في زيارة لم يعلن عنها مسبقاً، وهي الأولى منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، زار رئيس النظام السوري بشار الأسد، يوم الإثنين، العاصمة الإيرانية طهران، والتقى بالمرشد الإيراني علي خامنئي، والرئيس حسن روحاني. زيارة وصفها محللون ومراقبون بأنها "استدعاء مهين" نظراً لما رافقها من تفاصيل. مع العلم أن الزيارة تأتي في وقت يحاول فيه الأسد فك طوق عزلة فُرضت عليه منذ عام منتصف عام 2011، حين واجه الثورة السورية بالحديد والنار، مطلقاً يد قواته وأجهزته الأمنية للفتك بالمدنيين، ما أدى خلال السنوات الفائتة إلى مقتل وتشريد ملايين السوريين.
كما تأتي في وقت تواجه إيران ضغوطاً متزايدة ومحاولات لتقليص نفوذها في المنطقة، بما في ذلك في سورية. وهو الملف الذي سيتصدر محادثات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليوم الأربعاء، لذلك حملت الزيارة غير المتوقعة العديد من الرسائل وفي أكثر من اتجاه.
كذلك تأتي الزيارة بعد تعثر محاولات إعادة نظام الأسد إلى الجامعة العربية رغم مساعي دول مؤيدة، منها العراق والسودان والجزائر والإمارات، خصوصاً بعد الفيتو الأميركي بحسب المعلومات التي نشرتها وكالة "رويترز" أخيراً. لذلك يعتقد مراقبون أن "الأسد أدار ظهره للمحيط العربي، خصوصاً أن أغلب الدول العربية كانت تشترط قطع النظام السوري لعلاقته مع إيران من أجل تأهيله عبر البوابة العربية".
كما تأتي الزيارة كمحاولة جديدة من قبل الأسد للظهور أمام الشارع الموالي له منتصراً في الصراع، رغم أن الأسد ما زال في مرحلة لا يستطيع فيها الإعلان المسبق عن الزيارة أو الإعلان عنها أثناء حدوثها، ولذلك لم يعلن عن زيارة طهران إلا بعد انتهائها. ومنذ بدء الثورة السورية لم يعلن الأسد استباقياً عن مغادرته سورية علناً، علماً أنه زار روسيا 3 مرات، في زيارات وُصفت بأنها "استدعاء لتبليغه أوامر معينة من قبل الرئيس فلاديمير بوتين"، الذي أنقذ بتدخله العسكري بدءاً من 30 سبتمبر/ أيلول 2015 النظام من سقوط محتم على يد قوات المعارضة، وهو ما صرّح به مسؤولون روس أكثر من مرة.
وعلى الرغم من ذهاب تقديرات عدة إلى أن هذه الزيارة حصلت بعلم روسيا، على اعتبار أن الأسد لا يستطيع الخروج من سورية من دون إعلامها، إلا أن البعض يربط بين موعد الزيارة وبين رغبة الأسد في "الاحتماء بإيران".
في هذا السياق، قال عضو الهيئة السياسية في الائتلاف السوري المعارض، محمد يحيى مكتبي، لـ"العربي الجديد"، إنه "لا يمكن للأسد الخروج من العباءة الروسية، لكنه حاول بزيارته الأخيرة إلى طهران الاحتماء بالحضن الإيراني من الرغبة الروسية في تغييره، وفقاً للمتطلبات الدولية".
وكان قيادي في "الجيش السوري الحر" قد كشف قبل أيام عن عرضٍ قدّمته روسيا للمعارضة السورية، لوقف إطلاق النار في سورية، وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة، يشمل رفع يد روسيا عن بشار الأسد. وقال مصطفى سيجري، رئيس المكتب السياسي في "لواء المعتصم" التابع للجيش الحر، إنه "لا نجد حرجاً من الكشف عن بعض تفاصيل العرض الروسي المُقدّم ضمن صفقة كاملة تبدأ بالإعلان عن وقف إطلاق النار ورفع اليد عن الأسد وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة". وأضاف سيجري، في سلسلة تغريدات على صفحته الرسمية بموقع "تويتر"، أن "الخطة تشمل الذهاب نحو عملية سياسية لا مكان فيها للأسد ورموز نظامه، على أن يتم إشراك روسيا في التفاهمات المتعلقة بمناطق شمال شرقي سورية، وأن يكون هناك تعاون كامل بين المعارضة العسكرية وحلفائها من جهة، وبين روسيا لإخراج إيران والمليشيات المرتبطة بها من المنطقة بسياسة (الخطوة خطوة)".
