وفي تفاصيل الحادثة، قالت مصادر قبلية لـ"العربي الجديد" إن مسلحين مجهولين استهدفوا، صباح أمس السبت، آليةً للجيش المصري بصاروخ موجه في مدينة رفح أثناء سيرها في المنطقة العازلة قرب الحدود مع قطاع غزة بمسافة 300 متر فقط، ما أدى إلى تدميرها بشكل كامل. ولفتت المصادر إلى أن آليات الجيش وسيارات الإسعاف هرعت إلى مكان الاستهداف الواقع في منطقة بوابة صلاح الدين، لنقل القتلى والجرحى من العسكريين الذين كانوا بداخل الآلية.
وما يلفت النظر في هذا الاعتداء أنه يعتبر الأول من نوعه منذ شهور في المنطقة العازلة التي بدأ الجيش المصري بإنشائها نهاية عام 2014، والتي امتدت لمسافة خمسة كيلومترات، وهي مساحة تشمل غالبية أحياء وقرى مدينة رفح من الحدود مع قطاع غزة، وحتى مناطق الغرب حيث الاتجاه لمدينة الشيخ زويد. وجاء هذا الاستهداف في الوقت الذي عزز الجيش المصري من تواجده العسكري في مناطق الساحل شمال رفح، بعد هجمات عدة تعرض لها في الأسابيع القليلة الماضية، وأدت إلى مقتل وجرح العشرات من قواته. وأكدت المصادر، في حديثها مع "العربي الجديد"، أن قوات الجيش أرسلت تعزيزات عسكرية من معسكراتها برفح والشيخ زويد إلى مناطق ساحل رفح ومينائها، بهدف إحكام السيطرة على تلك المناطق، بعد نشاط مجموعات تابعة لتنظيم ولاية سيناء الموالي لتنظيم داعش الإرهابي. كما أتى الهجوم في ظل استمرار الجيش المصري بتفجير منازل المواطنين في منطقة جنوب مدينة رفح، على مقربة من الحدود المصرية مع الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.
وتتزامن هذه الهجمات في مدينة رفح، والتي كان آخرها استهداف الآلية العسكرية بصاروخ موجه مع هدوء نسبي في بقية مدن محافظة شمال سيناء كالعريش والشيخ زويد وبئر العبد ووسط سيناء، ما يضع علامات استفهام عن تحرك التنظيم في المدينة الأقرب إلى قطاع غزة، رغم أنها ذات الوضع الأمني الأصعب على مستوى المحافظة منذ بدء العملية العسكرية، خصوصاً أن المدينة شبه خالية من السكان، بعد تهجير غالبية المناطق فيها. ويضاف إلى ذلك أن التنظيم تلقى فيها ضربات عسكرية موجعة من خلال قصف جوي مكثف على مدار الأسابيع الأولى للعملية العسكرية، وتحركات برية طاولت غالبية المناطق.
ويطرح الهجوم الأخير تساؤلات عن كيفية تحرك التنظيم داخل المدينة برغم تجريف غالبية أحيائها، ومنع الحركة منها وإليها، وعدم تحرك أي مركبات داخل المدينة، سواء سيارات أو دراجات نارية. كما يطرح التساؤل الأكبر عن استخدام صاروخ موجه للمرة الأولى منذ عامين تقريباً، برغم أن الجيش المصري أعلن عن تدمير غالبية المخازن والمخابئ التابعة للتنظيم، ولماذا لم يستخدم هذه الأسلحة خلال صده لهجوم الجيش خلال الأشهر الماضية، أو في عملياته ضد الجيش قبل بدء العملية العسكرية.
في غضون ذلك، كشف شيخ قبلي لـ"العربي الجديد" أن التنظيم حصل في الآونة الأخيرة على مبالغ مالية كبيرة من مهربين على الحدود مع قطاع غزة، مقابل إخلاء سبيل كميات من السجائر والبضائع التي كان يحتجزها منذ أشهر، ولم يتمكن من التواصل مع أصحابها خلال الفترة الماضية بسبب العملية العسكرية الشاملة. وكان التنظيم يعمل على حرق السجائر خلال السنوات الماضية، لأنها محرمة وفقاً لأبجديات عمله في سيناء.
وأوضح الشيخ القبلي الذي يقطن جنوب مدينة رفح، والذي رفض الكشف عن اسمه، أن نشاط التنظيم الأخير يعود لحصوله على تمويل من خلال هذه الإجراءات، وكذلك من بعد وصول عدد من الناشطين العسكريين لصفوف التنظيم في الآونة الأخيرة، رغم حالة الإغلاق الشامل للمدينة، وعدم المقدرة على التحرك. وتساءل عن كيفية وصول أفراد التنظيم الجدد لسيناء، وتنشيطه من جديد.
من جهته، قال باحث في شؤون سيناء إن إعادة التركيز على مدينة رفح بحكم قربها الجغرافي من قطاع غزة، الذي يمثل مركز الاهتمام الدولي في الوقت الحالي خصوصاً لدى الإدارة الأميركية، يدفع للتساؤل عن الجهة المستفيدة من نشاط التنظيم مجدداً في مدينة رفح، دوناً عن بقية مدن محافظة شمال سيناء. وبرأيه تبقى الإجابة عالقة لدى النظام المصري الذي يعتبر المستفيد الوحيد من هذا التطور على الناحية السياسية، مع غض النظر عن التأثير الميداني لعودة التنظيم في رفح.
وأضاف الباحث، الذي فضَل عدم الكشف عن اسمه، أن النشاط العسكري للتنظيم في سيناء لا يمثل نتيجة طبيعية للعملية العسكرية التي تركزت في مدينة رفح على مدار الأشهر الخمسة الماضية، فضلاً عن طبيعة السلاح المستخدم في العمليات الأخيرة، التي تركزت في الشريط الحدودي مع قطاع غزة ومنطقة ميناء رفح. وبالنسبة إليه كل ما سبق يشّي بوجود شيء مريب في الخفاء، وأن جهة ما معنية بتصعيد الجبهة في رفح خلال الفترة الحساسة التي نمر بها، والحديث عن مخطط صفقة القرن التي تقع سيناء في القلب منها.
وكان الجيش المصري قد أطلق، في 9 فبراير/ شباط الماضي، هجوماً برياً وجوياً وبحرياً على كافة مدن محافظة سيناء، في إطار عملية عسكرية هي الكبرى في تاريخ المحافظة، ولا تزال مستمرة، في ظل تواصل هجمات تنظيم "ولاية سيناء". وتسببت العملية العسكرية بهدم آلاف المنازل، وقتل وإصابة مئات المدنيين، عدا عن اعتقال أكثر من خمسة آلاف مواطن من دون مسوغ قانوني.