قليلة هي الأفلام الروائية العربية التي أتيحت لها عروض مختلفة كتلك التي تحققت للفيلم الأردني الطويل "ذيب" (2014). فبعد أن حظي هذا العمل، الذي أخرجه ناجي أبو نوار، باستقبال جيّد وجوائز في مهرجانات طوكيو وفينيسا وتورنتو ولندن، سيدخل دور العرض العربية، بدءاً من التاسع عشر من شهر آذار/ مارس الجاري.
في فيلمه الطويل الأول يسعى أبو نوار إلى تقديم بيئة بدوية من خلال رصد مغامرة صحراوية بطلها طفل يدعى ذيب، يتعرف من خلالها إلى العالم ونزاعاته خارج حدود القبيلة. لكن قبل ذلك، ثمة حادثة مؤسسة في الفيلم هي وفاة الوالد التي يجد ذيب نفسه، إثرها، تحت رعاية أخيه الأكبر حسين.
يضطر الأخوان لمرافقة ضابط بريطاني ومساعده في رحلتهم، فيعترضهم مسلحون ويُقتل الثلاثة الكبار، بينما ينجو ذيب، ليبدأ باكتشاف نفسه وسط ما تخبئه الصحراء من جثث ووحوش وقطاع طرق. وبسرعة، يلتقي ذيب بقاطع الطريق (قاتل شقيقه حسين)، فيساعده ويكملا رحلتهما إلى المجهول سوياً.
تتراكم جملة المشاهدات في ذهن ذيب إلى أن يقوم بقتل قاطع الطريق. فعل القتل لم يكن فعلاً فطرياً بقدر ما هو تطور منطقي لتشرّب الطفل العنف كمّاً ونوعاً. كما أن القتل ليس منفصلاً عن جملة المصالح العامة، فمجموعة من أبناء القبائل الذين كانوا يقودون قوافل الحجاج تحولت إلى قطاع طرق بعد استخدام الحجاج لخط الحجاز الحديدي، وآخرون يمثلهم في الفيلم مرجي (مساعد الضابط) عملوا مع البريطانيين.
في ظلّ عبث الصحراء وصعوبة قوانين الحياة فيها، تنعدم الخيوط الفاصلة بين المفاهيم الجمعية المؤسسة، فينعدم أي خطاب أو سلوك ما بعد قبلي(أيام الحرب العالمية الأولى) لصالح تعويذة العيش في الصحراء الذي يمثله في الفيلم صوت الأب في بداية الفيلم، "القوي ياكل الضعيف".
يقتل ذيب قاتل أخيه ثم يبتعد عن السكة الحديدية ذاهباً إلى الصحراء الشاسعة حيث ينتظره مستقبل ليس أفضل بكثير من واقع شخصيتيّ مرجي وقاطع الطريق في الفيلم.
يتخذ الفيلم من الحرب العالمية الأولى خلفية تاريخية إلا أنها ليست ظاهرة أو فاعلة في حبكة الفيلم، كما أن الشخصيات موجودة بوصفها حاملة للأفكار ومسيرة للحكاية فقط، فافتقدت ملامحها الخاصة وغابت صراعاتها الداخلية تماماً.
يبرع الفيلم في نقل مساحات الجمال والضوء في الصحراء؛ مساحات لم تخف عطب السيناريو ولا ضعف أداء جزء من الممثلين، خصوصاً لاعبي الأدوار الثانوية، إلا أن الاستقبال الجماهيري للفيلم قد يلفت النظر إلى مواضيع تكمن بين البيئة والتاريخ، وهي مواضيع نادراً ما تصدّت لها كاميرا المخرجين العرب.