يظهر الخاسرون في الحرب السورية بوضوح شديد لا تخطئه العين. فهم حديث وسائل الإعلام، والمادة الرئيسية لتقارير مراكز الأبحاث والمنظمات الدولية، كما أنهم مفتاح صعود وهبوط الكثير من السياسيين. الجميع يتحدث عن اللاجئين وعن الخسائر الاقتصادية الهائلة التي تكبدتها البلاد، لكن أحداً لا يتحدث عن الرابحين. وهل من رابحين في هذه الحرب الطاحنة؟ بالتأكيد!
في الحديث عن الرابحين من الحرب السورية يبرز في المقدمة أمراء اقتصاد الحرب. برزت تلك الشريحة على جانبي النزاع، لدى المعارضة كما لدى النظام. يبدو العدد الأكبر من أفرادها كما لو أنهم قد "ظهروا من العدم"، يقول الباحث منذر الناجي لـ"العربي الجديد". ويضيف: "طالما كان هؤلاء مهمشين على المستوى الاقتصادي، ولكنهم حظوا بالقوة والنفوذ بعد تشكيل الكتائب المسلحة، وعندما استطاعوا السيطرة على رقعة جغرافية، صار بإمكانهم تطوير نمط من اقتصاد الحرب يحقق لهم أرباحاً طائلة".
في ظل تراجع أداء جميع القطاعات الاقتصادية، بدا أن "القطاع الوحيد الذي شهد نمواً كبيراً هو العنف" يقول المركز السوري لبحوث السياسات في أحدث تقاريره، إذ "أعاد اقتصاد العنف توزيع الدخل والثروة الوطنية لمصلحة قوى التسلط والجهات التي تسعى للحصول على الريع من خلال وسائل مباشرة وغير مباشرة، منها الضرائب والاحتكار والنهب والاتجار بالبشر والتهريب". ويشير التقرير إلى أن نسبة العاملين في الأنشطة غير المشروعة بلغت في عام 2014 نحو 17 في المئة من السكان الناشطين اقتصادياً داخل سورية. وفي مقابل انتشار اقتصاد العنف، شهدت مناطق النظام السوري في عام 2015 تحولاً إضافياً في السياسات الاقتصادية نحو "المزيد من النيوليبرالية من خلال الزيادة الكبيرة في أسعار الخبز والمواد الغذائية الأساسية والمشتقات النفطية، إضافة إلى زيادة الرسوم والضرائب غير المباشرة".
وبالنتيجة تم "تغيير البنية الاقتصادية وتحويلها لخدمة أهداف وأولويات مختلف قوى التسلط التي تقوم بإعادة تخصيص الموارد في العنف والأنشطة المتعلقة به، وترافق ذلك مع غياب سيادة القانون وحقوق الملكية والمساءلة إضافة إلى تفاقم الفساد. وخلقت هذه البيئة الاقتصادية الجديدة فاعلين جدداً، و/أو غيرت من سلوك الفاعلين السابقين ليصبحوا جزءًا من قواعد اللعبة الجديدة التي تفرض الهيمنة بالقوة وتقوم ببناء اقتصاد سياسي جديد يحافظ على استدامة النزاع".
تجارة التهريب
وبحسب تقرير "المركز النرويجي لبناء السلام" تباع القطع الأثرية الصغيرة التي تقوم مجموعات مسلحة بسرقتها في سورية بمئات الدولارات، فيما ترتفع أسعار الآثار الأكبر مثل المخطوطات والتماثيل إلى آلاف الدولارات وصولاً إلى مئات آلاف الدولارات للقطع الأثرية الكبيرة.
اقــرأ أيضاً
وفيما خسرت الحكومة السورية تجارة النفط بصورة شبه تامة بعد أن تراجعت عائدات النفط بما يقارب 95 %، بحسب التقرير الأحدث لمنظمة الاسكوا، انتقلت السيطرة إلى تنظيم داعش وقوات حماية الشعب الكردية. ولم يؤد ذلك إلى تحقيق أرباح طائلة للتنظيمين المذكورين فقط، بل أيضاً "لشبكة من التجار والسكان الذين يعملون في قطاع النفط، سواء في الاستخراج أو التكرير أو النقل" بحسب الناشط السوري خلف الزين، الذي يقول: "هنالك من يحقق أرباحاً مذهلة من هذه الأعمال إذ أعرف أحدهم كان تاجر أبقار بين مدن الريف الحلبي وقد تحول للعمل في نقل النفط وبيع أجهزة ومعدات متعلقة بهذه الصناعة لأن أرباحها كبيرة جداً".
