بعد بروز توجه مصري لتأجيل بت قضية جزيرتي تيران وصنافير، إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية المرتقبة في العام المقبل، يجري الحديث اليوم عن تعهد النظام المصري للإدارة الأميركية، التي تتابع الملف مع القادة المصريين والسعوديين، بحتمية تسليم الجزيرتين إلى السعودية. وأكد مصدر دبلوماسي مصري لـ"العربي الجديد"، أن وزارة الخارجية المصرية أبلغت نظيرتها الأميركية في مراسلات رسمية تم تحريرها في شهر إبريل/ نيسان الماضي، بأن الحكومة المصرية لن تتراجع عن تسليم جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية، وأن ترتيبات المهام الأمنية بين مصر وإسرائيل والسعودية والقوات الدولية حول جزيرة تيران "نهائية ولن يجري تعديل عليها".
وشهدت الأيام الماضية تصريحات متضاربة من نواب البرلمان المصري حول قرب مناقشة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية والموافقة نهائياً على نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير، فيما طلب البرلمان من وزارتي العدل والخارجية مستندات جديدة لإثبات سعودية الجزيرتين وتفاصيل المراسلات الدبلوماسية المصرية - السعودية حولهما في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، قبيل تعيين نقاط الأساس للحدود البحرية المصرية، والتي تعتبرها القاهرة والرياض حالياً أساساً لإثبات سعودية الجزيرتين.
وتثير الاتفاقية خلافاً حاداً في البرلمان المختص بإقرارها وفقاً للدستور، ما بين مؤيد لها ومعارض من حيث المبدأ باعتبار جزيرتي تيران وصنافير جزءاً من أرض مصر ولا يجوز التنازل عنها بأي صورة، وبين فريق ثالث يميل إلى إجراء استفتاء شعبي على موضوع التنازل باعتباره متعلقاً بحق سيادي.
وتؤكد الحكومة المصرية في مذكراتها التي أرسلت للبرلمان في 29 ديسمبر/ كانون الأول الماضي (أي قبل صدور حكم بات ببطلان التنازل عن الجزيرتين بنحو 3 أسابيع)، أن الجزيرتين كانتا عهدة في يد مصر منذ احتلال القوات البحرية المصرية لهما في يناير/ كانون الثاني 1950 لدعم المركز العسكري والاستراتيجي للعرب ضد إسرائيل، وإغلاق خليج العقبة بعدما احتلت إسرائيل مدينة أم الرشراش وحولتها إلى ميناء إيلات في مارس/ آذار 1949 في نهاية حرب فلسطين.
وكشفت مستندات نشرتها الحكومة المصرية وقت توقيع الاتفاقية كدليل على سعودية الجزيرتين، عن أن مبارك طلب وساطة الرئيس السوداني الأسبق، جعفر نميري، مع العاهل السعودي الراحل الملك خالد بن عبدالعزيز، لإقناعه بعدم إثارة موضوع استعادة السعودية للجزيرتين حتى إتمام الانسحاب الإسرائيلي من سيناء.
وكانت "العربي الجديد" كشفت في 10 يناير/ كانون الثاني الماضي، عن تفاصيل مراسلات خطية بين مصر وإسرائيل حول تنسيق المهام الأمنية ونقل الجزيرتين للسعودية، تم اختتامها بخطاب من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى وزير الخارجية المصري، سامح شكري، مؤرخ في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2016، أكد فيه أن إسرائيل لا تمانع تسليم الجزيرتين إلى السعودية، وأنها تقر بما حملته الخرائط المصرية من تقسيم للمناطق وبخطة الانتشار الأمني المرتقب تنفيذها ومشروع جسر الملك سلمان، والسماح للسفن الإسرائيلية بالعبور من مضيق تيران وصولاً أو خروجاً من ميناء إيلات. واختتم الرسالة بأن "هذه الإجراءات لا تمثل انتهاكاً لاتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية"، وفق تعبير نتنياهو.
وكانت مصادر برلمانية قريبة من دوائر اتخاذ القرار في مصر، كشفت لـ"العربي الجديد"، في وقت سابق، عن تقدّم عدد من المقرّبين لمؤسسة الرئاسة باقتراح لإرجاء تمرير اتفاقية "تيران وصنافير" وعدم الموافقة على الاتفاقية خلال الفترة القريبة المقبلة. وأشارت المصادر لـ"العربي الجديد"، إلى أن "هذه الاتصالات التي تمّت مع مؤسسة الرئاسة حذّرت من زيادة الشرخ في العلاقة بين السيسي والشعب المصري بسبب تمرير هذه الاتفاقية دون تمهيد كافٍ". وأضافت أن "الرؤية المطروحة طالبت بالهدوء في التعامل مع الأزمة وعدم الاستجابة الكاملة لضغوط السعودية في سبيل الإسراع بتنفيذ الاتفاقية، لما له من عواقب سلبية على النظام الحالي". وأوضحت أن "البرلمان عليه انتظار فصل المحكمة الدستورية العليا في حكمي المحكمة الإدارية العليا ومحكمة الأمور المستعجلة والبت في صحة أي منهما، وإذا تم الحكم بعدم دستورية نظر مجلس الدولة هذه الاتفاقية لأنها من أعمال السيادة، فإن ذلك سيسهّل تمرير الاتفاقية من دون أزمات"، وفق تعبير المصادر.
وقلّلت المصادر من أهمية الأخبار المتداولة حول وجود نية في تمرير اتفاقية "تيران وصنافير" خلال شهر رمضان الحالي، استغلالاً لظروف الشهر وصعوبة التظاهر خلاله في ظل حالة الطوارئ. وقضى الاقتراح بـ"عدم تمرير الاتفاقية بشكل رسمي، إلا عقب انتخابات الرئاسة المقبلة حتى لا تؤثر على شعبية السيسي بشكل أسوأ خلال الفترة المقبلة". ولمّح السيسي إلى الترشح لانتخابات الرئاسة المقبلة في عام 2018، مرات عدة، سواء خلال المؤتمر الشبابي في الإسماعيلية أو في الحوار مع رؤساء تحرير الصحف المحلية.