إعادة هيكلة الجيش هي المسألة الأبرز على جدول أعمال القيادة التركية في هذه الفترة، وبعد أن كشف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه قد يتم تقديم اجتماع مجلس الشورى العسكري، أُعلن أمس أن المجلس سيجتمع يوم الخميس المقبل بدل موعده الذي كان مقرراً مطلع الشهر المقبل، وسيكون على هذه الهيئة النهوض بعدد من المهام خلال وقت وجيز جداً، أولاها إعادة ترتيب وضع المؤسسة العسكرية التي تعرضت لهزة كبيرة من جراء محاولة الانقلاب الفاشلة، وهذه القضية ذات شأن كبير وتوليها قيادة الدولة عناية خاصة لعدة أسباب. الأول أن هناك شعوراً في الشارع التركي بأن صورة الجيش تأثرت سلباً بسبب محاولة الانقلاب، ولا بد من معالجة هذا الأمر بسرعة، لأن استمرار أو ترسيخ هذا الانطباع ليس في صالح المصلحة الوطنية العليا في هذا الظرف بالذات، إذ يخوض الجيش حرباً مفتوحة في الجنوب ضد حزب "العمال الكردستاني" المصنّف إرهابياً وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في الوقت نفسه.
وقال مصدر تركي مطلع لـ"العربي الجديد"، إن هناك ضغطاً كبيراً تواجهه القيادة التركية من أجل الإسراع في رد الاعتبار للجيش كمؤسسة وطنية، والحيلولة دون ترك الانطباع الشائع حالياً يترسخ بأن هناك انقساماً بين جهازي الداخلية والدفاع، وفي حين أن الخطاب الرسمي لم يغفل التنبيه إلى مخاطر هذا الالتباس، وبقي يركز على تحميل مسؤولية الانقلاب لمجموعة من داخل الجيش ومن خارجه، يبقى أن هناك عملاً ينتظر القيام به على نحو صريح وشفاف مهما كانت الكلفة كبيرة، يتناول موقع هذه المؤسسة التي ظلت تعمل طيلة العقود الماضية تحت مظلة المقولة الشهيرة المعروفة: "الجيش التركي هو الدستور، والدستور هو الجيش".
وحسب أوساط تركية، فإن النقطة الحساسة هي عدم النظر إلى قضية إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية من جانب تقني فقط، بل من منظور تاريخي يراعي عملية الانتقال الكبير الذي شهدته تركيا على المستويين السياسي والاقتصادي في العقدين الأخيرين. ويضاف إلى ذلك أن هذه العملية في جوهرها سياسية، جانب منها ينحصر في إطار تقليص دور الجيش الذي بدأ بطلب من أوروبا ضمن دفتر شروط الانضمام للاتحاد الأوروبي، بينما يتناول الجانب الثاني القاعدة التي جرى العمل بها سابقاً على أساس أن الجيش حامي الديمقراطية والعلمانية، الأمر الذي أطلق يد المؤسسة العسكرية ومنحها دوراً لا يقع في صلب صلاحياتها.
المهمة الثانية هي أنه كلما جرى التسريع في إنجاز مهمة إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية، تم تقصير مهلة الطوارئ التي تلقى معارضة وعدم ارتياح حتى من أوساط الشارع المؤيد لحزب "العدالة والتنمية". وأوضح المصدر التركي أن القيادة تعمل على أن تكون الفترة الانتقالية لمدة ثلاثة أشهر فقط، وتعود البلاد إلى وضعها الطبيعي، بعد أن تتم محاسبة المتورطين في الانقلاب الفاشل. ويُلاحظ هنا أن اليوم الأول من تطبيق حالة الطوارئ اتسم بفرز سريع للموقوفين بعد الانقلاب وجرى الإفراج عن أعداد كبيرة، في وقت تم إيقاف آخرين.
رفض الانقلاب ومعارضة حالة الطوارئ، معادلة يجدها الكثيرون مناسِبة في تركيا اليوم، وستكون مظلة لتظاهرة حزب "الشعب الجمهوري" التي ستجري اليوم الأحد في إسطنبول، كأول نزول منظّم للمعارضة إلى الشارع منذ الانقلاب. جرى الإعلان عن التظاهرة بعد جلسة البرلمان يوم الخميس، التي أقرت حالة الطوارئ بـ346 صوتاً من بين 461 نائباً حضروا الجلسة من إجمالي أعضاء المجلس البالغ عددهم 550، ما يعني أن 115 نائباً صوّتوا ضدها، أغلبهم من "الشعب الجمهوري" وحزب "الشعوب الديمقراطي".
كثيرون يعولون على إنجاح المعادلة طالما أنه يجري النظر إلى حالة الطوارئ من زاوية إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية، وليس من باب التضييق على الحريات، وهذا الأمر يبدو ملحوظاً في الشارع التركي ولدى الأوساط السياسية التي تتعاطى مع الطوارئ من دون حساسيات أو خلفيات. صحيح أن الوقت مبكر لإصدار أحكام على مجرى عمليات الطوارئ، إلا أن الجو العام لا يوحي أن البلاد مقدمة على مرحلة من التشدد، لأن السير في هذا الطريق لا يصب في مصلحة أحد، سواء الدولة أو الأحزاب أو المجتمع.
