ويتنافس في الانتخابات المبكرة الحزبان التقليديان، حزب المحافظين، بزعامة تيريزا ماي، وحزب العمال اليساري بزعامة جيرمي كوربين. وعلى هامشهما يُشارك في المنافسة أحزاب "الليبرالي الديمقراطي"، و"الاستقلال" اليميني، و"القومي الاسكتلندي"، وأحزاب أخرى في إقليمي ويلز وإيرلندا الشمالية أقل تأثيراً في الحياة السياسية البريطانية.
وإذا صدقت استطلاعات الرأي التي أشارت إلى تراجع الفارق بين حزب المحافظين، وحزب العمال المعارض الى نقطة واحدة فقط، فإن رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، "صارت من الماضي"، وهذا أمر سيئ للمتشددين من أنصار "بريكست"، كما تقول الكاتبة في صحيفة "ذي إندبندنت"، ماري ديجيفسكي. ووفقاً لديجيفسكي فشل ماي في زيادة أغلبية المحافظين في البرلمان المقبل، يعني أنها ستكون في موقف يصعب الدفاع بعده عنها، كزعيمة للحزب، وكرئيسة لحكومة سيكون عليها خوض مفاوضات صعبة مع الاتحاد الأوروبي.
ويبدو أن استطلاعات الرأي الأخيرة تشير بالفعل الى المأزق الذي قد تواجهه ماي بعد تصويت الناخبين يوم غد الخميس، مع تراجع الفارق بين حزب المحافظين، وحزب العمال المعارض إلى نقطة واحدة فقط. فقد أظهرت آخر استطلاعات الرأي حصول المحافظين على 41.5 في المائة، مقابل حصول العمال على 40.4 في المائة، بعد أن كان الفارق بينهما 17 نقطة حسب استطلاعات للرأي أجريت مطلع الشهر الماضي. كما توقعت مؤسسة "يوغوف" لاستطلاعات الرأي الاثنين الماضي أن يحصد حزب المحافظين بزعامة تيريزا ماي 305 مقاعد، ما سيحرمه من الفوز بالأغلبية في المجلس بفارق 21 مقعداً، وبخسارة 25 مقعداً من أصل 330 كان يسيطر عليها في البرلمان الماضي.
ويُرجع مراقبون تراجع حظوظ فوز المحافظين بأغلبية مقاعد مجلس النواب المكون من 650 مقعداً، وتقلص الفارق بين حزبي العمال المعارض والمحافظين الحاكم، إلى مجموعة عوامل من أبرزها، العامل الأمني، ولا سيما مع تعرض بريطانيا الى ثلاثة اعتداءات إرهابية منذ مارس/ آذار الماضي، وتركيز حزب العمال المعارض على سجل ماي عندما كانت وزيرة للداخلية، ودورها في تقليص عديد وميزانية أجهزة الشرطة، وربط ذلك بالخروق الأمنية التي أدت الى هجمات لندن ومانشستر. ويُضاف إلى ذلك نجاح حزب العمال بالتركيز على الملفات الأكثر أهمية بالنسبة للشرائح الأعرض من الناخبين، بما في ذلك ملفات "بريكست" والخدمات العامة والتعليم، مع إبراز فشل حزب المحافظين الحاكم منذ عام 2010 في إيجاد حلول مناسبة للمشاكل التي تعاني منها قطاعات الصحة والتعليم والضمان الاجتماعي.
ماي سقطت أمنياً
على الرغم من أن "بريكست" كان السبب الأساسي لدعوة تيرزا ماي إلى انتخابات مبكرة، ومع أن ملف المفاوضات مع الاتحاد الأوربي كان على رأس الحملات الانتخابية، إلا أن موجه الاعتداءات الإرهابية التي ضربت المدن البريطانية منذ مارس / آذار الماضي، قلبت المعادلات إذ تقدم ملف الأمن ومواجهة الإرهاب المشهد، وحلّ فشل تيريزا ماي في التصدي للإرهاب منذ كانت وزيرة للداخلية وحتى اللحظة، محل التبشير بفشلها في إدارة مفاوضات "بريكست". فبعد هجومي مانشستر الشهر الماضي وهجوم لندن السبت الماضي، ركزت الحملات الانتخابية لخصوم وزيرة الداخلية السابقة، على دورها في خفض أعداد رجال الشرطة في إنكلترا وويلز بنحو 20 ألف شرطي خلال ست سنوات شغلت فيها ماي منصب وزير الداخلية في الفترة من 2010 إلى 2016.
وقالت صحيفة "ذي غارديان" إن قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب باتت على رأس اهتمامات الناخبين، بعد الاعتداءين الإرهابيين اللذين استهدفا المدنيين في مدينتي مانشستر ولندن. وأشارت الصحيفة إلى أن البحوث التي أجرتها، كشفت أن الاعتداءات الإرهابية دفعت الكثير من المترددين بالإدلاء بأصواتهم إلى اتخاذ القرار بالمشاركة، مع الإشارة الى أن أهم القضايا التي سوف تؤثر على تصويتهم هي الأمن. ونقلت الصحيفة عن بعض من استطلعت آراءهم قولهم إن "الأمن والإرهاب هما الآن أهم قضيتين ستحددان الكيفية التي سيتم بها التصويت يوم غد الخميس".
