وقالت مصادر قبلية، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الجيش المصري بدأ بوضع سلك شائك يبلغ ارتفاعه ثلاثة أمتار ونصف المتر من منطقة ساحل بحر رفح، حيث قرية ياميت المطلة على البحر، متجهاً إلى مناطق جنوب رفح، على أن يسير في اتجاه الشرق ناحية الحدود المصرية الفلسطينية، ليقتطع المناطق كافة التي جرى جرف المنازل فيها، كحي الإمام علي والبرازيل والصرصورية والماسورة والكوثر وحي الرسم والبراهمة والزعاربة، وغيرها من القرى الصغيرة".
وأضافت المصادر نفسها أن الحدود الجديدة التي يرسمها الجيش المصري تمتدّ بالتوازي مع الحدود الفاصلة بين مصر وقطاع غزة، فيما تستثني كافة القرى في جنوب رفح والتي تقع على الحدود مع الأراضي المحتلة، كالمهدية والبرث وأجزاء من قوز أبو رعد، وكذلك عدد من قرى غرب المدينة، كالوفاق والمطلة، باعتبارها خارج مساحة الخمسة كيلومترات التي قرر الجيش إنشاء المنطقة العازلة فيها قبل أربع سنوات.
وأوضحت المصادر، التي رفضت الكشف عن هويتها، أن السكان المتبقين داخل المنطقة المحددة سابقاً هم قليلون جداً، ومن الذين ينتظرون تسجيل منازلهم ضمن كشوفات التعويضات الحكومية، على أن يتركوها خلال الأيام القليلة المقبلة، لتصبح مساحة المنطقة العازلة بمسافة 5 كيلومترات داخل الأراضي المصرية، وبعرض 13 كيلومترات، وهو ذاته عرض الحدود بين قطاع غزة وسيناء.
وكان النظام المصري قد أعلن، في أكتوبر/ تشرين الأول 2014، عن إقامة منطقة عازلة بطول 13.5 كيلومتراً وعمق 500 متر على الحدود مع قطاع غزة، في أعقاب اعتداء إرهابي استهدف قوات الجيش المصري، وأسفر عن مقتل نحو 30 جندياً، قبل أن تقوم القوات الأمنية بتوسيع تلك المنطقة لتصل إلى عرض كيلومتر في ديسمبر/ كانون الأول من العام نفسه. وعقب تلك التوسعة، قامت القوات المسلحة المصرية بتوسعة ثالثة للمنطقة العازلة، لكن من دون الإعلان عن ذلك، وسط سخط عارم بين أهالي سيناء الذين تضرروا من عمليات التهجير، إلى أن وصلت إلى آخر مراحلها الحالية تحت غطاء العملية العسكرية الشاملة التي تشهدها سيناء منذ فبراير/ شباط الماضي.
في المقابل، فتحت السلطات المصرية الطريق الدولي الرابط بين مدينة رفح مروراً بمدينة الشيخ زويد، وصولاً إلى مدينة العريش، أمام حركة المسافرين الفلسطينيين من معبر رفح باتجاه مصر. مع الإشارة إلى أنّ الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أعلن للمرة الأولى منذ توليه الحكم في مصر، عن فتح معبر رفح طوال شهر رمضان أمام حركة سفر الفلسطينيين من قطاع غزة وإليه. مع العلم أن المنطقة المحيطة بمعبر رفح تقع ضمن حدود المنطقة العازلة التي يجري ترسيمها بالأسلاك الشائكة في الوقت الحالي.
من جهة أخرى، قال مصدر مسؤول في مجلس مدينة رفح، في حديث مع "العربي الجديد"، إن أحياء وقرى المدينة التي وقعت ضمن المنطقة العازلة "ستجري إحاطتها بسلك شائك ونقاط مراقبة، وإضاءة ليلية خلال الأسابيع المقبلة، لتصبح منطقة خالية من السكان بشكل كامل، ويمنع دخولها من قبل المدنيين، لتقتصر الحركة فيها على قوات الجيش المصري العاملة في المنطقة، وذلك بقرار من قيادة عمليات الجيش في سيناء، ضمن إجراءات العملية العسكرية الشاملة".
