لالي ميلدور Lale Müldür شاعرة ممتزجة بحلمها، فهي تعيش الواقع كحلم والحلم كواقع، لذلك يبدو بناء نصّها الشعري كبناء الحلم لاعقلانياً، وأبجديتها الشعرية قريبة بالنتيجة من الكتابة الأوتوماتيكية كما عرفها السرياليون؛ كتابة صادرة عن قارة اللاوعي المظلمة واللانهائية التي يترسّب فيها الخليط الخيميائي من ماضي الإنسان البيولوجي والثقافي والجمعي.
كتابتها، بالنتيجة، قريبة ممّا يسمّيه العرب القدامى نثر الكهّان، الكهّان الذين يعيشون حالة وجد État de trance ونبوءات مستمرّة تصدر عنها هذه النصوص. لالي جرّبت كل هذا.
ولالي من ذلك النوع من الشعراء الديونيزوسيين الذين استنفدهم الشعر، والكتابة لديهم ليست حرفة وإنما احتراقاً. فصيلة هولدرلين ورامبو ووليم بليك ونيتشة وفان غوغ الذين عبروا الحياة كالشهب سرعة واحتراقاً، وكانت حياتهم عناءً وقرباناً لآلهة الفن؛ نماذج اختفت في هذا الزمن. لعلّ ما يزال منهم شعراء مجهولون لدينا اليوم يهيمون الآن في الهند، أو في أصقاع أميركا الجنوبية أو صحاري العرب.
وُلدت لالي في إيدن سنة 1955. طوّفت في القارات الخمس، درست تخصّصات متفرّقة ومتباعدة: الاقتصاد والبيولوجيا وعلم اجتماع الثقافة والفن، وكثيراً ما تُضمّن أشعارها مصطلحات من الكيمياء والعلوم.
صدر لـ لالي عشر مجموعات شعرية وكتاب نثري، وقد تُرجمت إلى عدّة لغات، فصدر لها "مختارات موسيقى الماء" بالإنجليزية، وبالفرنسية "هكذا تتكلّم بنت المطر" و"ذهبتُ كثيراً لصيد أيلة".
القلب عالق في الطحالب
أحب الأخضر الضارب إلى سواد ولن أرى
مرّة أخرى ابتسامتك الشديدة المدارية
عيون القطط داخل المغارات
ووجوهنا القديمة المخطّطة
فهد بلا رأس يعبر حذوي متسلّلاً
ملامساتك... نظراتك ذات حزن المناطق المدارية
تعبر متسلّلة بجانبي
دمي ينزف لك أحمر وأسود
خدوشي وجراحي وأضراري قاتلة أيتها المدارات
رجل. رجل ظهر، انبثق من قمّة الربوة
طيف شبح من العصور القديمة
أقول لك أطمر قلبي بين الأوراق
الشديدة المدارية ودمي ينزف أخضر داكناً
ما هذا الحداد الذي يختفي ويظهر
والذي يتشكّل أمام ناظريّ كلّ صباح وبلا انقطاع
الأسماك الميتة فوق سطح الماء... والبنفسج العملاق...
يدي السّوداء... الحواجز الحديدية...
وسرقسطة* أبداً، لن تغرق طفولتي بصمت
شيء ما يسير فوقي... وسكّين في يده
صورة ملحّة... طيلة حياتي...
أغلق كلّ ما يأتينا
كلّ أطياف البنفسج الضارب للخضرة أغلقها... اللون الفيروزي الداكن...
أحبّ أن أقول لك أحمر ضارب إلى سواد
وفي المياه العاصفة بصدد الابتعاد
أقول لك أعيش فلماذا لا تصدّقني
خدوشي وجراحاتي وأضراري حمراء ضاربة إلى سواد
في الخرائب
ثمّة بحيرة
جرح
قلب عالق في الطحالب
الليل ينمو فقط في الرمال الدقيقة
وقلب المرأة يتضخّم... بمرض مداري
والظلال تعبر أضواء الغسق
عينا القطة
والخوف... يحومان حولي
الأمطار تنهمر كامل اليوم فوق الأكواخ
مضرّ وغريب عنّي
أن أحب برعب
قلت لك لو أموت ذات يوم
لو أموت... فليفجر الرعد
كلّ شيء كحياتي... نوا نوا
1980
* مدينة في إسبانيا
عن الكآبة
من الآن، سوف لن ألتقي سوى بنفسي وجهاً لوجه
مع أختي... هنالك بين الأحلام والخرائب
التي تعجّ بالجعلان... قل لي
من هي فتاة البحيرات
هل هي أنا أم أختي التي تبحث عن شبيهاتها
الضائعات وفي جيوبهن ريش طيور
ومن الآن، الريح هي التي سوف تحملنا وتحطّنا
أختي إلى جانبي... ونحن بأحذيتنا
التي من نحاس ومعاطفنا التي من ثلج
عابرتين قرى غارقة تحت المياه
والخيول الوحشية المصفّحة تخبّ قطعاناً من تحتنا
أيائل وأجنحة وياقوت
والآلهة اللامرئية التي تبحث فجأةً عن باب
والتي غرقت في سبات عميق تحت الصنوبر
سوف تضع ضمادات من ورق ندي
فوق جروحنا التي تتجمّد...
بلطة المحارب وجلد الأيائل...
ولكن لأجل من؟
وبالفعل تصادمت ومنذ وقت طويل بشكل حاد
مع أختي... قبل أن أخرج
إلى ضوء النهار في بحر من الأميبا
في الأول همست لها باسمها هناك
الميلنخوليا
الجمشت
كانت تشرب في كأس من الجمشت قبل أن تنسى
امرأة كارباتشيو
تعيش في قصر الرياح
وإذ يلسعها البرد تتدثّر برداء حاجٍ من التويل
والعابرون يلتفّون حولها مثل موجة قادمة من المدينة
كانت تشرب في كأس من الجمشت قبل أن تنسى
وتعيش في قصر الرياح
كما نتنزّه في حديقة النبات
تتلقّى رسالة من جزر فيجي
وتردّ ها إلى قبائل الأزتيك
وتكتب إلى مرآة لا تعكس شيئاً.
اقرأ أيضاً: دوناتيلا بيزوتي: أتسمح لي أن أجرّب حياتك؟