اقــرأ أيضاً
تظاهرة اليوم ستكون الأولى من جانب المعارضة وستكون على درجة كبيرة من الحساسية ومقياساً لجميع الأطراف، في وقت لم تتوقف فيه التظاهرات التي دعا إليها أردوغان، وبلغت ذروتها ليل الجمعة بمناسبة مرور أسبوع على الانقلاب، حيث عاشت شوارع المدن الأساسية تجمّعات كبرى استمرت حتى ساعات الفجر.
وقد لعب أردوغان حتى اليوم ورقة الشارع بذكاء شديد، حيث استنفر أنصاره وأبقاهم في حالة اليقظة التامة، في الوقت الذي تواصل فيه الأجهزة استكمال عملية التطهير لأنصار الانقلاب. إلا ان الملاحظة الأساسية هي أن التظاهرات التي تملأ الشوارع منذ أسبوع، لم ترفع سوى العلم التركي وشعار وحيد هو "السلطة للشعب"، وهذه رسالة ذات مغزيين، الأول أن المتظاهرين لم ينزلوا للشارع من أجل تمجيد الزعيم، والثاني أن من يقرر هو الشعب وليس الجيش أو الانقلاب.
تفهّم الشارع والقوى السياسية لحالة الطوارئ، لا يعني تفويضاً على بياض للقيادة التركية، وهذا الأمر يلمسه المراقب على نطاق واسع، ويبدو واضحاً أن الرأي العام يضع معالجة قضية الانقلاب في حجمها الطبيعي، وهناك وعي حقيقي لمخاطر أن تتحوّل إلى سلاح في يد الحكم من أجل إقامة ديكتاتورية أو تصفية الخصوم والتضييق على الحريات، ويسود إجماع واسع على ضرورة أن تتبع القيادة جانب المرونة في تعاطيها مع الجيش وحركة "الخدمة" والأطراف الدولية، كي لا تعزل تركيا نفسها داخلياً وخارجياً.
ومهما يكن من أمر، تبقى النقطة الأصعب هي إصلاح وضع الرتب المتوسطة في المؤسسة العسكرية، وهناك من يؤكد أن حركة "الخدمة" قد تغلغلت على نحو مدروس في هذا القطاع منذ سنوات، حتى صار لها تنظيمها الخاص داخل الجيش، الذي يستعصي تفكيكه بين عشية وضحاها. ويقول خبير تركي على اطلاع واسع، إن حل مشكلة الرتب العليا في الجيش أمر ليس معقداً كما هو حال الرتب من عقيد وما هو أدنى، لأن أعداد الجنرالات محدودة من جهة ويسهل التعرف على ميول هؤلاء، على عكس الرتب المتوسطة التي تتحكم بالجملة العصبية للمؤسسة العسكرية. وهذا أمر برز خلال مجريات الانقلاب، حيث تلقى جنرالات كبار أوامر عسكرية من رتب أدنى مثل عميد.
حركة "الخدمة" جزء من المجتمع التركي وجذورها ضاربة في البنى الثقافية والاقتصادية، وهي تُعدّ لنسبة لا يستهان بها من الأتراك مرجعية لا غنى عنها، وعلى الرغم من أن الطلاق حصل عام 2013 بين أردوغان وفتح الله غولن، فإن حركة "الخدمة" لم تصبح في عيون أنصارها قوة تآمر. ويجد أردوغان نفسه اليوم أمام اختبار مواجهة مفتوحة مع "الخدمة"، ومن غير المضمون أن النتيجة ستكون محسومة لصالحه، وهناك من أنصار حركة "الخدمة" من يجاهر برأيه ليطالب بأن تتم معالجة الأمر على أساس خلاف الرأي، بعيداً عن وضع "الخدمة" في خانة التآمر والتخوين والطوارئ.
اقــرأ أيضاً
وحسب أوساط تركية، فإن النقطة الحساسة هي عدم النظر إلى قضية إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية من جانب تقني فقط، بل من منظور تاريخي يراعي عملية الانتقال الكبير الذي شهدته تركيا على المستويين السياسي والاقتصادي في العقدين الأخيرين. ويضاف إلى ذلك أن هذه العملية في جوهرها سياسية، جانب منها ينحصر في إطار تقليص دور الجيش الذي بدأ بطلب من أوروبا ضمن دفتر شروط الانضمام للاتحاد الأوروبي، بينما يتناول الجانب الثاني القاعدة التي جرى العمل بها سابقاً على أساس أن الجيش حامي الديمقراطية والعلمانية، الأمر الذي أطلق يد المؤسسة العسكرية ومنحها دوراً لا يقع في صلب صلاحياتها.
