الذي يتناسب مع قدراته. بالتالي، يستطيع الإنجاز وبعدها الدخول إلى سوق العمل". تضيف أنّ "لدينا نوعَين من المدارس الإعدادية، ثمّ تأتي إمّا الثانوية المهنية أو المعهد المهني المتخصص. وبعد البكالوريا، تكون الجامعة أو المعهد الفني أو التقني". وتوضح أنّ "المتفوق يستطيع بعد الشهادة الإعدادية الدخول إلى الثانوية ومن ثم التحضير لامتحان البكالوريا".
من جهتها، تقول ألكسندرا فولفرام، وهي مديرة إحدى المدراس، إنّ "صعوبة اللغة الألمانية تقف حاجزاً كبيراً أمام نجاح التلميذ السوري في المدرسة. عليه أن يتقن اللغة الألمانية كلغته الأم، حتى يتمكّن من فهم مناهج المواد المختلفة". وترى أنّ "فرصة الأطفال السوريين الصغار أكبر من فرص سواهم، إذ إنّهم التحقوا بروضات ألمانيا ومدراسها في وقت مبكر، بالتالي سوف يكونون مهيَّئين عقلياً ونفسياً ولغوياً للمراحل الأخرى التي تتزايد فيها الصعوبات". أمّا فرصة المراهق السوري في الدراسة الثانوية والنجاح في البكالوريا، فهي "ضئيلة" بحسب فولفرام.
نوار مهندسة معمارية سورية، حصلت على اللجوء مع أختها الصغرى. تقول: "المشكلة أنّنا أتينا من أجل مستقبل أفضل لأختي تحديداً، لكنّ الواقع فرض صعوبات غير متوقعة. يتوجّب عليها الآن الالتحاق بمعهد للغة الألمانية وبمدرسة عادية، كذلك عليها تعلّم اللغة الفرنسية كلغة أجنبية إلى جانب اللغة الألمانية. وهذا ضغط كبير لن تستطيع تحمله". تضيف: "أهلي يمثّلون ضغطاً إضافياً، فهم ما زالوا في تركيا ولا يستطيعون فهم طبيعة النظام التعليمي هنا. عليها اجتياز امتحان البكالوريا، وهم يظنون أنّ ذلك أمر سهل ممكن، ومن ثم الدخول إلى الجامعة تماماً كما في سورية". وتشير نوار إلى أنّها حاولت توضيح الصورة لأهلها وحجم الضغط، الذي تتحمله أختها، في حين ثمّة إمكانية للدخول إلى "بيروف شوله"، ثمّ إلى معهد مهني، "لكنّهم لم يقتنعوا".
من جهتها، تشعر مجد، وهي أم لثلاثة صبية، بأنّ "مستقبل أولادي ضاع وكذلك الأمر بالنسبة إلى كلّ ما كانوا يحلمون به. دخول الجامعات الألمانية مثلاً، تبدّد. الأوّل عليه الالتحاق بالمدرسة المهنية (الثانوية المهنية) والثاني تعلّم مهنة خلال ثلاث سنوات. أمّا الأصغر بينهم، فهو الوحيد الذي قد تساعده الأقدار وينجح في إكمال التعليم مثلما نفكّر".
في سياق متّصل، تقول ليلى مارديني وهي عاملة في شؤون اللاجئين السوريين أنّ "موضوع الثانوية المهنية يمثّل صدمة لعدد كبير من السوريين، ونضطر إلى شرح البنية التعليمية أكثر من مرة لتوضيح الصورة. مع ذلك، يصعب على السوري تقبّل نمط تعليمي مختلف عمّا اعتاده، أو لا يضمن دخول ابنه إلى الجامعة". تضيف أنّ بالنسبة إليه، "أيّ شيء أقلّ من الجامعة يعني مستقبلاً أسود".
تحدّ للمراهقين
يختلف النظام التعليمي في ألمانيا عمّا هو في سورية، فيواجه اللاجئون السوريون صعوبات في هذا المجال. وعلى الرغم من ذلك، إلا أنّ كثيرين نجحوا في الحصول على قبول من جامعات ألمانية، ومنهم من حقّق تفوقاً في البكالوريا. لكنّ طبيعة التعليم هنا تبقى أمراً مختلفاً وتحدّياً حقيقياً أمام المراهقين.