"أنا عزلة الأعمدة التلغرافية على امتداد الطرق الموحشة"
ليوبولد سيدار سنغور
ليوبولد سيدار سنغور
تنحفر الأثلام على صحراء أفريقيا، لا تعرف القوافل كيف تنزل إلى الأرض السوداء، الصحراء تعوزها الحرية، إنها الأسطورة في مواجهة البحر المسيّج بالأسلاك الشائكة.
ثمة ضحكة لاهثة، دموع على طرف القلب، في حدود الفضاء المحاصر، هذا الطريق الذي لا يفضي، هذا الهروب العدمي.
زحفاً باتجاه اللانهائي
حيث نسيان الإنسان
آثاره اللامرئية
وسط الأجساد المعجونة بالعرق
وبالرعب.
نظرات مسمّرة
على الأجساد المنذورة
لمغامرة الرحيل
فلتنفتح
حتى الخط الحاجز.
إنها الأيدي المفتوحة على ظهور الجمال تلوّح بالوداع النهائي، الأمهات في أرضنا يولدن من أجل أن يصبحن يتيمات أرحامهن، ويهبن آمالهن التي تريد تمزيق السماء، ويردن قدراً مختلفاً، هذا القدر الذي ليس في إمكانهن.
وهذه السحنة المحترقة دوماً
يتصاعد الإيقاع
يرجّ الذاكرة التي تشعل
مراكب الرغبة
بكائن بدائي وحيد
يولد في أعالي البحار.
لم تزل تلك الليلة غائبة
أنا في جنوب الحياة مع ذاكرة العبد المضرّجة بهذا الدم المبلل برهاباتنا، ليس ثمة أمة تنافح عنّي، يأتي الليل لكي يأخذني إلى ضفافه المشمسة بالرغبات التافهة. هاهم عشّاق المقاعد العمومية يلازمون رئتي المسودتين بالرمل، ولا يريانهما وهما تمتلئان بالأمواج، وتغرقان، تغادران، تموتان.
ذاك الضوء الغائب دوماً في الليل من يتذكره، من سيذكر؟
لا أحد يجب أن يعرف
الإيماءات الهاربة
للظلّ الذي يمرق.
يداه مثل قفزات فهد المدن
تعبران الشوارع
مثلما تعبران طريقا سريعاً
خالياً،
مثل صحراء من أعمدة الكهرباء
ومن لوحات المرور.
أنا وحيد في زنوجة جيوبي والأخضر، الشديد الخضرة على جواز سفري، لقد اكتمل التصحّر، والضواحي تضجّ بالكثبان. من يستطيع أن يوقف هذا المدّ البشري؟ كأنّ الهواء يأخذ عطلته، وليس ثمة غير تسرّب من الهواء، والأفرقة تطال مدنهم...
محافظة ما يسمّى وسط المدينة
حيث الباص رقم أحد عشر لا وجود له
يمرّ منتصف الليل
تمرّ "ألمريا"
إنها الأرض التي بلا بشر
أوروبا
من سيستقبلك
ويهدهدك.
آه؟ الوصول إلى داكار عبر الجزائر على حوار "التام التام" و"القناوي"، يظل أناي فارغاً وثمة صفحات من اللقاءات لا بد من ملئها خلال رحلات غير مضمونة إلى جزيرة "غوري"، حيث أريد أن أكون سجينة كي أتمكن من ارتشاف هذا المحيط المغمور، حيث السلاسل أطول من الأطلنطي ومن الحكايات المتواترة أشرب من الأرض هذه الهجرة وهذا الاجتثاث.
هذا المكان
تراب أخرس
لا تصل إليه الكلمات
كما لا تصله الصلوات
يتسرّب إليه الصمت
في ضباب السافانا الكثيف
ولا شيء يهمّ بعد ذلك
تغرز الشفرة الحادة في الجسد اللامع والغض، صرخة غير معلّبة تخترق الجسد المنطفئ على لذة مصادرة، ذاك هو منفى داخل الجسد، هذه المرأة الغزال بما على جسمها الغلامي من التعرقات الكثيرة، تلتذ بأعلى صوتها، عصبها البصري على روحها العارية، المشروخة والمفتوحة على تأمل صانع عذاباتها.
رغبة
مثل طفل الرعب
وهذا النهد المروع والشهي
المستباح
الأرض تعرف سيدتها المنكرة المنفية
وتبوح بأتعابها
قبل أن ينبلج الفجر، أجري دون تلفت إلى الخلف حيث الأنهار المتبخرة، والأقوال المشتتة لحكماء الأساطير. في غابر الزمن كانت الشمس بلطف رحيم تعلّمني ملامسات أخرى كي أصير عموداً كهربائياً في سهل رطب وأمرّ أسرع منهم في مسار القطار الفائق السرعة المتلهف كي يصل إلى مواعيده الباريسية على الساعة الثامنة تماماً.
ثم أتلاشى.
* شاعرة جزائرية
** ترجمة عن الفرنسية: أحمد عبد الكريم