حين تتحوّل الملاجئ الى أماكن لانتهاك الخصوصية والتحرش والتهديد بالتصفية، تدرك اللاجئات أنّ واقعهن أسوأ ممّا سبق
الهاربون من الحرب في مالي باتجاه موريتانيا تحولوا منذ سنوات إلى لاجئين تأويهم مخيمات خاصة. يعاني هؤلاء الكثير، لكنّ المعاناة أشدّ وقعاً على النساء اللواتي يشكلن نسبة كبيرة من اللاجئين. بالإضافة الى معاناتهن من وضعية اللجوء القاسية والخوف من العيش في الملجأ وافتقاد الخصوصية، فإنّ بعضهن يتعرضن لمضايقات تبدأ بالتحرش الجنسي وتصل إلى حدّ التهديد بالقتل.
تعيش اللاجئات الماليات حياة قاسية في المخيمات، خصوصاً اللواتي غادرن بلدهن من دون أزواجهن بسبب ظروف الحرب التي تقضي على الرجال، أو تجندهم على جبهات القتال. في المخيم تجري مساومة المرأة، فالحماية والمأكل والمشرب مقابل "العرض".
في مخيم "أمبره"، شرق موريتانيا، الذي أقامته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لإيواء عشرات الآلاف من لاجئي شمال مالي، تجد بعض النساء أنفسهن عرضة للمضايقات والتحرش الجنسي من الرجال اللاجئين بالذات. وفي مخيمات لا تسمح لهن بالحفاظ على خصوصيتهن، تواجه اللاجئات أوضاعاً حرجة، فيتخلين عن كثير من عاداتهن التي تعتبر شيئاً مقدساً في مجتمع تمبكتو، المدينة المالية التاريخية التي يتحدر منها معظم لاجئي المخيم.
تقول فاطمة آكا دليه (26 عاماً)، إنّ النساء، خصوصاً غير المتزوجات واللواتي هنّ في مقتبل العمر، يتعرضن للتحرش الجنسي والإغواء. وإذا رفضن ذلك تتحول حياتهن الى جحيم بسبب النفوذ الذي يتمتع به هؤلاء المعتدون. تضيف: "يختار المتحرشون الضحية الأضعف التي لا رجل لها ولا عشيرة تحميها وتدافع عنها، لفرض طلباتهم عليها ومحاصرتها أينما تنقلت في المخيم".
تشير آكا دليه إلى أنّ غياب الأمن في المخيم يجعل المعتدين في حرية تامة، فلا يعاقبون على ما يفعلونه، ولا يجري التحقيق معهم في هذه القضايا. كذلك فإنّ قلة الرجال في المخيم الذي تشكل النساء والأطفال معظم سكانه، يجعل الدفاع عن هؤلاء النسوة أمراً في غاية الصعوبة.
تمكنت آكا دليه، وهي أرملة وأم لطفلين، من الدخول الى موريتانيا والاستقرار في ضواحي مدينة كيفه (600 كيلومتر شرق نواكشوط). عن حياتها في المخيم، تقول إنّها كانت تتحاشى النظرات، وتتجاهل تعليقات المتحرشين بها. وأحياناً كانت تبقى في الخيمة فترة خوفاً من ملاحقتهم لها. حين شعرت أنّ حياة طفليها أصبحت في خطر، فرّت من المخيم باتجاه مدينة باسكنو التي تبعد 17 كيلومتراً عنه.
تؤكد في حديثها لـ"العربي الجديد"، أنّ المتحرشين ينتقمون من اللاجئة التي ترفض تلبية نزواتهم ويتسببون لها بمشكلة أو يسيئون إلى سمعتها. كذلك يمكنهم إقصاؤها من قوائم المستفيدين من الحصص التموينية المجانية التي توزعها مفوضية اللاجئين من خلال التشكيك في انتمائها إلى سكان شمال مالي، وهو الشرط الأساسي للاستفادة من اللجوء في المخيم.
لم تتمكن مفوضية اللاجئين من الوفاء بالاحتياجات الضرورية للاجئي مخيم "أمبره" الذي يعيش فيه حالياً نحو 30 ألف مالي من النازحين الذين بدأ توافدهم مع بداية الاشتباكات عام 2012. وكان المخيم يأوي 70 ألف لاجئ من قبل. هناك يعيش اللاجئون في خيام خفيفة لا تقيهم من الحرّ والبرد القارس. يجتمع أحياناً الرجال والنساء من عائلات مختلفة في خيمة كبيرة، ما يفقد النساء خصوصيتهن. كذلك يجري التحرش بهن في طوابير المساعدات الغذائية، والأماكن المخصصة للاستحمام وغسل الملابس.
