تحل الذكرى الـ53 لحرب يونيو/ حزيران 1967 مختلفة، والتي أطلق عليها العرب، بعد الهزيمة، النكسة، بعد أن كان الهدف المعلن منها "إزالة آثار العدوان" لجهة تحرير ما تم احتلاله من فلسطين التاريخية في عام 1948 وإنهاء فصول النكبة. وتأتي الذكرى الحالية فيما تستعد دولة الاحتلال الإسرائيلي، تحت قيادة بنيامين نتنياهو، للمضي نحو إنفاذ خطة دونالد ترامب - نتنياهو لتصفية القضية الفلسطينية نهائياً والعودة بها إلى مربع "حكم ذاتي"، وفرض ضم ما يوازي 30 في المائة من أراضي المنطقة "سي" في الضفة الغربية المحتلة لدولة الاحتلال، تدريجياً، على مدار أربع سنوات هي المهلة التي تمنحها خطة ترامب لنتنياهو لإجراء مفاوضات مع الطرف الفلسطيني بعد أن يقدّم الأخير تنازلات أقلها شطب حق العودة والاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لدولة الاحتلال، والاعتراف بإسرائيل دولة يهودية وبسيطرتها الأمنية الكاملة على فلسطين من نهر الأردن شرقاً وحتى شواطئ المتوسط غرباً كشرط أولي للعودة للمفاوضات. وهي شروط تترجم تعبير نتنياهو والسفير الأميركي الصهيوني لدى الاحتلال، دافيد فريدمان، أن يتوقف الفلسطينيون عن كونهم فلسطينيين أو يتحوّلوا إلى كنديين كشرط أولي للمفاوضات لتحصيل "كيان" يصر نتنياهو على أنه سيكون أقل من دولة، حتى لو وصفه ترامب بأنه دولة، وفق ما قاله نتنياهو نفسه لصحيفة "يسرائيل هيوم" الأسبوع الماضي.
وتتزامن الذكرى مع اتجاه نتنياهو، الذي كان أعلن نواياه لفرض ضم غور الأردن عشية الانتخابات النيابية في سبتمبر/ أيلول من العام الماضي، إلى الفصل بين تأييد خطة ترامب وبين الاقتراح الذي سيعرضه في يوليو/ تموز المقبل على الكنيست لإقرار فرض السيادة على المستوطنات الإسرائيلية.
وفي ظل ما تبدو معارضة من أطراف اليمين المتطرف في إسرائيل وتوقعات لمعارضة دولية، لجأ نتنياهو في الأسبوع الأخير إلى المراوغة في كل ما يتعلق بالمقترح الذي سيقدّمه للحكومة والكنيست، وهل سيكون المقترح بإعلان ضم غور الأردن ومناطق واسعة من المنطقة "سي" في الضفة الغربية، أم سيتحدث عن فرض القانون والإدارة والنظام الإسرائيلي وتطبيقه في هذه المناطق، أو الاتجاه نحو بسط السيادة الإسرائيلية، باعتبار أن لكل خطوة من هذه الخطوات تداعيات وآثاراً قانونية بموجب القانون الدولي، وأخرى داخلية في التحوّل الذي سيطرأ على المكانة الدستورية والقانونية للمستوطنات مثلاً وللأراضي الفلسطينية وبداخلها التجمّعات والبلدات الفلسطينية القائمة في غور الأردن.
وكان نتنياهو قد أكد صراحة أنه لا يعتزم منح السكان الفلسطينيين في التجمّعات السكنية في غور الأردن مساواة تامة، وأنه لن يتم ضم السكان لإسرائيل، بل سيبقى هؤلاء السكان "رعايا" تابعين لسلطة الحكم الذاتي الفلسطيني.
وبحسب مصادر شاركت في اللقاء الأخير الذي جمع أمس الأول نتنياهو وقادة بعض المستوطنات الذين يعارضون خطة ترامب، ويعتزمون إطلاق حملة إعلامية مناهضة في الولايات المتحدة للضغط على ترامب، عبر مغازلة الإنجيليين المسيحيين المؤيدين لإسرائيل، فإن نتنياهو سيبرز موافقته على خطة ترامب، لكنه سيعمل بموازاة ذلك في مسار فرض السيادة، وفق بيان صدر عن ديوان نتنياهو.