وأضاف المصدر أنّ المناطق التي تقع خارج المنطقة المحاطة بالسلك الشائك، كقرى جنوب وغرب رفح، "ستضم إدارياً إلى مدينة الشيخ زويد القريبة من رفح، إلى حين اتخاذ قرار عسكري بخصوصها"، وتوقّع أن تخضع الحركة فيها إلى إجراءات أمنية مشددة، وحصار محكم إلى حين إجبار المواطنين فيها على تركها طوعياً في مرحلة لاحقة إلى مناطق وسط سيناء، مؤكداً أن ذلك يعني أن "مدينة رفح أصبحت جزءاً من الماضي، وستختفي المعالم كافة فيها، من منازل ومزارع ومراكز حكومية ومدارس وغيرها".
وقال المسؤول إنّ القرار بإقامة السلك الشائك على حدود مدينة رفح التي جرى هدمها، "جاء بهدف منع تهريب البضائع إلى قطاع غزة، وإحكام الحصار على المجموعات الإرهابية التي كانت تتحرك في مدينة رفح خلال السنوات الماضية، عدا عن تسهيل مشاريع الدولة المستقبلية في ما يتعلق بإقامة منطقة تجارية حرة بين قطاع غزة ومصر، وتسهيل الحركة على معبر رفح في المرحلة المقبلة، في ضوء التطورات السياسية بين غزة ومصر".
يشار إلى أنّ إنشاء المنطقة العازلة في مدينة رفح بهذه المساحة، أدى إلى تدمير أكثر من 6000 منزل، وجرف آلاف الأفدنة الزراعية، وتهجير ما لا يقل عن 85 ألف نسمة من سكان المدينة، لم يتلقّ جزءٌ كبير منهم أي تعويضات مقابل تهجيرهم من منازلهم حتى هذه اللحظة. كذلك، يُلاحق عدد من سكان مدينة رفح المهجرين الذين انتقلوا إلى السكن في محافظات مصر الأخرى، بسبب حملهم بطاقة تعريف "شمال سيناء"، إذ يجري اعتقالهم بصورة دورية بدون تقديم أي تهم، خصوصاً في مدينتي العريش وبئر العبد اللتين لجأ إليهما عدد كبير من الأسر المصرية التي كانت تقطن في مدينة رفح.
من جهته، قال باحث في شؤون سيناء، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "ما يجري على الأرض مخالف لما تتحدث به القيادة السياسية والعسكرية في مصر ويؤكّد ما جرى التحذير منه على مدار السنوات الماضية، بأن النظام المصري يسعى إلى إحداث تغيير في المشهد على الأرض، من خلال تهجير السكان المصريين، وجعل الأرض المصرية مسرحاً لتطبيق صفقات مشبوهة تتعلق بالقضية الفلسطينية، على حساب الإنسان والأرض المصرية". واعتبر أن "هذا ما يؤكده أيضاً الإجراء الأخير في مدينة رفح، بعزلها عن بقية مناطق محافظة شمال سيناء، وهو الأمر الذي لم يحصل مسبقاً في تاريخ مصر".
وأضاف الباحث، الذي رفض الكشف عن اسمه، أن "ما كان يجري في رفح منذ عام 2014 ليس منطقة عازلة، بل مشروع لعزل المدينة بأكملها عن سيناء، تحضيراً لشيء ما سيجري على هذه الأرض في مرحلة لاحقة"، مشيراً إلى أن "ترك بعض المناطق من رفح غير المتاخمة لحدود غزة بدون تهجير، يؤكد ما سبق، وشماعات الإرهاب والتهريب ما عادت تصلح لتجميل ما تقوم به قوات الجيش، والتستر على المخطط الذي يجري تنفيذه بشكل متسارع على الأرض، ما يضع علامات استفهام أخرى حول مسببات العملية العسكرية الشاملة، غير تلك المتعلقة بالقضاء على الإرهاب".