وعمدت الشرطة إلى تشديد الإجراءات الأمنية في الموانئ والمطارات ومحطات القطارات والأماكن العامة الكبرى. وأُفيد عن إخلاء احترازي، لأحد مباني مطار غاتويك في لندن، حسبما نُقل عن الحساب الرسمي للمطار على موقع "تويتر". ومطار غاتويك هو ثاني أكثر مطارات بريطانيا ازدحاماً، ويقع على بعد نحو 48 كيلومتراً، جنوبي لندن.
بموازاة التدابير الأمنية، ترأس رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، اجتماعاً عاجلاً للجنة الطوارئ الأمنية "كوبرا"، بحضور كبار ضباط الشرطة وجهازي الاستخبارات الداخلي "أم آي 5"، والخارجي "أم آي 6"، والوزراء وكبار المسؤولين في وزارات الداخلية والخارجية والدفاع. وذلك لتقييم الموقف الأمني وتقدير احتمالات تعرّض بريطانيا لهجمات مشابهة لهجمات العاصمة الفرنسية.
وأشار المفوض العام لشرطة مكافحة الإرهاب، مارك رولي، في حديث لبرنامج "اليوم"، على راديو "بي بي سي 4"، أمس السبت، إلى أن "مستوى التهديد الحالي لبريطانيا في الدرجة الثانية من حيث الخطورة، وهذا يعني أنه من المحتمل جداً وقوع أعمال إرهابية". ويضيف رولي أن "درجة الخطر قد ترتفع، تبعاً للمعلومات الاستخبارية التي تصلنا من فرنسا، ومعرفة إذا ما كانت هناك صلات بين منفذي هجمات باريس وأي من المشتبه بهم في الأراضي البريطانية".
وتفيد المصادر الأمنية بأن "أجهزة الشرطة والاستخبارات الداخلية، تقوم منذ يوم الجمعة، بمراقبة الاتصالات بين المتعصبين المعروفين بتأييدهم لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وسط مخاوف من هجمات انتقامية في أعقاب الإعلان عن مقتل الداعشي البريطاني محمد أموازي، المعروف بالجهادي جون".
وقد عززت بريطانيا بالفعل قدرة الاستجابة لمواجهة أي اعتداءات إرهابية بعد الهجمات التي شهدتها فرنسا مطلع العام الجاري. وفي هذا الصدد، أسست شرطة "سكوتلاند يارد" وحدة خاصة من الضباط المسلحين، لمواجهة خطر هجوم مسلح إرهابي في بريطانيا. وقد تم تجهيز ضباط الوحدة المكونة من 130 من قوات النخبة، بأحدث الأسلحة مع إعادة تدريبهم على تكتيكات جديدة، مثل القفز السريع من الطائرات المروحية، واقتحام المباني المحترقة لإنقاذ الرهائن، وإطلاق النار أو اعتقال الإرهابيين المسلحين.
اقرأ أيضاً: جدل حول اتهام لاجئين بتفجيرات باريس
وفي ما يشبه الضربة الاستباقية أو الوقائية، أعلنت الحكومة البريطانية نهاية الشهر الماضي عن المزيد من الإجراءات لمواجهة التطرّف، والحدّ من تأثير التنظيمات الإرهابية على استقطاب وتجنيد المزيد من الشباب البريطاني، للالتحاق بجبهات القتال المشتعلة في أكثر من مكان في الشرق الأوسط.
وتضمنت حزمة الإجراءات الأمنية الأخيرة، تسهيل مصادرة جوازات سفر قاصرين، لمنعهم من الالتحاق بتنظيمات متطرّفة، وتشديد إجراءات الحصول على الجنسية البريطانية. وبموجب المقترحات الجديدة، سيتم حظر الجماعات التي تُعتبر "متطرفة" أو "تروّج للكراهية" وستُغلق الأماكن التي ينشط فيها المتطرفون، بما فيها المساجد، وستحصل هيئة تنظيم البث الإذاعي والتلفزيوني (أوفكوم) على مزيد من السلطات، للتعامل مع قنوات التلفزيون والإذاعة التي تبث مواد متطرفة. ومن المُتوقع أن توضع الاستراتيجية الجديدة على صيغة مشروع قانون لمحاربة التطرف قبل نهاية العام الجاري.
