الجزائر في مواجهة تحالف تنظيمات "القاعدة"

04 مارس 2017
قيادات التنظيمات المسلحة خلال الإعلان عن الإندماج (العربي الجديد)
+ الخط -

تجددت الهواجس الأمنية في الجزائر بعد إعلان تنظيمات مسلحة، تنشط في شمال مالي والصحراء القريبة من الحدود مع الجزائر، إنشاء تنظيم مسلح موحد باسم "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، موالٍ لتنظيم "القاعدة"، و"القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي". ويشكل تنظيم "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" الجديد في منطقة الساحل تحدياً أمنياً جديداً بالنسبة إلى الجزائر، وتأكيداً لمخاوف القيادات العسكرية والأمنية في البلد، والتقارير التي تحدثت عن استمرار التهديدات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء. وتتزايد هذه المخاوف بعد إعلان تنظيمات كتيبة "المرابطون" و"أنصار الدين" وفرعها "كتائب ماسينا"، و"كتيبة الصحراء"، التابعة إلى تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، الاندماج في تنظيم موحد، بعد سلسلة من المشاورات كانت قد أعلنت عنها "مؤسسة الأندلس" التابعة إلى "قاعدة المغرب".

ويمسك التنظيم المسلح الجديد بمنطقة جغرافية هشة، خصوصاً في مناطق شمال مالي والنيجر القريبة من الجزائر، وهو القرب الجغرافي الذي أتاح لتنظيمات مسلحة شن هجمات داخل الجزائر. وتعد كتيبة "المرابطون"، التي تتمركز في منطقة غاو شمال مالي، أكثر التنظيمات دموية، إذ قامت بسلسلة عمليات، أبرزها اقتحام منشأة الغاز "تيقنتورين" في ولاية أليزي جنوبي الجزائر في يناير/كانون الثاني 2013، وخطف دبلوماسيين جزائريين من غاو شمال مالي. وتنشط "كتيبة إمارة الصحراء"، التابعة إلى "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، على تخوم الحدود بين النيجر ومالي مع الجزائر، ونفذت عدة عمليات، كان أبرزها خطف 33 سائحاً ألمانياً في الصحراء الجزائرية عام 2003. وتتمركز جماعة "أنصار الدين" في منطقة شمال مالي، وكانت بين أبرز التنظيمات التي استولت على هذه المناطق في مارس/آذار 2012، فيما تنشط "كتائب ماسينا"، الموالية إلى "أنصار الدين" في منطقة الفلان وسط مالي، ونفذت عدة عمليات ضد الجيش المالي والقوات الفرنسية.

وقررت التنظيمات تزكية زعيم "أنصار الدين" إياد أغ غالي "أميراً" على التنظيم الجديد. وغالي هو زعيم قبلي، وكان سفيراً لمالي في الرياض بعد توقيع اتفاقية السلام بين الحكومة المالية المركزية وحركات الطوارق المسلحة بين العامين 1996 و2011، قبل أن يعود إلى شمال مالي ليؤسس حركة دينية. وفي مارس 2012، شاركت الحركة في الاستيلاء على مناطق غاو وتمبكتو في شمال مالي. وشارك غالي، الذي تصنفه واشنطن وحركته ضمن التنظيمات الإرهابية، في مفاوضات السلام المالية التي احتضنتها الجزائر، لكنه تحول إلى النشاط المسلح. وفي التسجيل المصور، ظهر إياد أغ غالي محاطاً بقيادات من التنظيمات المسلحة المشاركة في التنظيم الموحد، وهم "أمير إمارة الصحراء" في تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، الجزائري يحيى أبو الهمام، و"قاضي إمارة منطقة الصحراء"، عبد الرحمن الصهناجي، و"أمير كتائب ماسينا"، محمد كوفا، ونائب "أمير كتيبة المرابطين"، الحسن الأنصاري. وقال غالي إن "اندماج التنظيمات الثلاثة جاء لمحاربة الصليبي المحتل". وجدد باسم التنظيم الجديد مبايعته زعيم "القاعدة" أيمن الظواهري، وزعيم "قاعدة المغرب الإسلامي" أبو مصعب عبد الودود، و"أمير حركة طالبان أفغانستان"، الملا هيبة الله.


ولم يرد في التسجيل ما يشير إلى إمكانية أن يتوجه التنظيم لخوض حرب ضد أهداف جزائرية، لكن إعلانه مبايعة زعيم "قاعدة المغرب الإسلامي"، التي تقاتل الجيش الجزائري في عدة مناطق، خصوصاً محور تيزي أوزو وبومرداس والبويرة شرقي العاصمة الجزائرية، لا يدع مجالاً للشك في ذلك، برغم العلاقات السابقة التي كانت بين السلطات الجزائرية وزعيم التنظيم المسلح الجديد، إياد أغ غالي. وكانت الجزائر قد حاولت استدراجه وإشراكه في مسار السلام في شمال مالي، برغم التحفظات الإقليمية والدولية على التنظيم المصنف بأنه إرهابي.

ويقدر مراقبون متابعون للشأن الأمني أن العلاقات السابقة بين السلطات الجزائرية وغالي، قبل تحوله الكامل للنشاط الإرهابي، قد لا تكون كافية بالنسبة له لكبح توجه التنظيم الجديد نحو استهداف الجزائر، خصوصاً وأن التنظيمات المسلحة تحاول بداية تنفيذ عمليات استعراضية تثبت بها وجودها الميداني وتكرس حضورها. ويبدو أن أكثر ما يمكن أن يحققه استهداف الجزائر هو تحقيق صدى إعلامي بالنسبة لهذه التنظيمات لا أكثر، وهو ما يفسر إدراك القيادة العسكرية الجزائرية تكتيكات التنظيمات المسلحة، وإقدامها، منذ فترة، على وضع استراتيجية قتالية وتركيز عسكري وأمني مشدد على الحدود الجنوبية القريبة من مالي والنيجر، حيث تتواجد التنظيمات المسلحة، لمنع أي تسلل أو نشاط إرهابي، منذ اختراق المسلحين الحدود وتنفيذ الهجوم الدامي على منشأة الغاز في تيقنتورين بولاية أليزي.

وتشير التقديرات الأمنية إلى أن توحد التنظيمات الارهابية في تنظيم "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، يستهدف بالأساس منع تواجد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في المنطقة، بعد محاولة التنظيم الارتكاز على تنظيم "بوكو حرام" للتمدد من غرب أفريقيا حتى منطقة الساحل من جهة، وإعادة بعث النشاط الإرهابي من جهة ثانية، بعد فترة نجحت فيها قوات النيجر ومالي، بدعم فرنسي مباشر، من ردع التنظيمات الإرهابية من جهة، ونجاح الجزائر في شل نشاط المجموعات الإرهابية وتفكيك سلسلة من الخلايا، التي تدعمها بالسلاح، في منطقة الجنوب والصحراء، بالإضافة إلى كشف عشرات مخابئ الأسلحة في المناطق الحدودية، لكنه بالتأكيد سيدفع القيادات العسكرية والأمنية الجزائرية إلى وضع خطة جديدة تتضمن إدخال المعطيات الجديدة في خريطة التنظيمات المسلحة في المنطقة.