يرى كتّاب وأكاديميون في حديثهم لـ "العربي الجديد" أن النخبة المغربية قد تقلّص دورها السياسي والنضالي قياساً بما شهدته سنوات الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، بينما يذهب آخرون إلى القول باستحالة أن تغيب فلسطين عن خطاب المثقفين واهتمامهم.
يقول الشاعر المغربي عبد الدين حمروش، إن "مجرّد طرح مثل هذا التساؤل فإنه ينطوي على قدرٍ هائلٍ من الإحساس "الشقي" بخفوت الحضور الفلسطيني؛ بحكم مركزيته في المخيلة والوجدان، ما يُضمر إقراراً بتيه البوصلة واضطرابها".
غير أن صاحب "وردة النار" يشير إلى أن ما تشهده المنطقة العربية من فواجع وكوراث يؤول إلى "الجرح الفلسطيني النازف" منذ عقود، مضيفاً أنه ليس بغريب أن يتمّ الحديث عن فلسطين دائماً بصيغة الجمع؛ في سورية وفي ليبيا وفي اليمن، وأن الابتعاد عن فلسطين، انشغالاُ بالعراق مثلاً، إنما يشير إليها في نهاية المطاف.
"فلسطين تسكن اللاشعور العربي، بما يجعل تراجع حضورها مستحيلاً، إذ لا توجد قضية يجتمع حولها الناس، مثقفون وغير مثقفين، مثلما يجتمعون حول فلسطين"، بحسب حمروش، الذي يتساءل: "كيف لقضية بهذا السطوة أن تكون عرضة للتلاشي؟ فمجرّد إنشاء صورة شعرية عن طائر يُحلِّق، أو وردة تتفتّح، أو نبع ينبثق، أو صباح يُولد، إنما يستدعي كل ذلك فلسطين، ولو غابت هذه الأخيرة باللفظ والعبارة".
من جهته، يقول أستاذ الأدب العربي والشاعر عبد العالي مجدوب إنه يتعيّن تمييز النخبة بين مجموعتين؛ الأولى تضمّ مثقفين يتداخل عندهم العمل الثقافي بالسياسي، مثل الراحل محمد عابد الجابري وصلاح الوديع ومحمد الأشعري وعبد الصمد بلكبير، وهؤلاء يمثّلون الأغلبية، والثانية تتضمّن "المستقلّين" نسبياً؛ ومنهم: عبد الإله بلقزيز ومحمد بنيس وحسن أوريد وبنسالم حميش.
رغم إشارة مجدوب إلى أنّ القضية الفلسطينية لا تزال حاضرة لدى المجموعتين، لكنه يرى بأن النظرة إليها ليست كما كانت قبل توقيع "اتفاقية أوسلو" عام 1993، حيث باتت تخضع كثيراً لمدّ السياسة وجزرها، في الداخل والخارج، فضلاً على أن المثقفين المغاربة لم يعودوا قادرين على تحريك الجماهير من أجل فلسطين إلا في حدود معيّنة، وأصبح النضال مقصوراً على إصدار بيانات إدانة وشجب، أو تنظيم وقفات احتجاجية، لا ترقى إلى المستوى المنشود منهم، بل إنهم يعجزون عن وضع حدّ لسياسات التطبيع الرسمية المتزايدة مع الكيان الصهيوني.
وتراجعت في الوقت نفسه فاعلية الهيئات المدنية حتى تلك التي تحمل تسميتها صفة "مساندة فلسطين"، مع وجود هيئات تسعى إلى أن يصبح عندها تأثير وبعد شعبي، مثل "المرصد المغربي لمناهضة التطبيع" و"مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين"، إلاّ أن عراقيل السلطة وسياساتها تحول دون تحقيق أهدافها، بحسب مجدوب.
أما الباحث مصطفى المرابط رئيس "مركز مغارب للدراسات في الاجتماع الإنساني"، فلفت إلى أنّ ضعف حضور القضية الفلسطينية في اهتمامات النخب بكلّ أصنافها، وتراجعها إلى مراتب ثانوية منذ بدء ما يسمّى "الربيع العربي" يعكس برأيه إشكالية حقيقية تستدعي التفكير، ما يؤشّر على مشكلة في إدراك النخب لطبيعة هذه التحوّلات الأخيرة وأسبابها ومآلاتها.
وأضاف أن "الخطاب العربي الإسلامي ظلّ منذ زرع "إسرائيل" في قلب العالم العربي، يقيم أطروحته الفكرية والسياسية على مركزية القضية الفلسطينية، حتى خِلْنا أنها ثابتة من ثوابت هذا الفكر عموماً، إلى أن استفقنا ذات "ربيع عربي" على هول الشقّة التي تفصل بين هذا الخطاب وبين تمثّله في إدراك المعركة وإدارتها".
وختم بأن "غياب مركزية القضية الفلسطينية في النظر والممارسة، يعكس خللاً مزدوجاً، يتمثّل في انحسارها على مستوى الوجدان من دون في ارتقائها إلى مستوى الوعي، ومن جهة أخرى، يعكس ذلك انفصال المقاربة الأيديولوجية عن المقاربة الإستراتيجية".