أما على المستوى السياسي، فمن المُرجّح أن تُجدد الاعتداءات في باريس النقاش، في الأوساط السياسية والعسكرية في لندن، حول المشاركة البريطانية المباشرة في العمليات العسكرية ضد "داعش" في سورية، حتى وإن استدعى ذلك تعاوناً مع النظام السوري.
ومن المتوقع أن يتزايد الضغط على الرئيس الحكومة البريطاني، من أجل القبول بخيار التعاون مع سورية، لا سيما أن شخصيات عسكرية وسياسية قد دعت في نداءات سابقة إلى "ضرورة تجاوز حرج التحالف مع نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد، في سبيل القضاء على خطر داعش".
وقد سبق لرئيس الأركان السابق للجيش البريطاني، اللورد ريتشارد دانت، أن أبدى اعتقاده بـ"ضرورة فتح الحكومة البريطانية قنوات اتصال مباشرة مع الأسد، في سياق حملة ضد مليشيات داعش". وقبل ذلك كتب وزير الدفاع البريطاني الأسبق، مالكولم ريفكيند، مقالاً نشرته الصحافة البريطانية، يقول فيه إن "على الولايات المتحدة وحلفائها أن يكونا مستعدين للعمل مع نظام بشار الأسد، لإلحاق الهزيمة بدولة داعش". وتنقل صحيفة "فايننشال تايمز" عن ريفكيند، والذي يترأس لجنة الاستخبارات والأمن في مجلس النواب البريطاني، قوله إنه "يجب القضاء على داعش، ولا يجب أن تكون لدينا أي حساسية حول الكيفية التي نتصرف فيها. في بعض الأحيان، تجد نفسك مضطراً للتعاون مع شخص سيئ من أجل التخلّص من شخص أكثر سوءاً". في إشارة منه إلى إمكانية تحالف الغرب مع نظام بشار الأسد المنبوذ دولياً، للقضاء على "داعش"، والذي امتدت يده الضاربة إلى الغرب ومصالحه، أكثر مما يفعل الأسد.
في المقابل، يواجه قرار كاميرون توسيع المشاركة العسكرية البريطانية في الأجواء السورية، معارضة من نواب في حزبه وفي حزب "العمال" المعارض، فضلاً عن الرفض التام لأي مشاركة عسكرية ميدانية في القتال ضد "داعش"، سواء في العراق أو سورية.
ويخشى المعارضون من أن يؤدي توسيع التدخل العسكري البريطاني في سورية والعراق، إلى استفزاز وتأجيج مشاعر الجالية المسلمة، ودفع المزيد من الشباب البريطاني المسلم نحو التطرّف. ما سيُشكّل ضربة قوية لكل الإجراءات الوقائية التي اتخذتها الحكومة البريطانية في الأشهر الأخيرة. كذلك يخشى بعضهم من غرق القوات البريطانية في وحل حرب أخرى في الشرق الأوسط، وهي لم تكد تتعافى من تداعيات مشاركتها العسكرية في العراق وأفغانستان. وتتجلى المخاوف بخصوص النقطة الأخيرة في صفوف حزب "المحافظين" أكثر من غيره، إذ تبدي أوساط حزبية خشيتها من انجرار كاميرون وحكومته إلى حرب خاسرة ومُكلفة، تؤدي إلى خسارة الحزب موقعه الحكومي، تماماً كما خسر توني بلير وحزب "العمال" موقعهما الحكومي بعد تورطهما في حربي أفغانستان والعراق.
اقرأ أيضاً: خبراء: تبعات هجمات باريس تضرب اقتصاد دول المغرب العربي