مع ذلك، يفضّل اللاجئون الإقامة هناك عوضاً عن العودة إلى بلداتهم بسبب عدم استقرار الوضع فيها وانتشار جماعات مسلّحة. قلة قليلة منهم تمكنت من دخول موريتانيا والاستقرار فيها، من بينهم نانه بنت مالك، التي عانت من حياة التشرّد طوال ثلاث سنوات أمضتها في المخيم.
تقول بنت مالك (35 عاماً، متزوجة وأم لأربعة أطفال)، لـ"العربي الجديد"، إنّ معاناة أسرتها في النزوح من مالي إلى موريتانيا تضاعفت في مخيم اللاجئين بسبب الاكتظاظ، وانتشار الأمراض، وأعباء المعيشة الصعبة التي تتحمّل المرأة غالباً تبعاتها، خصوصاً أنّ ما تقدمه مفوضية اللاجئين لا يكفي لإطعام أسرة.
تضيف: "في غياب زوجي الذي بقي في قرية بير، قرب تمبكتو، أصبحت مسؤولة عن حماية الأطفال وتربيتهم وتأمين الطعام لهم بالوقوف ساعات في طابور مفوضية اللاجئين للحصول على الغذاء". وتتابع أنّ من بين سكان المخيم من لا يجد مأوى ولا حتى خيمة، ومعظمهم نساء. وهو ما يجعل منهن "ضيوفاً" داخل خيم العائلات. هناك يختلط الرجال والنساء، وهو ما ترفضه العادات الاجتماعية.
حاولت بنت مالك إنهاء حياة التشرد في المخيم مرات عدة، لكنّ محاولاتها فشلت، إلى أن تمكنت من ذلك بمساعدة صديق زوجها. فقد عاونها على الفرار إلى داخل موريتانيا حيث تعيش اليوم في مدينة ألاك (250 كيلومتراً شرقي نواكشوط).
يأمل الماليون الذين فروا من مخيم اللاجئين أن يوثّق الحقوقيون المعاناة التي عاشوها والانتهاكات التي تعرضوا لها، لعلها تنقذ حياة وكرامة الآخرين الذين ما زالوا يعانون داخل أسواره.
اقرأ أيضاً: الاغتصاب مسكوت عنه في موريتانيا
الهاربون من الحرب في مالي باتجاه موريتانيا تحولوا منذ سنوات إلى لاجئين تأويهم مخيمات خاصة. يعاني هؤلاء الكثير، لكنّ المعاناة أشدّ وقعاً على النساء اللواتي يشكلن نسبة كبيرة من اللاجئين. بالإضافة الى معاناتهن من وضعية اللجوء القاسية والخوف من العيش في الملجأ وافتقاد الخصوصية، فإنّ بعضهن يتعرضن لمضايقات تبدأ بالتحرش الجنسي وتصل إلى حدّ التهديد بالقتل.
تعيش اللاجئات الماليات حياة قاسية في المخيمات، خصوصاً اللواتي غادرن بلدهن من دون أزواجهن بسبب ظروف الحرب التي تقضي على الرجال، أو تجندهم على جبهات القتال. في المخيم تجري مساومة المرأة، فالحماية والمأكل والمشرب مقابل "العرض".
في مخيم "أمبره"، شرق موريتانيا، الذي أقامته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لإيواء عشرات الآلاف من لاجئي شمال مالي، تجد بعض النساء أنفسهن عرضة للمضايقات والتحرش الجنسي من الرجال اللاجئين بالذات. وفي مخيمات لا تسمح لهن بالحفاظ على خصوصيتهن، تواجه اللاجئات أوضاعاً حرجة، فيتخلين عن كثير من عاداتهن التي تعتبر شيئاً مقدساً في مجتمع تمبكتو، المدينة المالية التاريخية التي يتحدر منها معظم لاجئي المخيم.
تقول فاطمة آكا دليه (26 عاماً)، إنّ النساء، خصوصاً غير المتزوجات واللواتي هنّ في مقتبل العمر، يتعرضن للتحرش الجنسي والإغواء. وإذا رفضن ذلك تتحول حياتهن الى جحيم بسبب النفوذ الذي يتمتع به هؤلاء المعتدون. تضيف: "يختار المتحرشون الضحية الأضعف التي لا رجل لها ولا عشيرة تحميها وتدافع عنها، لفرض طلباتهم عليها ومحاصرتها أينما تنقلت في المخيم".
