بدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اليوم الاثنين، زيارة رسمية إلى مصر، هي الثانية له في عهد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ما أعطى النظام الفرصة لترويج الزيارة باعتبارها انتصاراً دبلوماسياً جديداً له، وترسيخاً لعلاقات الشراكة مع موسكو، على الرغم من تعثر ملف عودة السياحة والطيران منذ إسقاط طائرة السياحة الروسية فوق سيناء في أكتوبر/تشرين الأول 2015.
في هذا السياق، من المرجّح أن تشهد الزيارة توقيع الاتفاق النهائي لعقود المفاعل النووي المقرر إنشاؤه بمنطقة الضبعة بمحافظة مطروح شمال شرقي مصر، وذلك بعد تأجيل التوقيع 5 مرات من قبل في سبتمبر/أيلول ثم أكتوبر/تشرين الأول ثم ديسمبر/كانون الأول 2016، ثم إبريل/نيسان ومايو/أيار من العام الحالي، على الرغم من إعلان شركة "روس آتوم" القائمة على تنفيذ المشروع استعدادها الكامل للتوقيع وإنهائها جميع البنود التمهيدية المطلوبة منها وفق العقد المبدئي، فضلاً عن توقيع اتفاقية الاقتراض من وزارة المالية الروسية بقيمة 25 مليار دولار لتمويل المشروع والتي تم التصديق عليها رسمياً في 19 مايو 2016.
من جهته، رأى مصدر دبلوماسي في ديوان الخارجية المصرية، أن "زيارة بوتين تحمل مؤشرات إيجابية لمصر وتعكس اهتمام موسكو الاستثنائي بالقاهرة كلاعب رئيسي في المنطقة يمكن التعويل عليه، للاستفادة من علاقاتها الجيدة مع أطراف متخاصمة أو على الأقل مختلفة. وهذه هي السمعة التي حاول السيسي بناءها على مدار السنوات الثلاث الماضية من سلوكه موقفاً حيادياً في عدد كبير من القضايا، خصوصاً في ملفات سورية ولبنان واليمن. وهو ما أهله لأداء دور القناة الخلفية للتواصل بين روسيا والمعسكر التابع لها، بما في ذلك نظام بشار الأسد في سورية، وبين السعودية والإمارات من ناحية أخرى، وهو ما اتضح جلياً في الأزمة اللبنانية الأخيرة".
وبحسب المصدر فإن "روسيا تحاول إغراء مصر بإبرام هذا الاتفاق بصفة نهائية خلال زيارة بوتين المرتقبة، مقابل منحها مساعدات عسكرية على صعيد الطائرات المقاتلة من طرازي ميغ وكا، وفي مجال الدفاع الجوي الذي تعتبر روسيا مورده الرئيسي بالنسبة لمصر، فضلاً عن إمدادها بمساعدات لوجيستية لتطوير البنية الأمنية للمطارات المدنية والعسكرية تمهيداً لإعادة حركة الطيران والسياحة لسابق عهدها، علماً بأن السياحة الروسية كانت تمثل في عام 2015 أكثر من 50 في المائة من إجمالي حركة السياحة الأجنبية".
وبدا من تشابك الملفات أن المحادثات الثنائية والموسعة التي ستجري خلال الزيارة ستكون معقدة، بل ربما لن تحسم كل الملفات إلا من خلال اللجنة الحكومية المشتركة التي من المقرر عقدها مطلع العام المقبل، خصوصاً أن هناك عقدة رئيسية لم تحل حتى الآن متعلقة بالتحقيقات القضائية المشتركة في واقعة سقوط الطائرة. وتطالب روسيا باعتراف مصر بالتقصير الأمني وتقديم مسؤولين مباشرين عن هذا التقصير، لا سيما أن روسيا ما زالت لديها شكوك في تورط مسؤول مصري واحد على الأقل في تسهيل عملية زراعة العبوة الناسفة على متن الطائرة الروسية. وفي كلا الحالتين، سواء كانت المسؤولية تقصيرية أو جنائية، فتأكيد ذلك بتحقيقات قضائية مشتركة سيرتب على مصر دفع تعويضات ضخمة للضحايا الروس.
وفي موازاة هذا التباطؤ الذي لم ينته إلا في سبتمبر/أيلول الماضي، عقب زيارة رئيس مجلس إدارة "روس آتوم"، أليكسي ليخاتشوف، لمصر ولقائه السيسي، لم تمتنع القاهرة عن استقبال وفود التفتيش الروسية للمطارات، لكنها أبلغت موسكو بأنها ليست مستعدة لبذل المزيد من المال استجابة لشروط تراها تعجيزية، تحديداً بما يتعلق برفع الكفاءة الأمنية لبعض المطارات محدودة الاستخدام إلى مستوى الكفاءة المطبقة في مطارات القاهرة وشرم الشيخ والغردقة.
وعلى هذا، توقع مصدر حكومي أن "يبذل المسؤولون المصريون جهداً كبيراً خلال الساعات المقبلة لانتزاع قرار أو وعد صريح على الأقل من بوتين بعودة السياحة، في مقابل تدشين المفاعل النووي وإبداء مزيد من المرونة في ملف استخدام المطارات الحربية المصرية". ورجّح أن "تشهد الزيارة توقيع بروتوكول تعاون في مجال تأمين وسلامة الملاحة الجوية كانت الدولتان قد تباحثتا بشأنه قريباً".