يُسلّط الباحث في المنتدى الاقتصادي السوري رامي سيف الضوء على ظاهرة بروز طبقة جديدة من التجار والصناعيين يعدها من أبرز الرابحين في ظل الحرب. يشرح سيف: "أقصد بالطبقة الجديدة الأشخاص الذين استفادوا من الظروف الخاصة والاستثنائية التي تمر بها البلاد، واستطاعوا من خلال نفوذهم أو ارتباطاتهم مع الفصائل المسلحة جمع أموال طائلة، أما الخاسر فهو الصناعي والتاجر غير المرتبط بقوى النفوذ وقد تضرر بشكل كبير من جراء الحرب". ويضيف سيف: "سينعكس ذلك على الواقع الاقتصادي للبلاد بعد الحرب ويزيد من درجة تشوه الاقتصاد السوري ذلك أن الطبقة الجديدة التي ظهرت ليست لديها المعرفة الكافية بالعمل التجاري وبالاقتصاد على وجه العموم".
لقد فتحت الحرب نافذة جديدة أمام طبقة التجار والصناعيين الذين حافظوا على علاقات جيدة بالنظام السوري وذلك بعد أن أغلقت الحرب والعقوبات الاقتصادية نوافذ سابقة. ودائماً ما تجد تلك الطبقة فرصاً جديدة لمراكمة الأموال، سواء قبل الحرب أو خلالها، وفي سبيل ذلك "تعاملت مع المعارضة السورية ومع تنظيم داعش عبر وسطاء إذ تشتري منهم الآثار والنفط وكل ما يمكن أن يتحول إلى أرباح إذ إن اقتصاد الحرب باتت تديره شبكات خبيرة بذلك، ولم يعد عشوائياً كما كان سابقاً" يقول الزين. ويقدر تقرير المركز النرويجي لبناء السلام العائدات التي حصلت عليها مجموعات المعارضة من اقتصاد الحرب خلال عامي 2014-2015 بين 300-500 مليون دولار وهو ما لم يكن متاحاً بالطبع قبل الحرب لقادة تلك المجموعات. ويقول التقرير :" إن تهريب الآثار كان شائعا في سورية قبل الثورة عبر مجموعات مرتبطة بالنظام وبالطبع وجدوا اليوم فرصة لتوسيع أعمالهم. أما تهريب السلع والأدوية للمناطق المحاصرة والتي ينخرط فيها تجار على طرفي الصراع فضلا عن بعض فصائل المعارضة وضباط من النظام السوري فيقدر المركز حجم هذه التجارة بين ملياري وثلاثة مليارات دولار سنوياً.
أما الرابحون على المستوى الخارجي فهم مزودو النظام السوري بالأسلحة، ويتضمن ذلك روسيا، أوكرانيا، إيران، الصين، وكوريا الشمالية، فضلاً عن شركات من الاتحاد الأوروبي مثل شركة إيطالية قامت بتحديث دبابات تي 72 السورية بحسب تقرير المركز النرويجي. وتشير تقديرات المركز السوري لبحوث السياسات إلى أن التنامي المتواصل للنفقات العسكرية للنظام السوري، كان أقل من مليار دولار في عام 2011 لتباشر التصاعد السريع إلى أكثر من مليارين في 2012 وثم إلى 3.6 مليارات في عام 2013.
وهنالك رابحون أيضاً من تراجع سعر صرف العملة المحلية. فبعد الخسائر المباشرة التي تكبدها السوريون بفعل الدمار المباشر يمكن القول إن الخسائر الناتجة عن انهيار سعر الصرف هي الأكبر، ذلك أنها تسببت بانهيار دخل السوريين وتآكل قيمة المقتنيات والممتلكات. أما الرابحون من انهيار سعر الصرف فيأتي النظام السوري نفسه بدرجة معينة إذ "انخفضت القيمة الحقيقية للنفقات، وخصوصاً لرواتب العمال والموظفين من جهة ورواتب المقاتلين من جهة أخرى. وقد أتاح له ذلك تجنيد عشرات الآلاف من الشبان الجدد بما يعرف بمليشيات الدفاع الوطني برواتب تبدو كبيرة إذا ما قيمت بالليرة السورية، ولكنها فاقدة القيمة الحقيقة" يقول الناجي.
