زين ألكسندر: "المنارة" فيلم عن العائلة اللبنانية وأسرارها

12 سبتمبر 2019
يؤدّي المخرج دور إحدى الشخصيات في الفيلم (ريبيكا ساب/Getty)
+ الخط -
يحفر المخرج اللبناني زين ألكسندر، في فيلمه القصير "المنارة"، (شارك في مهرجان البندقية أخيراً) في بنية المجتمع اللبناني، في زلّاته وفداحة زيفه، من خلال سرده قصّة عائلة برجوازية. تحاول الزوجة/ الأم إخفاء سبب موت الزوج/ الأب. يستعرض الفيلم الدقائق القليلة السابقة على تقبّل العزاء، فتحدث ارتباكات كثيرة بين الأم وولديها. هكذا، تجد العائلة نفسها أمام اختلال عائلي فظيع. منظر الموت يُمكن أن يحدّ من سلطة الأبيسية، لوضع صورة العائلة على حقيقتها وتعريتها أمام مرآة نفسها في المجتمع الذي تعيش فيه، لكن ما حدث هو العكس. هنا حوار معه حول الفيلم وما يدور في فلكه.

(*) كيف تصف علاقتك بالسينما؟
ـ منذ كنتُ صغيرًا، أحببتُ السينما وعالم الخيال وسرد القصص والتمثيل. كبرتُ وأنا أحلم بمهنة، كانت بعيدة نوعًا ما، فالفنّ بعيد عن عائلتي. كانت صناعة السينما في لبنان محدودة حينها. لذا، دراسة السينما بالنسبة إلى شخص مثلي خيار غير متاح. أظنّ أنّي اخترتُ دراسة علم النفس لاهتمامي الشديد وتعلّقي بالسلوك الآدميّ، وشغفي الباطني بالسينما والقصص في الوقت نفسه. برأيي، هذان المجالان متقاربان للغاية. علم النفس هو دراسة السلوك الإنساني والعاطفي والإدراكي. هذه الركائز الثلاث من أهمّ عوامل بناء الشخصيات وسرد الحكايات. في عام 2010، غادرت إلى أميركا، ووجدت نفسي محاطًا بالفرص. هذا أعطاني الشجاعة أخيرًا على أن ألحق مستقبلي في الفنّ.


(*) كيف جاءتك فكرة الفيلم؟ وما هي الأسباب التي ساهمت في تحقيقها وبلورتها في إطار فني وجمالي، يستوحي بعض ملامح المجتمع اللبناني؟
ـ فكرة العمل نشأت بعد لقاء جمعني بـ باسكال سينيوري (كاتبة النص ومؤدّية أحد الأدوار الثلاثة). حينها، قرّرنا العمل على فيلمٍ جديد، بعد أول بعنوان "الغربة". تناقشنا كثيرًا حول ماهية الفيلم الجديد، وحول فكرته. بدأنا مع العائلة، وكيف يُمكن للتطفّل الخارجي أنْ يُدمّر استقرار أفرادها. بعد محاولات عديدة، تطوّر هذا التطفّل من شخص حقيقي وملموس إلى سرّ. حينها، عرفنا أننا التقطنا أول الخيط. تدريجيًا، تكوّن الهيكل الرئيسي للقصّة والشخصيات.
بالنسبة إلى العوامل الأخرى، التي ساهمت في تحقيق المشروع؛ كنتُ في لبنان صيف العام الفائت. أقمتُ في منتجع في مدينة صور (جنوب البلد)، حيث البحر والمنارة، وهذا كان ملهمًا لي. بدأت كتابة النصّ حول تلك الفكرة. لاحقًا، وافق وليد صالحة على أن نُصوِّر في "الفنار".
أنت تسألني عن المجتمع اللبناني، وكيف تمّ تجسيده في الفيلم. أردنا فيلمًا يتعلّق بهذا المجتمع، بالأسرة اللبنانية، وبالأسرار الموجودة داخل كلّ منزل. أحبّ تقديم هذا المجتمع بتفاصيله. أؤمن بقوّة التفاصيل، عندما يتعلّق الأمر بتصوير ثقافة أو مجتمع. في الوقت نفسه، سعيتُ إلى تقديم عمل يمسّ المُشاهد غير اللبناني أيضًا. فأحداث الفيلم تدور بين الدراما واللغز.


