قمة إسطنبول السورية: آمال بالاتفاق تصطدم بالخلافات والغياب الأميركي

إسطنبول

جابر عمر

جابر عمر
إسطنبول

عدنان أحمد

عدنان أحمد
27 أكتوبر 2018
231D7682-E577-43B1-969D-0681122C5F64
+ الخط -
يُقبل المشهد السوري على حراك سياسي مكثّف، تبدأ أولى مراحله في القمة الرباعية التي تستضيفها إسطنبول اليوم السبت، بمشاركة الرؤساء التركي والروسي والفرنسي والمستشارة الألمانية، في ظل سعي أنقرة لخروج القمة بإعلان خارطة طريق نحو تسوية سياسية في سورية. غير أن ذلك يصطدم بغياب الولايات المتحدة عن هذا اللقاء، وتباعد وجهات النظر بين الأوروبيين وروسيا، فيما حاولت موسكو التخفيف من أهمية الخلافات بالقول إنها تنحصر في الآليات والتكتيك المناسب للحل السوري. ومن المتوقع أن يحضر كذلك على جدول أعمال القمة الرباعية اليوم، موضوع اللجنة الدستورية التي تحاول الأمم المتحدة تشكيلها لوضع دستور جديد لسورية، لكن المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا كان قد اصطدم بتعنّت النظام السوري ورفضه "التدخّل الخارجي" في هذه القضية. بالتوازي، كان وفد من الهيئة العليا للتفاوض التابعة للمعارضة، يزور موسكو أمس لبحث هذا الملف، متحدثاً عن الدور الروسي المهم في سورية.

وقبيل قمة إسطنبول، أبلغ دي ميستورا مجلس الأمن الدولي أمس بأن وزير خارجية النظام وليد المعلم، رفض الدور الذي تقوم به الأمم المتحدة حالياً في عملية تشكيل اللجنة الدستورية. وفي إفادة قدّمها عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، خلال جلسة لمجلس الأمن أمس، قال المبعوث الأممي إن "المعلم يفهم دور الأمم المتحدة بشكل مختلف"، مشيراً إلى أن "المعلم لم يقبل بدور للأمم المتحدة في تشكيل أو تحديد أسماء أعضاء القائمة الثالثة في اللجنة الدستورية"، مضيفاً أن الوزير "أوضح أن روسيا وضامني أستانة، يمكن أن يتفقوا على إعداد قائمة ثالثة، ويقدموها للأمم المتحدة". ولفت إلى أن المعلم "طلب مني سحب القائمة الثالثة المعروضة على الطاولة (من قبل الأمم المتحدة)، وقال إن ضامني أستانة يرفضونها، وقلت له إن ذلك غير حقيقي". وتعهّد بألا "أدخر جهداً في ما تبقى من وقت لولايتي من أجل إطلاق عمل اللجنة الدستورية في أقرب فرصة ممكنة، والإسهام في تنفيذ عملية جنيف وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254".



وتتجه الأنظار اليوم إلى قمة إسطنبول التي يشارك فيها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظيراه الروسي فلاديمير بوتين، والفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، فيما تأكد رسمياً مشاركة دي ميستورا، الذي سيترك منصبه أواخر الشهر المقبل، وسيحاول خلال القمة إحداث خرق في ملف تشكيل اللجنة الدستورية.
وسيحاول المشاركون في القمة كسر الجمود الحاصل في الملف السوري، والتقاء المحورين المعنيين به، محور أستانة والدول الضامنة تركيا وروسيا وإيران، و"المجموعة المصغرة" التي تقودها الولايات المتحدة وتضم 7 دول، هي إضافة إليها بريطانيا وفرنسا وألمانيا ومصر والأردن والسعودية. وبدأت أمس الجمعة الاجتماعات التقنية بين وفود الدول الأربع في إسطنبول لإقرار جدول الأعمال، ووضع مسودة البيان الختامي، في ظل شح في المعلومات المتوفرة عن البرنامج التفصيلي للقمة، مع السماح بتغطية الإعلام التركي المعتمد من قبل رئاسة الجمهورية التركية حصراً.