اقــرأ أيضاً
ويضيف: "إن المرحلة الأولى من تراجع سعر الصرف هي ما عاد بمكاسب على النظام، ولكنه يعتبر تواصل التراجع وانهيار قيمة العملة السورية بمثابة "ضربة كبيرة للنظام".
كما عمل التجار على تحقيق الأرباح نتيجة تذبذب سعر الصرف وذلك باحتكار السلع ومنع عرضها في الأسواق في أوقات يتوقعون فيها أن تنخفض قيمة الليرة. يقول الباحث رامي سيف: "القائمون على التجارة هم من محدثي النعمة، ولا يعرفون سوى جمع المال واحتكاره، لو على حساب الحاجات الإنسانية أو المتطلبات الأساسية للمواطنين". ويضيف: " هنالك العديد من الحالات التي توضح ذلك، آخرها ما حدث في أسواق دمشق مؤخراً عندما ارتفع سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية، شهدنا عزوف العديد من التجار عن بيع بضائعهم واحتكارها في المستودعات".
شركات تربح من الحرب:
رفعت الحرب من التكاليف التي تتكبدها كل الشركات من دون استثناء، ولكن بعض الشركات وجدت الطريق لتحويل الخسائر، أو انخفاض العائدات، إلى زيادة كبيرة في الأرباح، وهذا ما فعلته شركتا الاتصالات المحتكرتان للسوق السورية: "سيريتيل" و "إم تي إن".
مع اندلاع الحرب، ارتفعت النفقات التشغيلية لشركتي الاتصالات بصورة كبيرة. ومع كل تراجع في سعر صرف الليرة السورية، كانت أرباح الشركتين تتراجع، وخصوصاً في ظل غياب إمكانية رفع الأسعار بصورة تلقائية من دون موافقة الحكومة السورية. الأخيرة وافقت على رفع أسعار الاتصالات لمرتين، قبل أن توافق على ما هو أهم من ذلك في مطلع العام 2015 عندما تم إنهاء العمل بالاتفاق القائم على نظام الـ "B.O.T"، والانتقال إلى نظام الرخصة". في العقد الجديد تقوم الشركتان بتقديم الخدمة لمدة عشرين عاماً وبترتيبات جديدة بما يخص اقتسام الأرباح مع الحكومة السورية. وقد أعلنت شركة "إم تي إن" أنها دفعت للحكومة السورية 25 مليار ليرة مقابل الاستثمار لمدة 20 عاماً فيما لم تعلن "سيريتيل" عن المبلغ المدفوع. وفضلاً عن ذلك المبلغ، يتوجب على الشركتين تحويل نسبة من الإيرادات السنوية إلى الحكومة السورية وذلك وفق التالي: 50 % من الإيرادات خلال العام الأول، 30 % من الإيرادات في كل من عامي 2016 و2017، و ما نسبته 20 % من الإيرادات في كل عام من الأعوام المتبقية في العقد والذي يمتد حتى عام 2034.
يقول الباحث منذر الناجي: "إن المبلغ المدفوع والبالغ 25 مليار ليرة سورية، هو فضيحة في ظل انهيار قيمة العملة المحلية، وكأن الحكومة تمنحهما تقديم الخدمة بشكل مجاني".
ويضيف: "كانت الحرب أهم أسباب موافقة الحكومة على فكرة تحويل العقد، ومن ثم موافقتها على رفع أسعار الخدمات التي تقدمها الشركتان لمرتين بعد أن كانت قد ارتفعت في مطلع الثورة، ذلك أن الأموال التي يحصل عليها النظام السوري هي حاسمة في تمويل نفقاته ومنها النفقات العسكرية المتصاعدة.
وفي ظل استمرار تراجع سعر صرف الليرة السورية وانعدام الأمن، فإن عدم رفع الأسعار وإرضاء الشركتين يهدد بتوقف الخدمة".
وكانت النتيجة هي ارتفاع أرباح الشركتين حتى في العام الأول الذي حولت فيه 50 % من الإيرادات للحكومة السورية. على سبيل المثال بلغت الأرباح الصافية لشركة "سيريتيل"، المملوكة من قبل رامي مخلوف، في العام الماضي 8.5 مليارات ليرة، في مقابل 1.6 مليار ليرة في عام 2010 قبل اندلاع الثورة. ويعوض هذا الارتفاع الكبير في الأرباح تراجع سعر صرف الليرة بل ويولد أرباحاً إضافية. في عام 2016 ستكون حصة الحكومة السورية نحو 5 مليارات بدلا من 9 مليارات حصلت عليها في عام 2015، وسترتفع مجدداً أرباح الشركتين بفضل "نعمة الحرب".