وفيما تشتغل الأوساط الأمنية والعسكرية في إسرائيل، بما في ذلك الشرطة الإسرائيلية، بالاستعداد لسيناريوهات تتوقع ردوداً غاضبة من الطرف الفلسطيني ورفض عربي، ولو إعلامياً أو شكلياً للخطة، يصر نتنياهو على استبعاد وزارة الخارجية عن ملفات مخطط الضم، كما يبدي لا مبالاة تجاه المواقف التي تعبّر عن المؤسستين الأمنية والعسكرية اللتين تحذران من تبعات خطوة الضم.
اقــرأ أيضاً
وردّ أوعز يوسي ميلمان هذا الموقف من قِبل نتنياهو، ولا سيما حفاظه على "ضبابية" حول نوع وطبيعة القرار الذي يعتزم اتخاذه، أمام وزارة الأمن وقيادة الجيش، إلى أن نتنياهو يشعر بقدر كبير من الثقة، ويسعى لتكريس ميراثه التاريخي بصفته من أسس دولة إسرائيل الكبرى. ويبدو أن هذا الدافع يلعب دوراً كبيراً في سلوك نتنياهو، الذي تكشف سياساته منذ عاد للحكم عام 2009، أنه يتّبع أسلوب المماطلة في الوقت، مقابل تكريس وقائع على الأرض تترجم فعلياً أيديولوجية اليمين الإسرائيلي التاريخية، التي اعتبرت أن للأردن ضفتين، "هذه لنا وتلك أيضاً"، على مستوى الموقف الفكري، واعتبار نهر الأردن حدوداً نهائية لدولة الاحتلال، التي يعيش فيها أيضاً فلسطينيون تحت حكم ذاتي، يتمتعون بحقوق فردية وجماعية لكن من دون حق بتقرير المصير، وهو ما حددته حكومة الاحتلال في قانون القومية اليهودية الذي شرعته في 19 يوليو/ تموز 2018.
وأسدل القانون المذكور، باعتباره قانوناً أساسياً، الستار نهائياً في إسرائيل عن أي حديث عن "حل الدولتين"، إذ جاء البند الأول من القانون: "أرض إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي، عليها قامت دولة إسرائيل. دولة إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، فيها يحقق حقه الطبيعي والثقافي والتاريخي في تقرير المصير. حق تقرير المصير القومي في دولة إسرائيل محصور على الشعب اليهودي".
وتوّج القانون عند المصادقة عليه تكريس سيطرة وهيمنة اليمين الإسرائيلي على السياسة الإسرائيلية ورسم حدود التسويات المستقبلية الممكنة (من وجهة نظر دولة الاحتلال) مع العرب والفلسطينيين على أساس هذه التعريفات في القانون، فيما جاءت خطة ترامب-نتنياهو، التي فُصّلت وفق مواقف نتنياهو، لتنقل إلى العلن وبشكل واضح هذه المواقف الإسرائيلية، وتعطي الشرعية والدعم الأميركيين لدولة الاحتلال، كما تجلّى في التصريحات المكررة أخيراً على لسان كل من وزير الخارجية مايك بومبيو، والسفير الأميركي لدى دولة الاحتلال، بأن قرار الضم هو في نهاية المطاف قرار إسرائيلي.
بين نكسة يونيو 1967 وصفقة ترامب-نتنياهو، قطع العرب والفلسطينيون شوطاً طويلاً وملتوياً من قرارات الخرطوم في سبتمبر/ أيلول من العام نفسه: لا صلح لا مفاوضات لا اعتراف بإسرائيل، مروراً بمقررات الرباط والاعتراف بوحدانية التمثيل لمنظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، منتقلين من شعار التحرير وإزالة آثار العدوان، مروراً بموقف مؤيد لشعار إقامة دولة فلسطينية على كل قطعة أرض يتم تحريرها وحتى القبول بدولة أريحا غزة، واتفاق أوسلو الذي جاء وبالاً على القضية الفلسطينية بعد أن كرّس اعترافاً بإسرائيل، وشرّع الصلح المنفرد الذي أبرمته مصر أنور السادات في كامب ديفيد ومهّد لمعاهدة السلام مع الأردن. وفي الطريق بين هذه المحطات انتقل العرب من التطبيع السري إلى العلني، وصولاً إلى ميل أنظمة عربية إلى القبول بكل الرواية الإسرائيلية، ومنهج الحركة الصهيونية في الاتفاقيات المنفردة، لتسقط شعارات تاريخية: "الوحدة العربية الطريق لتحرير فلسطين" وفي المقابل تحرير فلسطين الطريق إلى الوحدة العربية، بعد أن كرّست المبادرة العربية في بيروت، التطبيع كجزء من كل حل في حال التوصل لمعاهدة سلام وإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي ككل وإقامة دولة فلسطينية.