المهمة الثانية هي أنه كلما جرى التسريع في إنجاز مهمة إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية، تم تقصير مهلة الطوارئ التي تلقى معارضة وعدم ارتياح حتى من أوساط الشارع المؤيد لحزب "العدالة والتنمية". وأوضح المصدر التركي أن القيادة تعمل على أن تكون الفترة الانتقالية لمدة ثلاثة أشهر فقط، وتعود البلاد إلى وضعها الطبيعي، بعد أن تتم محاسبة المتورطين في الانقلاب الفاشل. ويُلاحظ هنا أن اليوم الأول من تطبيق حالة الطوارئ اتسم بفرز سريع للموقوفين بعد الانقلاب وجرى الإفراج عن أعداد كبيرة، في وقت تم إيقاف آخرين.
رفض الانقلاب ومعارضة حالة الطوارئ، معادلة يجدها الكثيرون مناسِبة في تركيا اليوم، وستكون مظلة لتظاهرة حزب "الشعب الجمهوري" التي ستجري اليوم الأحد في إسطنبول، كأول نزول منظّم للمعارضة إلى الشارع منذ الانقلاب. جرى الإعلان عن التظاهرة بعد جلسة البرلمان يوم الخميس، التي أقرت حالة الطوارئ بـ346 صوتاً من بين 461 نائباً حضروا الجلسة من إجمالي أعضاء المجلس البالغ عددهم 550، ما يعني أن 115 نائباً صوّتوا ضدها، أغلبهم من "الشعب الجمهوري" وحزب "الشعوب الديمقراطي".
كثيرون يعولون على إنجاح المعادلة طالما أنه يجري النظر إلى حالة الطوارئ من زاوية إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية، وليس من باب التضييق على الحريات، وهذا الأمر يبدو ملحوظاً في الشارع التركي ولدى الأوساط السياسية التي تتعاطى مع الطوارئ من دون حساسيات أو خلفيات. صحيح أن الوقت مبكر لإصدار أحكام على مجرى عمليات الطوارئ، إلا أن الجو العام لا يوحي أن البلاد مقدمة على مرحلة من التشدد، لأن السير في هذا الطريق لا يصب في مصلحة أحد، سواء الدولة أو الأحزاب أو المجتمع.
تظاهرة اليوم ستكون الأولى من جانب المعارضة وستكون على درجة كبيرة من الحساسية ومقياساً لجميع الأطراف، في وقت لم تتوقف فيه التظاهرات التي دعا إليها أردوغان، وبلغت ذروتها ليل الجمعة بمناسبة مرور أسبوع على الانقلاب، حيث عاشت شوارع المدن الأساسية تجمّعات كبرى استمرت حتى ساعات الفجر.
وقد لعب أردوغان حتى اليوم ورقة الشارع بذكاء شديد، حيث استنفر أنصاره وأبقاهم في حالة اليقظة التامة، في الوقت الذي تواصل فيه الأجهزة استكمال عملية التطهير لأنصار الانقلاب. إلا ان الملاحظة الأساسية هي أن التظاهرات التي تملأ الشوارع منذ أسبوع، لم ترفع سوى العلم التركي وشعار وحيد هو "السلطة للشعب"، وهذه رسالة ذات مغزيين، الأول أن المتظاهرين لم ينزلوا للشارع من أجل تمجيد الزعيم، والثاني أن من يقرر هو الشعب وليس الجيش أو الانقلاب.
تفهّم الشارع والقوى السياسية لحالة الطوارئ، لا يعني تفويضاً على بياض للقيادة التركية، وهذا الأمر يلمسه المراقب على نطاق واسع، ويبدو واضحاً أن الرأي العام يضع معالجة قضية الانقلاب في حجمها الطبيعي، وهناك وعي حقيقي لمخاطر أن تتحوّل إلى سلاح في يد الحكم من أجل إقامة ديكتاتورية أو تصفية الخصوم والتضييق على الحريات، ويسود إجماع واسع على ضرورة أن تتبع القيادة جانب المرونة في تعاطيها مع الجيش وحركة "الخدمة" والأطراف الدولية، كي لا تعزل تركيا نفسها داخلياً وخارجياً.
حركة "الخدمة" جزء من المجتمع التركي وجذورها ضاربة في البنى الثقافية والاقتصادية، وهي تُعدّ لنسبة لا يستهان بها من الأتراك مرجعية لا غنى عنها، وعلى الرغم من أن الطلاق حصل عام 2013 بين أردوغان وفتح الله غولن، فإن حركة "الخدمة" لم تصبح في عيون أنصارها قوة تآمر. ويجد أردوغان نفسه اليوم أمام اختبار مواجهة مفتوحة مع "الخدمة"، ومن غير المضمون أن النتيجة ستكون محسومة لصالحه، وهناك من أنصار حركة "الخدمة" من يجاهر برأيه ليطالب بأن تتم معالجة الأمر على أساس خلاف الرأي، بعيداً عن وضع "الخدمة" في خانة التآمر والتخوين والطوارئ.