نعم، هنالك رابحون.
اقــرأ أيضاً
في الحديث عن الرابحين من الحرب السورية يبرز في المقدمة أمراء اقتصاد الحرب. برزت تلك الشريحة على جانبي النزاع، لدى المعارضة كما لدى النظام. يبدو العدد الأكبر من أفرادها كما لو أنهم قد "ظهروا من العدم"، يقول الباحث منذر الناجي لـ"العربي الجديد". ويضيف: "طالما كان هؤلاء مهمشين على المستوى الاقتصادي، ولكنهم حظوا بالقوة والنفوذ بعد تشكيل الكتائب المسلحة، وعندما استطاعوا السيطرة على رقعة جغرافية، صار بإمكانهم تطوير نمط من اقتصاد الحرب يحقق لهم أرباحاً طائلة".
في ظل تراجع أداء جميع القطاعات الاقتصادية، بدا أن "القطاع الوحيد الذي شهد نمواً كبيراً هو العنف" يقول المركز السوري لبحوث السياسات في أحدث تقاريره، إذ "أعاد اقتصاد العنف توزيع الدخل والثروة الوطنية لمصلحة قوى التسلط والجهات التي تسعى للحصول على الريع من خلال وسائل مباشرة وغير مباشرة، منها الضرائب والاحتكار والنهب والاتجار بالبشر والتهريب". ويشير التقرير إلى أن نسبة العاملين في الأنشطة غير المشروعة بلغت في عام 2014 نحو 17 في المئة من السكان الناشطين اقتصادياً داخل سورية. وفي مقابل انتشار اقتصاد العنف، شهدت مناطق النظام السوري في عام 2015 تحولاً إضافياً في السياسات الاقتصادية نحو "المزيد من النيوليبرالية من خلال الزيادة الكبيرة في أسعار الخبز والمواد الغذائية الأساسية والمشتقات النفطية، إضافة إلى زيادة الرسوم والضرائب غير المباشرة".
وبالنتيجة تم "تغيير البنية الاقتصادية وتحويلها لخدمة أهداف وأولويات مختلف قوى التسلط التي تقوم بإعادة تخصيص الموارد في العنف والأنشطة المتعلقة به، وترافق ذلك مع غياب سيادة القانون وحقوق الملكية والمساءلة إضافة إلى تفاقم الفساد. وخلقت هذه البيئة الاقتصادية الجديدة فاعلين جدداً، و/أو غيرت من سلوك الفاعلين السابقين ليصبحوا جزءًا من قواعد اللعبة الجديدة التي تفرض الهيمنة بالقوة وتقوم ببناء اقتصاد سياسي جديد يحافظ على استدامة النزاع".
تجارة التهريب
وبحسب تقرير "المركز النرويجي لبناء السلام" تباع القطع الأثرية الصغيرة التي تقوم مجموعات مسلحة بسرقتها في سورية بمئات الدولارات، فيما ترتفع أسعار الآثار الأكبر مثل المخطوطات والتماثيل إلى آلاف الدولارات وصولاً إلى مئات آلاف الدولارات للقطع الأثرية الكبيرة.
وفيما خسرت الحكومة السورية تجارة النفط بصورة شبه تامة بعد أن تراجعت عائدات النفط بما يقارب 95 %، بحسب التقرير الأحدث لمنظمة الاسكوا، انتقلت السيطرة إلى تنظيم داعش وقوات حماية الشعب الكردية. ولم يؤد ذلك إلى تحقيق أرباح طائلة للتنظيمين المذكورين فقط، بل أيضاً "لشبكة من التجار والسكان الذين يعملون في قطاع النفط، سواء في الاستخراج أو التكرير أو النقل" بحسب الناشط السوري خلف الزين، الذي يقول: "هنالك من يحقق أرباحاً مذهلة من هذه الأعمال إذ أعرف أحدهم كان تاجر أبقار بين مدن الريف الحلبي وقد تحول للعمل في نقل النفط وبيع أجهزة ومعدات متعلقة بهذه الصناعة لأن أرباحها كبيرة جداً".