من جانبه، رأى مسؤول الدائرة الإعلامية في الائتلاف أحمد رمضان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "طهران من خلال جلبها للأسد أرادت أن توجه رسائل إلى أطراف إقليمية ودولية، في لحظة تبدو فيها أقرب إلى المواجهة مع الولايات المتحدة والغرب". ولفت إلى أن "القيادة الإيرانية مستاءة من روسيا بعد أن أبدت نوعاً من الاستعداد لإبرام صفقة مع واشنطن أو أنقرة بشأن سورية، وإدلب وشرق الفرات، وقلقة من تحركات الولايات المتحدة العسكرية وعقوباتها الاقتصادية خصوصاً بعد مؤتمر وارسو، وغير مطمئنة لمواقف أوروبا التي تبدو متقاعسة في تقديم مقترحات عملية تبرر بقاء إيران في الاتفاق النووي".
واعتبر أن "رحلة الأسد الأولى خلال الثورة إلى طهران جزء مكمل لخطابه الذي انتقد فيه أستانة وسوتشي. وبدا أنه يتحدث بلكنة إيرانية منتقداً فيها تركيا بوضوح وروسيا بشكل مبطَّن، ومتنصِّلاً من استحقاقات المفاوضات والعملية السياسية، وبالتالي تعطي مؤشراً واضحاً على أنه حسم خياره في الانحياز إلى إيران، وأشهر ذلك على الملأ".
وبدأ التنافس الإيراني الروسي يطفو على السطح للسطو على (الغنائم) في سورية، مع سعي الطرفين للحصول على نظير اقتصادي وثقافي وجغرافي لدعمهما اللامحدود لنظام بشار الأسد ومنعهما سقوطه أكثر من مرة. ومن هنا رأى المحلل السياسي محمود الحمزة أن "طهران وجهت رسالة لموسكو بأنه يمكنها استدعاء بشار الأسد متى تشاء ليقدم لهم الشكر على إنقاذه"، مضيفاً "لكن الحقيقة أن روسيا هي التي أنقذته. لقاءات الأسد في طهران تشبه لقاءاته بالرئيس بوتين، لا علم للنظام موجوداً. وهذه إهانة كبرى لبشار الأسد ونظامه الذي يقتل شعبه ويدعو مليشيات طائفية لحمايته". ولم يستبعد الحمزة علم الجانب الروسي بالزيارة، مرجحاً أن "تكون طائرات إيرانية وفرت له حماية أثناء طيرانه عبر العراق".
من جهته، قلل المتحدث الرسمي باسم هيئة التفاوض التابعة للمعارضة السورية يحيى العريضي، من أهمية الزيارة، مشيراً في حديثٍ لـ"العربي الجديد" إلى أن "الطرفين مهزومان"، مضيفاً أنه "لم يعد الأسد قادراً على إرسال رسائل سياسية للعالم، ولم تعد لديه إرادة، لذا فالجانب الإيراني أراد توجيه رسائل مفادها أن بشار الأسد تابع لنا، ولا تستطيع أي جهة شدّه إلى طرفها تحت يافطة إعادة تأهيله بشرط فك ارتباطه مع طهران".
وأضاف العريضي أن "زيارة الأسد إلى إيران لا يمكن عزلها عن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى موسكو"، مضيفاً أن "بشار الأسد مضطر للزيارة بعد التسريب الروسي لصورته المهينة في قاعدة حميميم الروسية. أراد الأسد توجيه رسالة للجانب الروسي مفاده أن لديه حلفاء غير الروس".
