الحاجة أمّ أحمد (57 عاما) التي تمتهن الخياطة في محل صغير بحي المنصور وسط بغداد تقول إنها كانت ضحية لزواج "الفصلية" الذي قضى على شبابها نتيجة خطأ ارتكبه شقيقها.
وتروي قصتها التي حدثت في إحدى قرى محافظة المثنى (جنوب بغداد) لـ"العربي الجديد" قائلة: "كنت في السابعة عشرة من عمري حين دخلت عشيرتي في نزاع مسلح مع عشيرة أخرى مجاورة، تورط أخي في قتل شخصين من أسرة واحدة".
وتضيف "هذا الأمر حوّل حياتنا إلى جحيم، قبل أن يتدخل بعض الوسطاء الذين اقترحوا تزويجي أنا وشقيقتي لأقارب المقتولين كفصلية"، موضحة أنها تحولت إلى خادمة في بيت زوجها الذي لم تشعر يوما أنه يعاملها كزوجة.
وتتابع "على الرغم من معاناتي معه إلا أنني أنجبت منه طفلين قبل أن يتوفى في حادث مروري، ما دفعني بعدها إلى الانتقال للعيش في بغداد مع أطفالي"، مبينة أنها دفعت شبابها ضحية للأعراف العشائرية التي كانت وما تزال أقوى من القانون، بحسب قولها.
أما الناشطة في مجال حقوق المرأة، سلوى الشمري، فتؤكد أنها اختارت أن تكون الصوت المدافع عن النساء لكثرة ما رأته ورصدته من مآسيهن داخل عشيرتها وخارجها.
وتوضح أن "أسوأ ما يمكن أن تتعرض له المرأة هو تقديمها كديّة لذوي المقتول لتدفع ثمن خطأ لم ترتكبه"، معبرة عن أسفها لاستمرار هذه التقاليد في كثير من عشائر جنوب العراق في ضرب واضح للقوانين.
ولا تخفي الناشطة أن هذه الأعراف تسببت في تدمير عدد كبير من الأسر التي تضطر بعض نسائها إلى الهروب لمكان مجهول للتخلص من وبال الفصلية الذي أزهق أرواح عدد غير قليل من العراقيات، مبينة لـ "العربي الجديد" أن متابعتها لهذا الملف، مكنتها من الوقوف على قصص شابات في العقد الثاني من العمر أرغمن على الزواج برجال تجاوزوا الخمسين من أعمارهم.
وانتقدت الشمري صمت الجهات المختصة عن هذه الزيجات التي تعد سببا رئيسيا لتفكك الأسرة العراقية، مطالبة بإصدار قوانين لا تمنع زواج الفصلية فحسب، بل تحول دون زواج الشابات الصغيرات والقاصرات من كبار السن.
وهذا ما يؤيده المحامي حسن التميمي، مؤكدا لـ "العربي الجديد" أن "زواج الفصلية أو الدية ممنوع وفقا للقوانين العراقية، لكن بعض العشائر ما زالت تعمل به بشكل يتناقض مع القانون".
يشار إلى أن زواج "الفصلية" المنتشر في مناطق بدوية وريفية بالعراق يتم بعد حدوث جرائم القتل، ويقضي بتزويج ابنة أو شقيقة القاتل لشخص من أقارب المقتول كدية لإنهاء النزاع بين الطرفين.