يُسلّط الباحث في المنتدى الاقتصادي السوري رامي سيف الضوء على ظاهرة بروز طبقة جديدة من التجار والصناعيين يعدها من أبرز الرابحين في ظل الحرب. يشرح سيف: "أقصد بالطبقة الجديدة الأشخاص الذين استفادوا من الظروف الخاصة والاستثنائية التي تمر بها البلاد، واستطاعوا من خلال نفوذهم أو ارتباطاتهم مع الفصائل المسلحة جمع أموال طائلة، أما الخاسر فهو الصناعي والتاجر غير المرتبط بقوى النفوذ وقد تضرر بشكل كبير من جراء الحرب". ويضيف سيف: "سينعكس ذلك على الواقع الاقتصادي للبلاد بعد الحرب ويزيد من درجة تشوه الاقتصاد السوري ذلك أن الطبقة الجديدة التي ظهرت ليست لديها المعرفة الكافية بالعمل التجاري وبالاقتصاد على وجه العموم".
لقد فتحت الحرب نافذة جديدة أمام طبقة التجار والصناعيين الذين حافظوا على علاقات جيدة بالنظام السوري وذلك بعد أن أغلقت الحرب والعقوبات الاقتصادية نوافذ سابقة. ودائماً ما تجد تلك الطبقة فرصاً جديدة لمراكمة الأموال، سواء قبل الحرب أو خلالها، وفي سبيل ذلك "تعاملت مع المعارضة السورية ومع تنظيم داعش عبر وسطاء إذ تشتري منهم الآثار والنفط وكل ما يمكن أن يتحول إلى أرباح إذ إن اقتصاد الحرب باتت تديره شبكات خبيرة بذلك، ولم يعد عشوائياً كما كان سابقاً" يقول الزين. ويقدر تقرير المركز النرويجي لبناء السلام العائدات التي حصلت عليها مجموعات المعارضة من اقتصاد الحرب خلال عامي 2014-2015 بين 300-500 مليون دولار وهو ما لم يكن متاحاً بالطبع قبل الحرب لقادة تلك المجموعات. ويقول التقرير :" إن تهريب الآثار كان شائعا في سورية قبل الثورة عبر مجموعات مرتبطة بالنظام وبالطبع وجدوا اليوم فرصة لتوسيع أعمالهم. أما تهريب السلع والأدوية للمناطق المحاصرة والتي ينخرط فيها تجار على طرفي الصراع فضلا عن بعض فصائل المعارضة وضباط من النظام السوري فيقدر المركز حجم هذه التجارة بين ملياري وثلاثة مليارات دولار سنوياً.
أما الرابحون على المستوى الخارجي فهم مزودو النظام السوري بالأسلحة، ويتضمن ذلك روسيا، أوكرانيا، إيران، الصين، وكوريا الشمالية، فضلاً عن شركات من الاتحاد الأوروبي مثل شركة إيطالية قامت بتحديث دبابات تي 72 السورية بحسب تقرير المركز النرويجي. وتشير تقديرات المركز السوري لبحوث السياسات إلى أن التنامي المتواصل للنفقات العسكرية للنظام السوري، كان أقل من مليار دولار في عام 2011 لتباشر التصاعد السريع إلى أكثر من مليارين في 2012 وثم إلى 3.6 مليارات في عام 2013.
وهنالك رابحون أيضاً من تراجع سعر صرف العملة المحلية. فبعد الخسائر المباشرة التي تكبدها السوريون بفعل الدمار المباشر يمكن القول إن الخسائر الناتجة عن انهيار سعر الصرف هي الأكبر، ذلك أنها تسببت بانهيار دخل السوريين وتآكل قيمة المقتنيات والممتلكات. أما الرابحون من انهيار سعر الصرف فيأتي النظام السوري نفسه بدرجة معينة إذ "انخفضت القيمة الحقيقية للنفقات، وخصوصاً لرواتب العمال والموظفين من جهة ورواتب المقاتلين من جهة أخرى. وقد أتاح له ذلك تجنيد عشرات الآلاف من الشبان الجدد بما يعرف بمليشيات الدفاع الوطني برواتب تبدو كبيرة إذا ما قيمت بالليرة السورية، ولكنها فاقدة القيمة الحقيقة" يقول الناجي.
ويضيف: "إن المرحلة الأولى من تراجع سعر الصرف هي ما عاد بمكاسب على النظام، ولكنه يعتبر تواصل التراجع وانهيار قيمة العملة السورية بمثابة "ضربة كبيرة للنظام".
