نتتبع حياة العظم المولود في دمشق سنة 1934، تلميذاً في مدرسة الفرير الفرنسية، وفي المدرسة الإنجيلية في صيدا، وفي شبابه قرّر دراسة الفلسفة في "الجامعة الأميركية" في بيروت، ومنها تخرّج سنة 1957 ليذهب إلى أميركا حيث نال درجة الدكتوراه من "جامعة ييل" عن أطروحة أعدّها حول الفيلسوف هنري برغسون وكان موضوعها "فلسفة الأخلاق عند برغسون" (ولم تكن الأطروحة حول الفيلسوف الألماني كانط كما تذكر خطأ مصادر مختلفة).
عاد العظم إلى بلاده ليبدأ بالتدريس في الجامعة التي بدأ مشواره الأكاديمي فيها ("الجامعة الأميركية" في بيروت) عام 1963. في العام نفسه، لفت الأنظار إليه من خلال محاضرة أقامها في "المنتدى الاجتماعي" في دمشق، يذكرها المترجم بدر الدين عردوكي في إحدى مقالاته، عن "مأساة إبليس"، حيث ناقش ابن الـ29 عاماً ظاهرة إبليس في إطار التفكير الميثولوجي - الديني، وفيها قال العظم: "لو أعيد لنا النظر بالصفات الممنوحة له لظهر لنا أن إبليس يسيّر قسماً كبيراً من مجرى الأحداث، ويعتبر مسؤولاً عن معظم الحركات الفكرية والفنية والسياسية في تاريخ الحضارة".
بعد ما يقارب السنتين، يقدم العظم محاضرة في بيروت عن إبليس في "النادي الثقافي العربي"، يوم 10 كانون الأول/ ديسمبر عام 1965. وينشر لاحقاً دراسته في مجلة "حوار" سنة 1966، وفي مجلة "الثقافة العربية" 1966. بسبب الدراسة السابقة، توالت الردود والاتهامات على العظم في الصحف والدوريات حتى نشر الطبعة الأولى من كتاب "نقد الفكر الديني" في تشرين الثاني/ نوفمبر 1969. بعد ذلك، ستُسحب النسخ من الأسواق وسيحاكم غيابياً ويدخل السجن سنة 1970 (من 8 يناير/ كانون الثاني حتى 15 منه). ومن الأسماء التي كانت كشهود دفاع في قضية العظم نذكر الشيخ محمد جواد مغنية، وميخائيل نعيمة، وقسطنطين زريق، وحسن صعب، والأب جبرائيل مالك.
أثناء الاستجواب، رفض العظم أن يتراجع عما كتبه، كان ذلك قبل أن تبرّئه المحكمة. سيعيد العظم نشر كتابه مع ملحق بوثائق محاكمة المؤلف والناشر والردود على منتقديه. استهلّ العظم الطبعة الثانية باقتباس من المفكر السوري ياسين الحافظ (1930 - 1978): "إن نقد جميع جوانب المجتمع العربي الراهن وتقاليده نقداً علمياً علمانياً صارماً وتحليلها تحليلاً عميقاً نفاذاً، واجب أساسي من واجبات حركة الطليعة الاشتراكية الثورية في الوطن العربي".
هكذا، سيتضح لنا بشكل أكبر أن أكبر معارك العظم ستكون مع ما سمّاها بـ"الإيديولوجيا الغيبية"، فهو الذي طالما اعتبرها السلاح الأساس والنظري بيد الرجعية العربية في حربها المفتوحة ضد القوى الثورية والتقدّمية في الوطن العربي.
وفي السياق نفسه، وبينما كانت الموجة الأضخم في الفكر والسياسة تعيد إنتاج ما كان سائداً قبل الخامس من حزيران/ يونيو، راح العظم، مع قلة من مجايليه، يغرّد خارج السرب منبّهاً إلى خطورة الاستمرار بالنهج المعمول به، ولعل صوته كان الأكثر ارتفاعاً وقتها، فعمل على نقد العقلية المتواطئة مع البنى المؤسّسة للهزيمة في "النقد الذاتي بعد الهزيمة" (1968)، ومجابهتها، حيث كانت الغالبية تتبنّى خطابات إيديولوجية متعامية عن الواقع وبعضها كانت تحوّل الهزيمة إلى انتصار ومصدر للفخر.
في الكتاب نفسه، وقف العظم في وجه أصوات كثيرة كانت تُفرغ الصراع العربي - الصهيوني من محتواه وتحوّله إلى خرافات تتصارع، حيث حذّر العظم في الكتاب نفسه من أن "رسم صورة خرافية للقضية الفلسطينية تكذّب الصراع العربي -الصهيوني وتفرّغه من محتوياته الواقعية والتاريخية الملموسة، فيتحوّل بذلك إلى مشكلة غيبية دينية لا قبل بها ولا قدرة لنا، في الواقع، على مواجهتها أو التصدي لها".
بعد قضية "نقد الفكر الديني"، عاد العظم إلى دمشق، واستمر في كتاباته التي كانت تتمحور حول الواقع السياسي في المنطقة وما تبع "هزيمة حزيران": "سياسة كارتر ومنظرو الحقبة السعودية" (1977)، و"زيارة السادات وبؤس السلام العادل" (1978).
في الثمانينيات، عمل صاحب "الاستشراق والاستشراق معكوساً" (1981)، أستاذاً في قسم الفلسفة في "جامعة دمشق". ومع مطلع التسعينيات أصدر كتابه "دفاعاً عن المادية والتاريخ" (1990). أربع سنوات بعدها، سيصدر له ضمن تفاعلات قضية سلمان رشدي، كتاب "ذهنية التحريم" (1994)، حيث يدافع عن حرية الكاتب وحقوقه، وينتقد الطريقة التي تم بها تلقي مسألة الرواية والفتوى ضدها عربياً. سيُتبع العظم هذا الكتاب بـ"ما بعد ذهنية التحريم" (1997)، الذي يردّ فيه على منتقديه حول قضية رشدي.
عام 1999، تقاعد العظم من منصبه كرئيس لقسم الفلسفة في "جامعة دمشق"، لكنه أكمل نشاطه كأستاذ زائر في بعض الجامعات الأوروبية والأميركية. أما في الشأن السوري العام، فكان من الأسماء الموقّعة على بيان الـ"99" الذي يطالب بإنهاء حالة الطوارئ والإفراج عن المعتقلين السياسيين وإطلاق الحريات العامة في البلاد (عام 2000). كما كان فاعلاً في إطار عمل "لجان إحياء المجتمع المدني". لكن ذروة ارتباطه بالشأن العام كانت عند انطلاق الثورة السورية، عندما أعلن بوضوح تام وقوفه إلى جانبها. هذا الانحياز الأخلاقي لم يكن مفاجئاً في سيرة مثقف دفع الكثير من سني عمره في مقارعة الأصوليات بكافة أشكالها. كان مؤمناً حتى أيامه الأخيرة بانتصار الثورة السورية رغم كل ما حدث، لكنه كان يشعر أنه قد لا يشهد هذا الانتصار بنفسه.
انتمى العظم، سلوكاً وفكراً، إلى عصره المضطرب، نستعيده بكلماته: "لا أبكي على الأطلال لأنني ابن عصري بإنجازاته وانهياراته، بفتوحاته وجرائمه، باكتشافاته وشنائعه، باختراعاته ومباذله، ولا أمشي برأس "مندارة" للوراء لأني أحيا زمني، وزمني هو الذي يعطي معنى التطلع إلى الوراء، وإلا فلا طائل أو نفع من هذا الوراء".