لا صور الأقمار الصناعية من الفضاء، ولا صور البث التلفزيوني لأطفال يخرجون مدمي الوجوه من بين الركام، ولا الشوارع الغارقة في غبار كالضباب الصباحي، ولا القرى الخالية من السكان ومعالم الحياة البشرية، كافية لتقدّم لوحة فعلية لحجم وآفاق الخراب الذي تشهده
سورية منذ خمسة أعوام، والمرشح للاستمرار مع تعدد اللاعبين من دوليين وإقليميين ومحليين. خراب يتجاوز معالم العمران البشري على حد وصف ابن خلدون، أو الحضارة التي نهضت في هذه البلاد التي تُعرف بأنها واحدة من أقدم الأمكنة التي استوطنها الإنسان.
المعطيات التي يتحدث عنها الروس والأميركيون وغيرهم ممن هم غارقون في لعبة أمم دمائنا المتدفقة، يؤكدون أن سورية القديمة قد زالت من الوجود. سورية معاهدة سايكس الإنكليزي وبيكو الفرنسي التي جرى تطبيقها بعد أن وضعت الحرب الأولى أوزارها. يبشرون بسورية "جديدة" يصفونها بأوصاف شتى من "المفيدة" إلى "الفيدرالية" أو "الكونفدرالية" إلى "الدويلات" الطوائفية العلوية والسنية والدرزية والكردية وإلى ما هنالك، أو أنها ستكون مجرد "مناطق نفوذ" تابعة لأمراء القوى المتنازعة. وغير ذلك من أوصاف قد تكون سابقة للمراحل المقبلة التي لم تتشكل بعد، خصوصاً أن ما يوصف بأنه الخرائط الجديدة لا يرسم على الطاولات بقدر ما يتم تفصيله بأجساد السوريين؛ سواء منهم من قضى نحبه أو ينتظر في الإقامة القلقة والنزوح المذلّ واللجوء الدامي.
مجتمع ينقلب رأساً على عقب في غضون نصف عقد فقط. والأنكى أن رأس السلطة مازال يصر على استعادة ما فقده من بسط سلطته على باقي أجزاء البلاد، حتى ولو كان الثمن تعذر بقاء "حجر على حجر" في المدن والقرى والأرياف. التهجير والنزوح الخارجي والداخلي هو نصف الكأس. والنصف الآخر يتمثل في ما آل إليه الوضع المجتمعي في البلاد. ما يعرف عن عمليات التطهير والنقل الطائفي والمذهبي وإحلال فئات، بعضها وافد، محل أهل البيوت من طوائف أخرى، كما جرى في مناطق القلمون والقصير والزبداني ومضايا، هو قليل من كثير يتمثل في سلوك الجماعات في غضون حروب العصبيات المتطاحنة. حروب تمدها بالوقود الجماعات المدارة إيرانية ولبنانية وعراقية وأفغانية وباكستانية، عدا وحدات الحرس الثوري النظامية، مع ما تبقى من جيش ومليشيا النظام. وكلها بتغطية سياسية ودبلوماسية وجوية وتقنية روسية.
الآن يكثر الحديث عن الأحياء الشرقية في حلب بعدما هطلت الصواريخ والقذائف من كل الأنواع كمطر يغطي الأرض والأحياء، ويعجز المجتمع الدولي عن لجم هذا الجموح الجهنمي الروسي - الإيراني وإنقاذ مئات الألوف. والمشهد السوري أكبر من ذلك كله.
(أستاذ جامعي)
اقــرأ أيضاً
سورية منذ خمسة أعوام، والمرشح للاستمرار مع تعدد اللاعبين من دوليين وإقليميين ومحليين. خراب يتجاوز معالم العمران البشري على حد وصف ابن خلدون، أو الحضارة التي نهضت في هذه البلاد التي تُعرف بأنها واحدة من أقدم الأمكنة التي استوطنها الإنسان.
المعطيات التي يتحدث عنها الروس والأميركيون وغيرهم ممن هم غارقون في لعبة أمم دمائنا المتدفقة، يؤكدون أن سورية القديمة قد زالت من الوجود. سورية معاهدة سايكس الإنكليزي وبيكو الفرنسي التي جرى تطبيقها بعد أن وضعت الحرب الأولى أوزارها. يبشرون بسورية "جديدة" يصفونها بأوصاف شتى من "المفيدة" إلى "الفيدرالية" أو "الكونفدرالية" إلى "الدويلات" الطوائفية العلوية والسنية والدرزية والكردية وإلى ما هنالك، أو أنها ستكون مجرد "مناطق نفوذ" تابعة لأمراء القوى المتنازعة. وغير ذلك من أوصاف قد تكون سابقة للمراحل المقبلة التي لم تتشكل بعد، خصوصاً أن ما يوصف بأنه الخرائط الجديدة لا يرسم على الطاولات بقدر ما يتم تفصيله بأجساد السوريين؛ سواء منهم من قضى نحبه أو ينتظر في الإقامة القلقة والنزوح المذلّ واللجوء الدامي.
مجتمع ينقلب رأساً على عقب في غضون نصف عقد فقط. والأنكى أن رأس السلطة مازال يصر على استعادة ما فقده من بسط سلطته على باقي أجزاء البلاد، حتى ولو كان الثمن تعذر بقاء "حجر على حجر" في المدن والقرى والأرياف. التهجير والنزوح الخارجي والداخلي هو نصف الكأس. والنصف الآخر يتمثل في ما آل إليه الوضع المجتمعي في البلاد. ما يعرف عن عمليات التطهير والنقل الطائفي والمذهبي وإحلال فئات، بعضها وافد، محل أهل البيوت من طوائف أخرى، كما جرى في مناطق القلمون والقصير والزبداني ومضايا، هو قليل من كثير يتمثل في سلوك الجماعات في غضون حروب العصبيات المتطاحنة. حروب تمدها بالوقود الجماعات المدارة إيرانية ولبنانية وعراقية وأفغانية وباكستانية، عدا وحدات الحرس الثوري النظامية، مع ما تبقى من جيش ومليشيا النظام. وكلها بتغطية سياسية ودبلوماسية وجوية وتقنية روسية.
الآن يكثر الحديث عن الأحياء الشرقية في حلب بعدما هطلت الصواريخ والقذائف من كل الأنواع كمطر يغطي الأرض والأحياء، ويعجز المجتمع الدولي عن لجم هذا الجموح الجهنمي الروسي - الإيراني وإنقاذ مئات الألوف. والمشهد السوري أكبر من ذلك كله.
(أستاذ جامعي)