في المقابل قطعت إسرائيل، بعد حرب يونيو 1967، شوطاً في الاتجاه الآخر، من استجداء اعتراف العرب بوجودها، إلى اشتراط الاعتراف بحقها في الوجود، ثم أخيراً المطالبة بالاعتراف بحقها في الوجود دولة يهودية صاحبة السيادة المطلقة بين النهر والبحر، مع كيان فلسطيني لا يتجاوز كونه حكماً ذاتياً موسعاً في أحسن الحالات، وكيان وصاية يحفظ أمن إسرائيل.
في موازاة ذلك، خطا الاحتلال خطوة أخرى لفرض السيادة على هضبة الجولان المحتل، وقلب معادلات الصراع في حرب على الوعي تدعي "تراجع مكانة القضية الفلسطينية"، كعامل أساسي وسبب للصراع مع دولة الاحتلال، والادعاء بتوقّف كونها القضية المركزية، وأنه يمكن حلها بعد حل القضايا العالقة مع باقي الدول العربية عبر مبادرة سلام إقليمية تكون مدخلاً لحل القضية الفلسطينية.
بين نكسة يونيو وصفقة ترامب - نتنياهو، اتجه العرب نحو استجداء المصالحة مع إسرائيل التي كانت تستجدي مجرد الاعتراف بها، وتنكّروا للاءات الخرطوم: لا صلح، لا مفاوضات، لا اعتراف بإسرائيل، ففاوضوا واعترفوا وصالحوا، فيما امتد الاحتلال ليطاول كل فلسطين.
وتتزامن الذكرى مع اتجاه نتنياهو، الذي كان أعلن نواياه لفرض ضم غور الأردن عشية الانتخابات النيابية في سبتمبر/ أيلول من العام الماضي، إلى الفصل بين تأييد خطة ترامب وبين الاقتراح الذي سيعرضه في يوليو/ تموز المقبل على الكنيست لإقرار فرض السيادة على المستوطنات الإسرائيلية.
وكان نتنياهو قد أكد صراحة أنه لا يعتزم منح السكان الفلسطينيين في التجمّعات السكنية في غور الأردن مساواة تامة، وأنه لن يتم ضم السكان لإسرائيل، بل سيبقى هؤلاء السكان "رعايا" تابعين لسلطة الحكم الذاتي الفلسطيني.
وبحسب مصادر شاركت في اللقاء الأخير الذي جمع أمس الأول نتنياهو وقادة بعض المستوطنات الذين يعارضون خطة ترامب، ويعتزمون إطلاق حملة إعلامية مناهضة في الولايات المتحدة للضغط على ترامب، عبر مغازلة الإنجيليين المسيحيين المؤيدين لإسرائيل، فإن نتنياهو سيبرز موافقته على خطة ترامب، لكنه سيعمل بموازاة ذلك في مسار فرض السيادة، وفق بيان صدر عن ديوان نتنياهو.
وفيما تشتغل الأوساط الأمنية والعسكرية في إسرائيل، بما في ذلك الشرطة الإسرائيلية، بالاستعداد لسيناريوهات تتوقع ردوداً غاضبة من الطرف الفلسطيني ورفض عربي، ولو إعلامياً أو شكلياً للخطة، يصر نتنياهو على استبعاد وزارة الخارجية عن ملفات مخطط الضم، كما يبدي لا مبالاة تجاه المواقف التي تعبّر عن المؤسستين الأمنية والعسكرية اللتين تحذران من تبعات خطوة الضم.
