يُعدّ أوزوالد ديكرو (1930) أحد أبرز علماء اللغة الفرنسيين، الذين قدّموا العديد من الدراسات والمؤلّفات من منطلقات فلسفية في مواضيع مختلفة تتعلّق بالصوتيات ووظائف اللغة، إضافة إلى عمله مدرّساً ومديراً لـ "كلية الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية" في باريس.
وضع مع تزفيتان تودوروف "القاموس الموسوعي لعلوم اللغة" عام 1972، واهتمّ بنظرية الحجاج باعتبار أن اللغة لا يكون هدفها التعبير، بل هي جزء أساسي من نشر الجدل وفهمه، أي لتبادل الحجج التي يُبنى هيكلها داخل اللغة وليس خارجها.
"القول والمقول" عنوان النسخة العربية من كتابه الذي صدر حديثاً عن "معهد تونس للترجمة" و"دار محمد علي"، بترجمة الأكاديمية والباحثة التونسية بسمة بلحاج رحومة الشكيلي، والذي نُشرت طبعته الأولى عام 1980.
يقف الكتاب عند عدد من النظريات اللغوية بالرجوع إلى العديد من المؤلّفات الصادرة في هذا المجال خلال عقدين سابقين، ويتناول موضوعات التحدّث والتنظيم النحوي للجملة وأفعال الكلام والوصف الدلالي في اللغويات، والبنيوية وقوانين الخطاب، وما وراء اللغة والأداء.
يركّز اللغوي الفرنسي في جملة دراساته على الحجاج اللغوي وما يتعلّق به من جهاز مصطلحي ومفاهيمي، في محاولته البحث عن المعايير والضوابط التي تؤطّر التلفّظ لحظة التخاطب، والبرهنة على تصوّر غير استدلالي للتداول.
وطوّر ديكرو هذه النظرية اللسانية التي تهتم بالوسائل اللغوية وبإمكانات اللغات الطبيعية التي يتوفّر عليها المتكلّم، وذلك بقصد توجيه خطابه وجة ما، تمكّنه من تحقيق بعض الأهداف الحجاجية، ثم إنها تنطلق من الفكرة الشائعة التي مؤدّاها: "أننا نتكلّم عامة بقصد التأثير".
وتبيّن نظريته أن اللغة تحمل بصفة ذاتية وجوهرية وظيفة حجاجية، وبعبارة أخرى، هناك مؤشّرات عديدة لهذه الوظيفة في بنية الأقوال نفسها، باعتبار أن فعل الحجاج يفرض على المخاطب نمطاً معيّناً من النتائج باعتباره الاتجاه الوحيد الذي يمكن أن يسير فيه الحوار. والقيمة الحجاجية لقول ما هي نوع من الإلزام يتعلّق بالطريقة التي ينبغي أن يسلكها الخطاب بخصوص تناميه واستمراره.