واستبق المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، القمة بالحديث عن أهداف أنقرة منها، قائلاً "إننا نأمل من هذه القمة، اتخاذ الخطوات وإعلان خارطة الطريق نحو التسوية السياسية في سورية بشكل واضح، إلى جانب تشكيل لجنة صياغة الدستور". وأوضح أن من بين القضايا التي سيتم بحثها في القمة، صيغ الحلول القابلة للتطبيق في سورية، والحفاظ على الاتفاق حول إدلب وطرح الانتهاكات العسكرية التي يقوم بها النظام السوري.

في المقابل، بدا أن موسكو تعي حجم الخلافات بين الأطراف المشاركة في القمة، ولا سيما بينها وبين فرنسا وألمانيا. وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، أمس، إن البلدان الأربعة متفقة في الهدف الرامي لتسوية سياسية في سورية، لكن الخلافات بينها قد تكون في رؤية الآليات والتكتيك المناسب لذلك. وقال بيسكوف للصحافيين: "هذا ليس تناقضاً، هناك نهج مختلف، عموماً الكل يريد بالطبع التسوية السياسية في سورية. إنه هدف مشترك، لكن فلنقل، يمكن بالطبع أن تكون هناك فوارق في الآليات والتكتيك".

ويغيب عن هذه القمة أي حضور أميركي، وهو ما يزيد الشكوك حول إمكان تنفيذ أي مقررات تصدر عنها. ولفتت مصادر مطلعة عبر "العربي الجديد"، إلى أن روسيا لا ترغب بالتواجد الأميركي في اجتماعات كهذه، وربما هذا ينبع من الاختلاف في وجهات النظر بين الطرفين، إذ تركز موسكو على تحريك ملف إعادة الإعمار وتدفق الأموال لسورية، فيما تبحث الدول الغربية عن تقدّم سياسي يساهم ببدء هذه المرحلة. وأضافت المصادر، أن السبب الذي أخّر القمة أكثر من شهر ونصف الشهرعن أول موعد طرحه أردوغان في 7 سبتمبر/أيلول الماضي، ينبع إضافة إلى ضرورة التنسيق والتحضير، من الموقف الفرنسي تجاه "وحدات حماية الشعب" الكردية، التي تصنفها تركيا على أنها إرهابية، وسط سعي فرنسي لتسويق هذه الوحدات، في موقف منسجم مع الرؤية الأميركية. وطرحت الاختلافات بين هذه الدول في وجهات النظر عن المأمول منه في هذه القمة، تساؤلات عما إذا كان يمكن أن تُقدّم روسيا تنازلات معينة، كتسهيل عمل اللجنة الدستورية، والحفاظ على اتفاق إدلب، مقابل تحريك ملف إعادة الإعمار وعودة المهجرين، وهل ستقبل الدول الغربية بالتنازل الروسي؟
يُذكر أن الرئاسة الفرنسية كانت قد أعلنت في بيان سابق، أن الرئيس إيمانويل ماكرون بحث مع نظيره الأميركي دونالد ترامب، القمة الرباعية، وذلك خلال مكالمة هاتفية بينهما. ووفق البيان، فإن ترامب لفت إلى أن فرنسا والولايات المتحدة تتشاركان الأهداف السياسية والإنسانية والأمنية نفسها في سورية.

وتعليقاً على القمة الرباعية في إسطنبول، قال رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض، عبد الرحمن مصطفى، إنه "بعد اتفاق إدلب التركي الروسي في سوتشي، حصلت حركة ومساع لتقوية الاتفاق، عبر تقوية المسار السياسي". وأوضح مصطفى لـ"العربي الجديد"، أن أهمية هذه القمة تنبع من أن "لقاء تركيا وروسيا وألمانيا وفرنسا سيكون له دور في تلاقي وجهتي نظر حول سورية". وأكد أن هذا التلاقي قد ينتج عنه "تسريع لتشكيل اللجنة الدستورية"، معلناً عدم مشاركة المعارضة في القمة، إذ لم توجه لها أي دعوة.

