يعيش المشهد الغنائي في المغرب خلال السنوات الأخيرة مفارقة واضحة، فـالأعمال الفنية التي بات يؤدّيها مغنون شباب ترتكز على ما يسمّيه البعض بـ "كلام شوارع"، يميل أكثر إلى لغة تتضمّن إيحاءات جنسية أو تعيد تقديم ما هو مستهلك.
أغان نسمع في كلماتها عبارات من قبيل "اعطيني صاكي باش نماكي" (أي امنحني حقيبة يدي حتى أضع الماكياج)، و"درتي ليا الطيارة"، و"أنا مشي ساهل" وغيرها. لكنها مع ذلك تُحقّق أكبر مستويات المتابعة ما حوّلها إلى ظاهرة تستدعي قراءة جادّة.
يرى الناقد الفنّي المغربي فؤاد زويريق في حديث مع "العربي الجديد" أن "الحركة الإبداعية أصابها الركود، بعد أن توقّف إنتاج جيلَي السبعينيات والثمانينيات. بعدها تحوّل ذلك التراكم النوعيّ إلى تراث يُجترّ من طرف الجيل الذي تلاه، من دون أن يطوّر هذا الأخير من أدائه وإبداعه".
يضيف زويريق بأن "مجال الأغنية المغربية أصيب برمّته بسكتة قلبية أجهزت على ما تبقّى من ذائقة الجمهور"، معتبراً أن "موجة الأغاني الهابطة استغلت تعطّش الشباب لسماع أغنية تتحدّث بلغته".
يلفت الناقد المغربي إلى أن تراجع الرقابة وغياب الدولة في تأطير المواطن والرفع من مستوى ذائقته، لعبا دوراً في هذه الانتكاسة، إضافة إلى سيطرة شركات الإعلانات على المجال السمعي البصري والتحكّم في إنتاجاته. كما يشير المتحدّث إلى دور مواقع مشاركة مقاطع الفيديو، باعتبارها فضاءات غير مقنّنة، مثل يوتيوب الذي أصبح المنصّة الأساسية لهذه الظاهرة.
من جهتها، ترى نعيمة المدني، أستاذة علم الاجتماع والأنثربولوجيا في "جامعة مراكش"، أن "تفسير انتشار الفن والذوق الهابط يفرض على الباحث مراجعة المفاهيم، لأن الميل مثلاً إلى الأغاني الهابطة هو أيضاً اختيار قد لا يندرج في إطار الذوق حدّد ولكنه يظلّ ممارسة ثقافية".
تشرح الباحثة بأنه "من وجهة نظر وظيفية، يبدو أن لغة كانط لا تناسب تناول هذه الأعمال، إذ لا يتعلّق الأمر هنا بتلبية متعة إستطيقية، بل ببعض الإشباعات التي قد يكون الجسد عنصراً كامناً وفاعلاً في تحقيقها".
تذهب المدني إلى أن "تحوّل الذوق المجتمعي يعتبر نتاجاً لتفاعل مجموعة من العناصر والأطراف والوسائط، كما تعتبر التنشئة الاجتماعية نقطة ارتكازه الأولى، لذلك قد يعدّ الجمهور، حسب خصائصه السوسيوديموغرافية والسوسيوثقافية، مسؤولاً بدوره عن إعادة إنتاج الابتذال على مستوى الفن، من خلال اختياراته الفنية".
أما المخرج السينمائي المغربي المقيم في برلين، محمد نبيل، فيقول في حديثه إلى "العربي الجديد"، إن "الفن والإبداع لا ينفصل عن النظام المجتمعي، وتدني الذوق الفني وانتشار الفن الهابط في المغرب له أسباب مختلفة يمكن اختزالها في غياب رؤية أو مشروع مجتمعي واضح".
يتساءل نبيل "كيف يمكن للفن أن يرتقي والمغرب يوجد خارج التصنيف العالمي في مجال التربية والتعليم وحتى البحث العلمي". يقارن المخرج بين بلده والمدينة التي يقيم فيها، فيقول "في برلين لوحدها، هناك قرابة 91 قاعة سينما و266 قاعة للعرض، من هنا نرى أن الطريق في المغرب ما زالت طويلة وشاقة". رغم ذلك، يستطرد بالقول "كل ذلك لا يمنع بأن هناك بقع ضوء فنية في المغرب".