وردّ أوعز يوسي ميلمان هذا الموقف من قِبل نتنياهو، ولا سيما حفاظه على "ضبابية" حول نوع وطبيعة القرار الذي يعتزم اتخاذه، أمام وزارة الأمن وقيادة الجيش، إلى أن نتنياهو يشعر بقدر كبير من الثقة، ويسعى لتكريس ميراثه التاريخي بصفته من أسس دولة إسرائيل الكبرى. ويبدو أن هذا الدافع يلعب دوراً كبيراً في سلوك نتنياهو، الذي تكشف سياساته منذ عاد للحكم عام 2009، أنه يتّبع أسلوب المماطلة في الوقت، مقابل تكريس وقائع على الأرض تترجم فعلياً أيديولوجية اليمين الإسرائيلي التاريخية، التي اعتبرت أن للأردن ضفتين، "هذه لنا وتلك أيضاً"، على مستوى الموقف الفكري، واعتبار نهر الأردن حدوداً نهائية لدولة الاحتلال، التي يعيش فيها أيضاً فلسطينيون تحت حكم ذاتي، يتمتعون بحقوق فردية وجماعية لكن من دون حق بتقرير المصير، وهو ما حددته حكومة الاحتلال في قانون القومية اليهودية الذي شرعته في 19 يوليو/ تموز 2018.
وأسدل القانون المذكور، باعتباره قانوناً أساسياً، الستار نهائياً في إسرائيل عن أي حديث عن "حل الدولتين"، إذ جاء البند الأول من القانون: "أرض إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي، عليها قامت دولة إسرائيل. دولة إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، فيها يحقق حقه الطبيعي والثقافي والتاريخي في تقرير المصير. حق تقرير المصير القومي في دولة إسرائيل محصور على الشعب اليهودي".
وتوّج القانون عند المصادقة عليه تكريس سيطرة وهيمنة اليمين الإسرائيلي على السياسة الإسرائيلية ورسم حدود التسويات المستقبلية الممكنة (من وجهة نظر دولة الاحتلال) مع العرب والفلسطينيين على أساس هذه التعريفات في القانون، فيما جاءت خطة ترامب-نتنياهو، التي فُصّلت وفق مواقف نتنياهو، لتنقل إلى العلن وبشكل واضح هذه المواقف الإسرائيلية، وتعطي الشرعية والدعم الأميركيين لدولة الاحتلال، كما تجلّى في التصريحات المكررة أخيراً على لسان كل من وزير الخارجية مايك بومبيو، والسفير الأميركي لدى دولة الاحتلال، بأن قرار الضم هو في نهاية المطاف قرار إسرائيلي.
في المقابل قطعت إسرائيل، بعد حرب يونيو 1967، شوطاً في الاتجاه الآخر، من استجداء اعتراف العرب بوجودها، إلى اشتراط الاعتراف بحقها في الوجود، ثم أخيراً المطالبة بالاعتراف بحقها في الوجود دولة يهودية صاحبة السيادة المطلقة بين النهر والبحر، مع كيان فلسطيني لا يتجاوز كونه حكماً ذاتياً موسعاً في أحسن الحالات، وكيان وصاية يحفظ أمن إسرائيل.
في موازاة ذلك، خطا الاحتلال خطوة أخرى لفرض السيادة على هضبة الجولان المحتل، وقلب معادلات الصراع في حرب على الوعي تدعي "تراجع مكانة القضية الفلسطينية"، كعامل أساسي وسبب للصراع مع دولة الاحتلال، والادعاء بتوقّف كونها القضية المركزية، وأنه يمكن حلها بعد حل القضايا العالقة مع باقي الدول العربية عبر مبادرة سلام إقليمية تكون مدخلاً لحل القضية الفلسطينية.
بين نكسة يونيو وصفقة ترامب - نتنياهو، اتجه العرب نحو استجداء المصالحة مع إسرائيل التي كانت تستجدي مجرد الاعتراف بها، وتنكّروا للاءات الخرطوم: لا صلح، لا مفاوضات، لا اعتراف بإسرائيل، ففاوضوا واعترفوا وصالحوا، فيما امتد الاحتلال ليطاول كل فلسطين.