بدأ الروس أخيراً تحركاً في منطقة شرق نهر الفرات السورية من أجل تشكيل قوات من أبناء العشائر العربية، في مسعى واضح لخلق قوة موازية لـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، التي تسيطر على أغلب هذه المنطقة، التي يشكل العرب غالبية سكانها، وتحولت إلى ميدان صراع إقليمي ودولي بسبب غناها بالثروات، وتهدف روسيا إلى تعزيز وجودها فيها لتحقيق توازن نفوذ مع الأميركيين الذين يسيطرون على جل المناطق التي تضم حقول وآبار النفط في شرقي سورية.
وأقلق التحرك الروسي المفاجئ "الإدارة الذاتية" الكردية و"قسد"، إذ تحاول موسكو تقليص دور هذه القوات التي رفضت مراراً مساعي روسيا للتقارب مع النظام، بسبب رفض الأخير الاعتراف بـ"الإدارة الذاتية"، و"قسد" التي بدأت هي الأخرى تحركاً معاكساً من أجل ثني قبائل عربية من الانسياق وراء المحاولات الروسية، التي قد تُدخل المنطقة، التي تضم عرباً وأكراداً وسرياناً، في أتون صراع أهلي.
وحث "مجلس سورية الديمقراطية" (مسد)، وهو الجناح السياسي لـ"قوات سورية الديمقراطية"، في اجتماع عقد أخيراً في القامشلي في محافظة الحسكة، العشائر العربية على عدم الاستجابة لمحاولات الروس تجنيد عدد من شبان هذه العشائر في قوة تعمل موسكو على إنشائها في شرق نهر الفرات. وقالت الرئيسة المشتركة لـ"مجلس سورية الديمقراطية" أمينة عمر، في تصريح أخيراً، إن "هناك من يسعى إلى تفكيك الوحدة الوطنية، وتخريب النسيج الاجتماعي السوري، وخصوصاً العشائر، وإشعال نيران التفرقة".
وذكرت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، أن روسيا والنظام السوري يحاولان تشكيل قوة خاصة من شبان العشائر العربية، عقب تقارب كردي كردي من خلال مفاوضات تجري بين أحزاب "الإدارة الذاتية" و"المجلس الوطني الكردي"، والتي كما يبدو قطعت شوطاً في طريق المصالحة بين الطرفين. وأشارت المصادر إلى أن وفدين من النظام وروسيا التقيا مع عدد من شيوخ العشائر العربية في محافظة الحسكة أخيراً، مؤكدة أن الجانب الروسي يسعى لتجنيد عدد من أبناء هذه العشائر لتعزيز وجوده في شمال شرقي سورية.
ونقلت المصادر عن أحد شيوخ العشائر العربية قوله إن الجانب الروسي عرض راتباً شهرياً للمتطوعين، يتراوح بما بين 400 و500 دولار أميركي، مشيرة إلى أن موسكو تعوّل على تردي الحالة الاقتصادية في سورية لجذب عدد كبير من أبناء العشائر العربية للانضمام إلى هذه القوة. وبيّنت المصادر أن الجانب الروسي أكد أن الانضمام إلى قوته يغني عن الخدمة في قوات النظام السوري، كما أن العقوبات المفروضة من قبل النظام تسقط في حال التحاق المحكوم بالقوة الروسية.
ومن الواضح أن الجانب الروسي يحاول تحقيق توازن مع الجانب الأميركي لجهة السيطرة والنفوذ في منطقة غنية بالبترول، وتُوصف بأنها "سورية المفيدة". وأشار الباحث السياسي السوري الكردي فريد سعدون إلى أن الخطوة الروسية تأتي في سياق التنافس مع الأميركيين لاستقطاب أكبر شريحة من القوى الفاعلة على الأرض في منطقة شرق الفرات. وقال، في حديث مع "العربي الجديد": لم تفلح روسيا في استمالة "قسد" إلى جانبها، فوجدت أن العشائر العربية ربما تكون البديل. وأعرب عن اعتقاده بأن الروس استغلوا ثغرة في هذا الأمر، وهو عدم جدية "الإدارة الذاتية" في دمج العشائر العربية فيها، لذا يحاولون إيجاد قوة جديدة على الأرض. وأضاف "جهات كثيرة حاولت استغلال العشائر العربية في سورية، لذا فإنه من الصعب على الجانب الروسي استمالتها في ظل عدم وجود جهات يمكن أن تضبط حركة هذه العشائر، التي استنفدت قواها خلال سنوات الحرب. فضلاً عن أن الروس ينوون إرسال قوات إلى ليبيا، وهو ما يمنع أبناء هذه العشائر من الانضمام إليهم". وأعرب عن اعتقاده بأن المحاولات الروسية "ربما تكون سبباً للفتنة وإشعال فتيل اقتتال في المنطقة"، مضيفاً "قسد لن تقف مكتوفة اليدين، ولن تقبل بوجود جيش آخر في شرق نهر الفرات، وهو ما سيؤدي إلى حرب أهلية إذا لم يتم تدارك الأمر. روسيا تعمل على أمر ربما يؤدي إلى كارثة".
