يدرس الباحث مهدي حنّا في كتابه "الفقر صناعة الرأسمالية: عالم متبدل وآفاق واعدة"، الصادر مؤخراً عن "دار فضاءات/ عمّان، 2016" تطوّر الرأسمالية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وتفجّر الصراعات الإثنية والعرقية والسياسية في كثير من البلدان، ما سبّب مزيداً من التدخل الأمريكي في شؤون شعوبها.
يفنّد الكتاب فكرة انتهاء الصراع مع الرأسمالية نتيجة انهيار المعسكر الاشتراكي في العقد الأخير من القرن الماضي، مؤكداً أن مؤيدي هذا الاتجاه يتحدثون اليوم عن الأزمات التي أضابت الرأسمالية من داخلها، وما فاقمته من مشاكل تنوّعت وتعدّدت لتصيب كافة القطاعات والطبقات في المجتمعات كافة، وإن اختلفت في مدى حدّتها من دولة إلى أخرى، بفضل مدى تطوّر تلك الدول الاجتماعي والثقافي والسياسي.
يركز المؤلف على أحد أهم الموضوعات المقلقة للبشرية، وهو التنامي المستمر لأعداد الفقراء والمحتاجين في العالم وحرمانهم من أبسط حقوقهم في توفر الحدّ الأدنى من المأكل والملبس والمأوى. ولأن الفقر ظاهرة عالمية متأصلة وسابقة للرأسمالية على مر الوجود، بحسب الكتاب، لكنها تنامت أكثر في ظل السياسات الرأسمالية، وأدت إلى تفشي العديد من الظواهر السلبية المرتبطة بالفقر في مثل ظاهرة الإرهاب، وتزايد وتيرة العنف، والجريمة، والفساد، والإدمان، وتأجيج كافة أشكال الاضطهاد الديني والعرقي وتنامي ظواهر الأصوليات الدينية المتطرفة وغيرها من الظواهر السلبية العديدة في المجتمعات كافة على وجه الكرة الأرضية.
كيف نستخلص معنى الفقر وارتباطه الوثيق مع الرأسمالية؟ وما هي الرؤية المترابطة التي يمكن استخلاصها في إمكانية الخلاص من الرأسمالية، وبالتالي القضاء على الفقر، هي أسئلة تشكّل قوام الدراسة التي تتحدث عن واقع الفقر من منطلق سياسي في خمسة فصول.
تحدّث الفصل الأول عن ماهية الفقر والتعريفات الأكاديمية والتصنيفات العالمية لأنواع الفقر بشكل عام من دون الخوض في التفاصيل الأكاديمية، ويسهب الفصل الثاني في إلقاء الضوء على تاريخ الاستغلال ضمن أنماط الإنتاج قبل الرأسمالية وبعدها ويتناول علاقة الفقر بالاستغلال.
كما يتناول الفصل الثالث الحديث عن صناعة الفقر وإعادة إنتاجه في العصر الرأسمالي في ظل سياسة العولمة. أما الفصل الرابع فيتطرّق إلى الفقر وعالم الاحتكارات ودور الرأسمالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية بدورها المهيمن. أما الفصل الخامس فيتناول تبعات ظاهرة الفقر كالبطالة، وتزايد وتيرة العنف والإرهاب في المجتمع.