من جهته، قال المتحدث الرسمي باسم الهيئة العليا للتفاوض، يحيى العريضي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "جدية التحرك الأميركي تتمثّل بوضع اليد على الشمال الشرقي السوري، ما أعطى حياةً للموقف الأوروبي"، مضيفاً "يقابل ذلك في الجانب الآخر اختناق إيران بسبب شبه الإجماع الدولي على إخراجها من سورية، فيما اتجه النظام للمناكفة ورفض العملية السياسية عبر شروطه التعجيزية تجاه اللجنة الدستورية، الأمر الذي يحرم روسيا من جني أي ثمار سياسية في سورية، ما جعلها تستنفر وتبدأ بالتراقص بين قمة وأخرى، فيما الهيئة العليا للتفاوض محيطة بكل هذه التطورات وفاعلة بها".


في المقابل، يرى مراقبون أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى من خلال هذه القمة إلى التركيز على أولويتين لديه وهما: إعادة اللاجئين السوريين، والمساهمة في إعمار سورية من دون انتظار استكمال خطوات الانتقال السياسي، فيما تؤكد الدول الأوروبية، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، أنه لا يمكن تحقيق تقدم في هاتين النقطتين، إلا بعد تحقيق تقدم في المسار السياسي.

وقال الباحث شادي عبدالله لـ"العربي الجديد" إن بوتين يحاول تجنيد أوروبا، وإذا أمكن بعض الدول العربية، لتمويل عمليات إعادة البناء في سورية على اعتبار أن الحرب في سورية انتهت من وجهة نظره، ويجب البدء في الخطوات التالية وهي عودة اللاجئين وبدء عمليات إعادة الإعمار. وأضاف أن هذا الرأي لا توافق عليه معظم الدول الأوروبية والولايات المتحدة التي لا تريد أن تسهم في إعادة تعويم نظام بشار الأسد باعتباره المنتصر في الحرب وفق ما تريد روسيا، بل تؤكد وجوب استكمال المسار السياسي ليكون هناك حل شامل تشارك فيه المعارضة وفق قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالانتقال السياسي، وقبل ذلك لا يمكنها المساهمة في عملية إعادة الإعمار التي لا تقوى عليها روسيا وحدها ولا إيران.

في غضون ذلك، التقى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في موسكو أمس الجمعة، رئيس الهيئة العليا للتفاوض، نصر الحريري، وبحثا قضايا تشكيل اللجنة الدستورية ومكافحة الإرهاب، وإعادة إعمار البنية التحتية الاجتماعية والاقتصادية، وخلق الظروف لعودة النازحين واللاجئين، وفق المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا.
وقال الحريري خلال مؤتمر صحافي أمس قبل الاجتماع، إن لروسيا "دوراً مؤثراً في الملف السوري، ولذلك حرصنا على أن تكون هناك قنوات اتصال فعالة مع الجانب الروسي، سواء من خلال مباحثات جنيف أو أستانة". وأضاف: "نحن نعمل الآن على تشكيل اللجنة الدستورية، التي يجب أن تضم ممثلين عن الحكومة والمعارضة. إن النظام السوري يضع عقبات جديدة أمام تشكيل هذه اللجنة، ونحن لا نرى ضوءاً في نهاية النفق". وأوضح أن النظام يصرّ على إعادة صياغة الدستور الحالي، بدلاً من وضع دستور جديد. ولفت إلى أن "هناك حوالى 123 منطقة تسيطر عليها القوات الإيرانية، كانت المعارضة قد استولت عليها ثم جاء الإيرانيون إليها وأقاموا قواعد عسكرية هناك بالفعل". وأكد الحريري أن المعارضة مع إعادة اللاجئين السوريين من دول أخرى إلى سورية، لكنها تعتقد أن هذا يتطلب دستوراً جديداً وانتخابات حرة.