وكانت "قوات سورية الديمقراطية"، التي تتلقى دعماً من التحالف الدولي، اضطرت إلى توقيع تفاهم عسكري مع الروس والنظام في أكتوبر/تشرين الأول 2019، في محاولة لمواجهة الحملة العسكرية التركية، فسح المجال لتمركز قوات روسية وأخرى تابعة للنظام في شرق الفرات. فاتخذت موسكو من هذا الأمر مدخلاً لإنشاء قواعد ونقاط تمركز في المنطقة، خصوصاً في القامشلي وعين العرب (كوباني) في ريف حلب الشمالي الشرقي، وفي ريف الرقة الشمالي.
ويشكل العرب غالبية سكان شرقي وشمال شرقي سورية (غرب الفرات وشرقه) وهم ينتمون إلى قبائل عربية تنتشر على طول نهر الفرات وفي الجزيرة السورية. وتشكل قبائل شمّر، والجبور، وطي، والبقارة، والعقيدات، والعدوان، والبوشعبان، والبوبنّا، وبني صخر (الخريشة)، وعنزة، أبرز قبائل شمال سورية وشرقها، إذ تضم كل قبيلة عشرات العشائر الكبيرة والمتوسطة والصغيرة في محافظات الرقة والحسكة ودير الزور في شرقي الفرات، إضافة إلى جزء كبير من أرياف حلب وحماة وحمص في غربه. ورغم ذلك فإن العرب في شرق الفرات وغربه غير منظمين في تشكيل عسكري واحد، حيث وقفوا، خلال سنوات الثورة، على مفترق طرق في ظل انقسام كبير في الرؤى السياسية ما بين مؤيد للنظام خوفاً من المجهول وليس لسبب آخر، أو منخرط في الحراك الثوري لتحسين واقع المنطقة الشرقية التي عانت من تهميش النظام لعقود، رغم كونها سلة غذاء سورية.
وتبين أن العرب في شرق وشمال شرق سورية باتوا موزعين ما بين تشكيلات إما مرتبطة بالأكراد أو الأميركيين أو الروس أو النظام أو إيران، أو تركيا، ومن ثم ليس هناك فصيل عسكري أو كيان سياسي يعبر عن غالبية سكان شرقي الفرات وغربه، بل هم وقود مشاريع سياسية لا تمت إليهم بصلة، بدءا من النظام مروراً بتنظيم "داعش" الذي سيطر على المنطقة لعدة سنوات وانتهاء بـ"قسد".
وعملت إيران خلال الأعوام الأخيرة على تجنيد عدد من أبناء العشائر العربية في مليشيات تابعة للحرس الثوري، لعل أبرزها اليوم "لواء الباقر"، الذي يضم عدداً من أبناء قبيلة البقارة في ريف دير الزور الشرقي، وفي مدينة حلب. كما دفعت بعدد من أبناء ريف دير الزور، ترغيباً وترهيباً، للانضمام إلى مليشيات تسيطر على جانب مهم من الشرق السوري. وفي السياق ذاته، تحاول أميركا تشكيل قوة من العشائر العربية لمساعدتها في حماية حقول النفط في المنطقة التي تمتد من رميلان مروراً بتل حميس والهول والشدادي في محافظة الحسكة، وصولاً إلى ريف دير الزور الشرقي. كما انضم عدد من أبناء القبائل العربية إلى مليشيات النظام المتعددة، بدءا من "الدفاع الوطني" وانتهاء بـ"كتائب البعث"، وسواها من المليشيات التي عملت على ترسيخ الشرخ ما بين هذه القبائل كيلا تكون قوة ضاربة في وجه النظام.
وأدرك الجانب التركي أهمية القبائل العربية في منطقة شرقي نهر الفرات، فعمل على تشكيل مجالس وفصائل منها مرتبطة مباشرة بالجيش التركي، الساعي للقضاء على "قسد" في المنطقة. وتأسس برعاية تركية أواخر العام 2018 "مجلس القبائل والعشائر السورية"، والذي يتماهى تماماً مع الرؤية التركية حيال القضية السورية، خصوصاً لجهة معاداة "وحدات حماية الشعب" الكردية التي تمثل الثقل الرئيسي لـ"قوات سورية الديمقراطية". كما تدعم أنقرة أكثر من فصيل، أغلب مسلحيه من أبناء القبائل العربية، لعل أبرزها "أحرار الشرقية"، الذي يضم مسلحين من ريف دير الزور الشرقي، وهم متهمون اليوم بارتكاب تجاوزات كبيرة في مناطق سيطرتهم في شمال وشمال شرقي سورية.