(*) اشتغلت على "الأبيسية" في المجتمع اللبناني وامتدادها، عبر صوت الأم التي تحاول الحفاظ على صورة العائلة، وكذبها وزيف حياة أسرتها، بما تشهده من اختلالات.
ـ انطلقت فكرة "المنارة" من انزعاج شخصي إزاء مجتمع مهووس بالمظاهر. كثيرون في جيل الآباء مستعدّون للمخاطرة بسلامتهم الخاصّة وبسلامة أبنائهم للحفاظ على صورة لا يشوبها عيبٌ في مجتمعهم وأمام عائلتهم. هكذا، قرّرنا سرد قصّة عن عائلة ثريّة في جنوب لبنان، تتعرّض لـ"فضيحة" معيّنة، من شأنها تلطيخ سمعتها إلى الأبد إذا انكشفت.

(*) ماذا عن الدلالات الفنية والجمالية، التي جعلتك تؤدّي دور الابن، وتُخرج في الآن نفسه؟
ـ هذا تحدّ لي، أن أجمع بين التمثيل والإخراج، خصوصًا عند العمل بميزانية محدودة ووقت قصير. تمّ تصوير الجزء الأكبر في يومين فقط. كانت صعبة معاودة تصوير المَشَاهد، لذا قرّرت تأدية دور رامي، لمعرفتي بصراعه الداخلي. شعرتُ أيضًا بتعاطفٍ كبير معه، إذْ عانيت صراعًا كهذا في حياتي. هذه الشخصية أعرفها جيدًا.


(*) كيف اخترت الممثلتين؟
الممثلة وكاتبة السيناريو باسكال سينيوري أدّت دور نورا. أما بالنسبة إلى عليا، أردتُ أن تؤدّيه ممثلة غير محترفة، إذْ كانت لديّ نظرة بخصوص ما ستبدو عليه الشخصية. بحثت في عائلتي عنها، ووجدتها في خالتي هالة بسمة صفي الدين. اخترتها لسببين: أولاً، لأني أعمل بشكل أفضل مع أشخاص أعرفهم، إذْ أكون على دراية كاملة بالطريقة التي يتصرّفون فيها، وأرتاح دائمًا في العمل هكذا. ثانيًا، لأني رأيت صفات مشتركة كثيرة بينها وبين عليا، فعليًا بنت جدارًا متينًا ومتماسكًا على حياتها، رغم ما تحمله في داخلها من ألم. استغرق الأمر جلسة واحدة مع هالة. حينها، عرفت أنها مدركة تمامًا الشخصية.


(*) لم تتوقّف الموسيقى خلال الفيلم، إلى درجة أني اعتقدت بوجود علاقة بضعف الصورة، لعدم التقاطها بشكل دقيق مختلف العوالم التي تُسبِّب وفاة الأب/ الزوج، ومحاولة تضليل المُشاهدين.
ـ في الواقع، الموسيقى بطل آخر من أبطال الفيلم. اختيار عدم التركيز على سبب وفاة الأب/ الزوج مقصود، فالحكاية لا تدور حول هذا الأمر، بل حول السرّية واللحظات اللاحقة وردود فعل أفراد الأسرة.
السيناريو قوي في كلّ شيء. يُمكنك أن تدفع الملايين من أجل صناعة فيلم، لكن إن افتقر الفيلم إلى قصّة وصوغ جيد للشخصيات، فلن يصل فيلمك إلى المُشاهد.
دلالات
المساهمون
The website encountered an unexpected error. Please try again later.