من جهته، اعتبر السفير السوري السابق لدى بيلاروسيا فاروق طه في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الزيارة أشبه بالاستدعاء، لا بروتوكول ولا علم، أو زيارة لدولة من دول الوصاية، إن لم نقل الاحتلال". وتابع بالقول: "في الخفايا التي تظهر رويداً، هناك تنافس بين الروس والإيرانيين على حصة الأسد في النظام السوري. وقد بدأ هذا التنافس يأخذ شكل الاشتباك المسلح. عقل الأسد مع الروس، وعاطفته مع إيران، وسورية ليست في المكانين. على العموم سيزداد ارتباك النظام تصاعدياً في دفع الفواتير المستحقة". وختم طه قائلاً إن "هذه الزيارة/ الاستدعاء تضع في التابوت أحلام بعض العرب في تعريب النظام، وإبعاده عن النفوذ الإيراني".
وقابل الشارع السوري المعارض الزيارة بموجات سخرية، معتبراً أن "لا قيمة لها ما دامت سورية كلها باتت لإيران"، فيما عدّت مواقع إخبارية معارضة الزيارة حلقة جديدة من مسلسل إذلال رأس النظام بشار الأسد من قبل حلفائه الذين شاركوه في قتل الشعب السوري. وتوقفت عند تعمّد الإيرانيين تغييب علم النظام عن اجتماع الأسد مع الرئيس حسن روحاني، مع عدم اصطحاب الأسد لأحد من أركان حكومته "مع ما يحمل ذلك من استخفاف وتصغير".
في هذا السياق، وصف الباحث في مركز "جسور" للدراسات عبد الوهاب العاصي الزيارة بـ "الاستدعاء"، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن "النظام السوري يحاول كسر الطوق الذي فرضته إيران على قطاع الطاقة منذ نهاية عام 2018، كونه استجاب إلى الضغوط الروسية - الإسرائيلية من جهة، والغربية - العربية من جهة أخرى حول تقليص الاعتماد على إيران وتقويض نفوذها في سورية". وأضاف أنها "مساعٍ لم تتبلور إلى موقف واضح ومشترك يتماهى مع مبادئ طرحتها المجموعة المصغّرة، ما أدى إلى غياب عنصر الثقة بأي خطوات يُقدم عليها النظام السوري. بالتالي كان هذا الأخير مدركاً صعوبة فك العزلة عنه، لا سيما على المدى المتوسط، ومن شأن ذلك أن يزيد من المشاكل الداخلية التي يعانيها على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، فلم يكن أمامه سوى خيار الاتجاه إلى إيران من أجل إعادة تعزيز الثقة معها، والتأكيد على عدم جدوى البحث عن حماية له من الأطراف التي تتبنى سياسة المواجهة ضدها".
وأضاف العاصي أن "طهران أرادت من وراء الزيارة القول للأطراف الغربية والعربية وحتى شركائها في مسار أستانة، أنّه أصبح لديها وجود في سورية بشكل مماثل لحضورها في لبنان على كافة المستويات الاقتصادية، والعسكرية، والأمنية، والسياسية والاجتماعية، وأنّ الجهود الغربية لتغيير سلوك سياستها الخارجية، لا سيما في ما يخص إخراجها من سورية أو تقويض نفوذها، لا يُمكن أن تستمر على نفس النحو، كما أنّها باتت منافساً وشريكاً لا يُمكن إقصاؤه من قبل روسيا". ولفت إلى "وجود احتمال دفع روسي لبشار الأسد للذهاب إلى إيران من أجل الاستجابة لمطالبها والتماهي معها بشكل جزئي، لصعوبة تحقيق تقدم في فكّ عزلة النظام السوري وتقديم ملف إعادة الإعمار واللاجئين على الملف السياسي. ما قد يعزز من الأزمة الداخلية التي تعاني منها مناطق سيطرته، وبالتالي فإن الزيارة هي بمثابة رسالة طمأنة جديدة لإيران من قبل روسيا تريد من خلالها إعادة تعزيز الثقة بالشراكة الحذرة بين الطرفين".