تشير آكا دليه إلى أنّ غياب الأمن في المخيم يجعل المعتدين في حرية تامة، فلا يعاقبون على ما يفعلونه، ولا يجري التحقيق معهم في هذه القضايا. كذلك فإنّ قلة الرجال في المخيم الذي تشكل النساء والأطفال معظم سكانه، يجعل الدفاع عن هؤلاء النسوة أمراً في غاية الصعوبة.
تمكنت آكا دليه، وهي أرملة وأم لطفلين، من الدخول الى موريتانيا والاستقرار في ضواحي مدينة كيفه (600 كيلومتر شرق نواكشوط). عن حياتها في المخيم، تقول إنّها كانت تتحاشى النظرات، وتتجاهل تعليقات المتحرشين بها. وأحياناً كانت تبقى في الخيمة فترة خوفاً من ملاحقتهم لها. حين شعرت أنّ حياة طفليها أصبحت في خطر، فرّت من المخيم باتجاه مدينة باسكنو التي تبعد 17 كيلومتراً عنه.
تؤكد في حديثها لـ"العربي الجديد"، أنّ المتحرشين ينتقمون من اللاجئة التي ترفض تلبية نزواتهم ويتسببون لها بمشكلة أو يسيئون إلى سمعتها. كذلك يمكنهم إقصاؤها من قوائم المستفيدين من الحصص التموينية المجانية التي توزعها مفوضية اللاجئين من خلال التشكيك في انتمائها إلى سكان شمال مالي، وهو الشرط الأساسي للاستفادة من اللجوء في المخيم.
لم تتمكن مفوضية اللاجئين من الوفاء بالاحتياجات الضرورية للاجئي مخيم "أمبره" الذي يعيش فيه حالياً نحو 30 ألف مالي من النازحين الذين بدأ توافدهم مع بداية الاشتباكات عام 2012. وكان المخيم يأوي 70 ألف لاجئ من قبل. هناك يعيش اللاجئون في خيام خفيفة لا تقيهم من الحرّ والبرد القارس. يجتمع أحياناً الرجال والنساء من عائلات مختلفة في خيمة كبيرة، ما يفقد النساء خصوصيتهن. كذلك يجري التحرش بهن في طوابير المساعدات الغذائية، والأماكن المخصصة للاستحمام وغسل الملابس.
مع ذلك، يفضّل اللاجئون الإقامة هناك عوضاً عن العودة إلى بلداتهم بسبب عدم استقرار الوضع فيها وانتشار جماعات مسلّحة. قلة قليلة منهم تمكنت من دخول موريتانيا والاستقرار فيها، من بينهم نانه بنت مالك، التي عانت من حياة التشرّد طوال ثلاث سنوات أمضتها في المخيم.
تقول بنت مالك (35 عاماً، متزوجة وأم لأربعة أطفال)، لـ"العربي الجديد"، إنّ معاناة أسرتها في النزوح من مالي إلى موريتانيا تضاعفت في مخيم اللاجئين بسبب الاكتظاظ، وانتشار الأمراض، وأعباء المعيشة الصعبة التي تتحمّل المرأة غالباً تبعاتها، خصوصاً أنّ ما تقدمه مفوضية اللاجئين لا يكفي لإطعام أسرة.
تضيف: "في غياب زوجي الذي بقي في قرية بير، قرب تمبكتو، أصبحت مسؤولة عن حماية الأطفال وتربيتهم وتأمين الطعام لهم بالوقوف ساعات في طابور مفوضية اللاجئين للحصول على الغذاء". وتتابع أنّ من بين سكان المخيم من لا يجد مأوى ولا حتى خيمة، ومعظمهم نساء. وهو ما يجعل منهن "ضيوفاً" داخل خيم العائلات. هناك يختلط الرجال والنساء، وهو ما ترفضه العادات الاجتماعية.
حاولت بنت مالك إنهاء حياة التشرد في المخيم مرات عدة، لكنّ محاولاتها فشلت، إلى أن تمكنت من ذلك بمساعدة صديق زوجها. فقد عاونها على الفرار إلى داخل موريتانيا حيث تعيش اليوم في مدينة ألاك (250 كيلومتراً شرقي نواكشوط).
يأمل الماليون الذين فروا من مخيم اللاجئين أن يوثّق الحقوقيون المعاناة التي عاشوها والانتهاكات التي تعرضوا لها، لعلها تنقذ حياة وكرامة الآخرين الذين ما زالوا يعانون داخل أسواره.
اقرأ أيضاً: الاغتصاب مسكوت عنه في موريتانيا