كما عمل التجار على تحقيق الأرباح نتيجة تذبذب سعر الصرف وذلك باحتكار السلع ومنع عرضها في الأسواق في أوقات يتوقعون فيها أن تنخفض قيمة الليرة. يقول الباحث رامي سيف: "القائمون على التجارة هم من محدثي النعمة، ولا يعرفون سوى جمع المال واحتكاره، لو على حساب الحاجات الإنسانية أو المتطلبات الأساسية للمواطنين". ويضيف: " هنالك العديد من الحالات التي توضح ذلك، آخرها ما حدث في أسواق دمشق مؤخراً عندما ارتفع سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية، شهدنا عزوف العديد من التجار عن بيع بضائعهم واحتكارها في المستودعات".
شركات تربح من الحرب:
رفعت الحرب من التكاليف التي تتكبدها كل الشركات من دون استثناء، ولكن بعض الشركات وجدت الطريق لتحويل الخسائر، أو انخفاض العائدات، إلى زيادة كبيرة في الأرباح، وهذا ما فعلته شركتا الاتصالات المحتكرتان للسوق السورية: "سيريتيل" و "إم تي إن".
مع اندلاع الحرب، ارتفعت النفقات التشغيلية لشركتي الاتصالات بصورة كبيرة. ومع كل تراجع في سعر صرف الليرة السورية، كانت أرباح الشركتين تتراجع، وخصوصاً في ظل غياب إمكانية رفع الأسعار بصورة تلقائية من دون موافقة الحكومة السورية. الأخيرة وافقت على رفع أسعار الاتصالات لمرتين، قبل أن توافق على ما هو أهم من ذلك في مطلع العام 2015 عندما تم إنهاء العمل بالاتفاق القائم على نظام الـ "B.O.T"، والانتقال إلى نظام الرخصة". في العقد الجديد تقوم الشركتان بتقديم الخدمة لمدة عشرين عاماً وبترتيبات جديدة بما يخص اقتسام الأرباح مع الحكومة السورية. وقد أعلنت شركة "إم تي إن" أنها دفعت للحكومة السورية 25 مليار ليرة مقابل الاستثمار لمدة 20 عاماً فيما لم تعلن "سيريتيل" عن المبلغ المدفوع. وفضلاً عن ذلك المبلغ، يتوجب على الشركتين تحويل نسبة من الإيرادات السنوية إلى الحكومة السورية وذلك وفق التالي: 50 % من الإيرادات خلال العام الأول، 30 % من الإيرادات في كل من عامي 2016 و2017، و ما نسبته 20 % من الإيرادات في كل عام من الأعوام المتبقية في العقد والذي يمتد حتى عام 2034.
يقول الباحث منذر الناجي: "إن المبلغ المدفوع والبالغ 25 مليار ليرة سورية، هو فضيحة في ظل انهيار قيمة العملة المحلية، وكأن الحكومة تمنحهما تقديم الخدمة بشكل مجاني".
ويضيف: "كانت الحرب أهم أسباب موافقة الحكومة على فكرة تحويل العقد، ومن ثم موافقتها على رفع أسعار الخدمات التي تقدمها الشركتان لمرتين بعد أن كانت قد ارتفعت في مطلع الثورة، ذلك أن الأموال التي يحصل عليها النظام السوري هي حاسمة في تمويل نفقاته ومنها النفقات العسكرية المتصاعدة.
وفي ظل استمرار تراجع سعر صرف الليرة السورية وانعدام الأمن، فإن عدم رفع الأسعار وإرضاء الشركتين يهدد بتوقف الخدمة".
وكانت النتيجة هي ارتفاع أرباح الشركتين حتى في العام الأول الذي حولت فيه 50 % من الإيرادات للحكومة السورية. على سبيل المثال بلغت الأرباح الصافية لشركة "سيريتيل"، المملوكة من قبل رامي مخلوف، في العام الماضي 8.5 مليارات ليرة، في مقابل 1.6 مليار ليرة في عام 2010 قبل اندلاع الثورة. ويعوض هذا الارتفاع الكبير في الأرباح تراجع سعر صرف الليرة بل ويولد أرباحاً إضافية. في عام 2016 ستكون حصة الحكومة السورية نحو 5 مليارات بدلا من 9 مليارات حصلت عليها في عام 2015، وسترتفع مجدداً أرباح الشركتين بفضل "نعمة الحرب".
نعم، هنالك رابحون.