وأدرك حزب العمال المعارض، وخصوم ماي الآخرون، التحولات الطارئة في توجهات الناخبين، فسارع زعيم الحزب، جيرمي كوربين الى مهاجمة ماي، التي كانت وراء قرار تقليص عديد جهاز الشرطة، عندما كانت وزيرة للداخلية منذ عام 2010، قبل أن تصبح رئيسة للوزراء في يوليو / تموز الماضي. كما ركز خصوم ماي على فشل استراتيجيتها الأمنية التي وضعتها في عام 2011 لمعالجة التطرف، بحيث لم تمنع توجه المئات من البريطانيين الى جبهات القتال في سورية والعراق وليبيا الى جانب الجماعات الإرهابية، كما لم تحمِ بريطانيا من الإرهاب الذي ضرب العاصمة لندن، ومدينة مانشستر ثلاث مرات في غضون ثلاثة أشهر. وقد وصل هجوم كوربين على ماي أقصاه يوم الاثنين، عندما طالبها بالاستقالة بسبب خفضها عدد أفراد جهاز الشرطة خلال توليها منصب وزيرة الداخلية من 2010 إلى 2016. ورداً على أسئلة تلفزيون "اي تي في" عما إذا كان يساند الدعوات لاستقالة ماي بعد ثلاثة اعتداءات شهدتها البلاد خلال ثلاثة أشهر، قال زعيم حزب العمال "بالتأكيد، ما كان يجب أن نخفض عدد عناصر الشرطة".
فشل المحافظين
ما بين الحديث عن فشل ماي والمحافظين في تحقيق الأمن، وترهيب الناس من سياسات رئيسة الوزراء والمحافظين في ما يخص مفاوضات "بريكست"، كانت السجالات الانتخابية تُعرج على أهم الملفات الاقتصادية والاجتماعية. ويرى مراقبون أن حملة ماي بدأت تترنح وتتراجع منذ أعلنت أنها تنوي فرض "ضريبة الخرف" على كبار السن، بمعنى تحميل كبار السن ممن يصابون بمرض الزهايمر الجزء الأكبر من تكاليف العلاج بالخصم من رواتبهم التقاعدية، أو رواتب الضمان الاجتماعي.
وترى صحيفة "ذا غارديان" أن هناك أسباباً عدة ساهمت في تراجع شعبية حزب المحافظين، الحاكم منذ عام 2010، وفي مقدمتها سياسات التقشف، والتلويح بإمكانية إنهاء العلاقة مع الاتحاد الأوروبي "من دون اتفاق، بدلاً من قبول اتفاق غير مشرف"، والعجز عن توفير الميزانية الضرورية لإصلاح قطاع الصحة العمومية. ويُضاف إلى ذلك، فشل سياسات الحزب في تمويل الرعاية الاجتماعية، وخفض الإنفاق على المدارس، إلى جانب فشل ماي في تقدير أولوية المصالح البريطانية في العلاقات الدولية. ومن بين الأسباب الإضافية تركيز مهندسي الحملة الانتخابية لحزب المحافظين على شخصية ماي، والاستهانة بشخصية زعيم حزب العمال المعارض. وقد انقلب هذا التكتيك على صانعيه، إذ إن المقابلات الشخصية والعائلية مع ماي، وتسليط الضوء على جوانب من حياتها العائلية بهدف تقريبها من قلوب الناس، جاء بنتائج عكسية كما أشارت استطلاعات الرأي التي أعقبت مقابلة تلفزيونية أجرتها ماي وزوجها الشهر الماضي، وتحدثا فيها عن حياتهما العائلية الناجحة والمستقرة. في المقابل وجهت حملة ماي السهام نحو شخص كوربين مرددة "إنه ليس بمستوى المسؤولية"، و"أنها الوحيدة القادرة على خوض مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي بصورة ثابتة وحازمة"، بعدما صوت البريطانيون بنسبة 52 في المائة لمصلحة "بريكست" في 23 حزيران/يونيو 2016. غير أن كوربين كان "أفضل من كل التوقعات"، كما كتب الصحافي في صحيفة "تايمز" المحافظة فيليب كولينز، وتمكن من خوض معركة انتخابية أدهشت أصدقاءه، وصدمت خصومه.
خطة أمنية مُحكمة
أكدت السلطات الأمنية البريطانية أنها وضعت "خططاً أمنية قوية" لتأمين مسارات العملية الانتخابية التي ستنطلق صباح الغد، بمشاركة حوالي 30 مليون بريطاني، يصوتون في 40 ألف مركز اقتراع. وقالت السلطات البريطانية إنها وضعت منذ أسابيع خطة محكمة لتأمين الانتخابات بعد سلسلة الاعتداءات الإرهابية التي ضربت البلاد أخيراً.
إجراءات لمنع ترويج التطرف إلكترونياً
في غضون ذلك، أكدت رئيسة الوزراء، أمس الثلاثاء، أن حكومتها تنظر في اتخاذ إجراءات جديدة لمنع المواقع الإلكترونية التي تروج للتطرف إذا فشلت شركات الإنترنت في القيام بفعل للحد من هذه الظاهرة على الإنترنت. ونقلت صحيفة "ذا غارديان" في تصريح خاص عن ماي قولها إن "خيارها المفضل لمكافحة الإرهاب الذي يتكاثر على الإنترنت هو تشريعات تنظيمية متفق عليها عالمياً، ولكن إذا فشل ذلك فإنها مستعدة لأن تسير وحدها في فرض مثل هذه التشريعات التنظيمية.