وذكرت وسائل إعلام سورية معارضة أن وفد الهيئة في موسكو لا يضم أي ممثل عن فصائل المعارضة المسلحة، ويُشارك فيه فدوى العجيلي، بدر جاموس، صفوان عكاش، قاسم الخطيب، وعلاء عرفات. وحسب مصادر في المعارضة، فإن الزيارة ليس لها جدول أعمال مسبق، وإنما تمت بهدف التشاور مع الجانب الروسي. كذلك سيقوم وفد من الهيئة بزيارة لندن يوم 28 الحالي بدعوة من الجانب البريطاني للمشاركة في اجتماعات "المجموعة المصغرة" حول سورية.

مقابل ذلك، بدأ الكرملين اتصالات مع أنقرة وطهران لترتيب قمة روسية- إيرانية- تركية رابعة ضمن مسار سوتشي للدول الضامنة الثلاث. ورأى مراقبون أن روسيا تتحسب لفشل مسار تأسيس اللجنة الدستورية وفق مسار جنيف، في ضوء المواقف السلبية للنظام السوري من اللجنة، والتي عبّر عنها وزير خارجيته وليد المعلم خلال استقباله دي ميستورا.
وقال الصحافي غازي دحمان لـ"العربي الجديد"، إن روسيا قد لا تستطيع مسايرة النظام في هذا الطرح لأنها تحتاج إلى قدر من الشرعية الدولية للمضي في الحل السياسي الذي لا يمكن أن يكون على مقاس رغبات النظام الذي يسعى إلى الاستفراد بتشكيل اللجنة الدستورية، ليضمن ألا يتضمن الدستور الجديد أي نصوص قد تؤدي في المحصلة إلى إقصاء بشار الأسد "دستورياً" أو على الأقل يتم سحب جزء هام من سلطاته لصالح رئيس الحكومة بما في ذلك الولاية على الجيش والأجهزة الأمنية. ورأى دحمان أن قمة إسطنبول قد لا تصدر عنها قرارات حاسمة، لكنها ستكون إطاراً ملائماً لبحث الممكنات الواقعية في الحل السوري، خصوصاً أنها تجمع ممثلي جميع الأطراف الفاعلة في الأزمة السورية، لأن الأوروبيين يعبّرون بصورة أو أخرى عن الموقف الأميركي.

ذات صلة

الصورة
المصورة الوثائقية الألمانية ــ الإيرانية شيرين عابدي/ فيسبوك

منوعات

واجهت المصورة الوثائقية الألمانية ــ الإيرانية شيرين عابدي موجة انتقادات بعد قولها عبارة "فلسطين حرة" أثناء تسلمها جائزة الجمعية الألمانية للتصوير
الصورة

سياسة

أعلنت وزارة الدفاع التركية، ليل أمس الأربعاء، قتل العديد من مسلحي حزب العمال الكردستاني وتدمير 32 موقعاً لهم شمالي العراق.
الصورة
من مجلس العزاء بالشهيد يحيى السنوار في إدلب (العربي الجديد)

سياسة

أقيم في بلدة أطمة بريف إدلب الشمالي وفي مدينة إدلب، شمال غربي سورية، مجلسا عزاء لرئيس حركة حماس يحيى السنوار الذي استشهد الأربعاء الماضي.
الصورة
آثار قصف روسي على إدلب، 23 أغسطس 2023 (Getty)

سياسة

شنت الطائرات الحربية الروسية، بعد عصر اليوم الأربعاء، غارات جديدة على مناطق متفرقة من محافظة إدلب شمال غربيّ سورية، ما أوقع قتلى وجرحى بين المدنيين.