حُكي في الأثر أنّ أشعب أراد، يومًا، إبعاد صِبية مزعجين تحلّقوا حوله للسخرية منه، فكذب عليهم بالقول إن في بيت فلان وليمة. فلمّا رآهم يتراكضون نحو البيت الموصوف، لحق بهم وهو يقول: "قد تكون هناك وليمة فعلاً!".
كذلك فعل، أيضًا، محافظ تظاهرة "قسنطينة عاصمةً للثقافة العربية 2015"، سامي بن الشّيخ، الذي يبدو أنه كان أوّل من انطلت عليه أمنيته.
قبل أيّام، نقلت إحدى كبريات الصحف الجزائرية على لسان بن الشيخ خبر زيارة الفنانة اللبنانية فيروز إلى الجزائر وإحيائها ثلاث حفلات في إطار التظاهرة. انتشر الخبر على مواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم، واعتُبر حدثًا كبيرًا. عودة فيروز إلى الجزائر بعد غياب دام أكثر من ثلاثين عامًا لا يُمكن إلاّ أن تكون حدثًا كبيرًا. لكن ابنتها أفسدت كلّ شيء على حين غرّة.
أطلّت ريم الرحباني عبر وسائل إعلام الدنيا لتنفي الخبر، وتؤكّد أنّ والدتها لم تتلقّ أيّ عرض لإحياء حفل أو حفلين أو ثلاثة في الجزائر، بل لم يتمّ الاتّصال بها حتّى، ناهيك عن الخوض في التفاصيل الصغيرة كتخصيص طائرة خاصّة تقلّها من لبنان إلى الجزائر، ومن الجزائر إلى لبنان.
أمّا بن الشيخ فقد لاذ بالصمت. ولعلّه كان، حتى تلك اللحظة، منتشيًا بالخدمة الإعلامية الجليلة التي قدّمها اسم فيروز لتظاهرته المتعثّرة، دون أن يدفع فلسًا واحدًا.
وبعد أن علم القاصي والداني بأن الحكاية كانت مجرّد "كذبة نيسان" مسبقة، تمهيدًا للكذبة الكبيرة التي ستبدأ في نيسان/أبريل المقبل وتستمرّ على مدار عام، خرج محافظ التظاهرة عن صمته، مبرّرًا بأن كلامه "أُسيء فهمه".
رغم ذلك، بدا كمن كذب الكذبة وصدّقها؛ حين تحدّث عن وجود اتّصالات مع الفنانة الكبيرة، وأكّد بأن محافظته سترمي بكلّ ثقلها من أجل استقدامها إلى الجزائر، لتحيي حفلاً كبيرًا كذلك الذي أحيته بمناسبة تظاهرة "دمشق عاصمة للثقافة العربية" قبل أعوام، مضيفًا أنه حريص على حضور مطربين كبار "مثل فيروز وكارول سماحة".
أي والله، محافظ تظاهرة قسنطينة عاصمة للثقافة العربية يضع فيروز وكارول سماحة على صعيد. نقص فقط أن يُضيف مروى وسعد الصغيّر إلى القائمة.
لعل بن شيخ فاته أن فنانة بحجم "جارة القمر" لا تتعاطى حتمًا مع سياسة "البريكولاج" وربع الساعة الأخيرة التي تبقى اختصاصًا جزائريًّا خالصًا. ولو كانت هناك فعلاً نيّة لاستقدامها، لتمّ الاتّصال بها قبل سنة أو أكثر، وليس انتظار أسابيع قبل انطلاق التظاهرة ليبدأ "التفكير" في الاتصال بها.
ليس لائقًا أن يستعمل بن الشيخ أو غيره اسم فيروز لكسب الزخم الإعلامي لتظاهرته. ولعلّ أفضل ما عليه فعله هو ترك فيروز لحالها والتفرّغ لإعداد طبق الكسكسي الذي ستُفتتح به التظاهرة، فقد قيل إنه سيكون ضخمًا.. والتفرّغ أيضًا لتقسيم كعكة المشروع.
في ألبومها الأخير، غنّت الستّ فيروز أغنية بعنوان "إيه في أمل". ولعلّ الكلام هنا موجّه إلى السيّد بن الشّيخ تحديدًا. أمّا ترجمته بالجزائري الفصيح، فهي: شدّ في هذاك الخيط! (ابقَ متشبّثاً بهذا الوهم).