في الألبوم الجديد، استطاعت ماسي أن تستعيد توازنها الفني، وأن تخرج من كبوة ألبوم "المتكلمون"، الذي أصدرته عام 2017، الذي عجزت فيه عن استثمار تاريخ الشعر العربي في إنتاج ألبوم متقن.
هكذا عادت بألبومها الأخير إلى أسلوبها القديم، وبالتحديد إلى ستايل ألبوم "الراوي" (2001). وهو الإنتاج الذي رسمت به هويتها الفنية الفريدة، باستخدام الجزائرية المحكية وبالارتكاز على الآلات الوترية بشكل رئيسي، والتوليف ما بين الموسيقى الشرقية والغربية، بالإضافة إلى الإيقاعات الغربية والشرقية الحيّة، من خلال استخدام الدرامز والدف الشرقي، والابتعاد الكامل عن آلات المفاتيح والموسيقى الإلكترونية.
ملامح "الراوي" في الألبوم الجديد لا تقتصر على شكل التوزيع الموسيقي الوتري والإيقاعات المنخفضة التي تستخدمها ماسي لإبراز جماليات صوتها، بل إنه يمتد إلى تقمص ماسي لشخصية الراوي بأغنياتها الجديدة، لتبدو العديد من أغاني الألبوم وكأنها حكايات لشخصيات متعددة تقوم ماسي (الراوي) بسردها، وذلك من منظور شخصيات متعددة يرتدي فيها الراوي ثوب شخصية بطل الحكاية؛ كما هو الحال في أغنية Je veux apprendre (أريد أن أتعلم)، التي تسرد فيها قصة فتاة كان أهلها يتمنون لو خلقت ولداً، وعاشت طفولة مهمشة لكونها أنثى، حرمت خلالها العديد من حقوقها، منها حقها بالتعلّم.
والقاسم المشترك بين جميع أغاني الألبوم، سواء تلك التي تسرد فيها ماسي قصصاً بطريقة الرواة، أو تلك التي تتغنى بها بحالات عاطفية وشعورية محددة، هي أنها تتبنى وجهة نظر الضحية؛ ويبدو ذلك واضحاً بالأغنية الافتتاحية للألبوم "أمنية"، التي تحمل اسم الألبوم، والتي تقول ماسي في مطلعها: "حطيت ليك يدي ضربتني بموس، وأنا اللي كنت خارجة من حرب".
تقول: "حطيت ليك خدي كسرتلي ضروس، وانتا تاكل وتشرب. هديت ليك عسل شربتلي مرار، وانتا الساقي وانا الشارب"، لتبني ماسي بهذا المنظور أفكارها النسوية الخاصة عن مظلومية المرأة، وتنسحب تلك الأفكار في العديد من القضايا التي يناقشها الألبوم، ومنها: الحب والتعليم والاغتراب.
وعلى الرغم من أن ماسي تتبنى منظور الضحية بأغانيها الجديدة، وهو المنظور الذي بات أكثر رواجاً في الأغاني العربية في الأعوام الأخيرة، كنتيجة للغة الخطابية التي يتبناها الجميع على وسائل التواصل الاجتماعي في الغالب، إلا أن ماسي لم تقع بفخ البكائية. حيث إن أداءها الثابت المفعم بالحساسية وصوتها الذي يصدح عالياً ليطغى على الآلات الوترية الرقيقة المرافقة له، يضفيان على الأغاني طابعاً سحرياً، ليتغلب المنتج بصورته النهائية على الكلمات المنكسرة والعالقة بدوامة المظلومية.
وقد لا تكون أيّ من أغاني الألبوم قادرة على مضاهاة جمالية بعض أغاني سعاد ماسي الخالدة، التي غنتها في العقد الأول من الألفية الجديدة، مثل: "الراوي" و"غير أنت" و"حياتي"، ولكن جميع الأغاني التي يضمها الألبوم الجديد ذات مستوى عالٍ في الموسيقى والأداء، وإن كان يعيبها في بعض الأحيان القليل من الرتابة بسبب إصرار ماسي على استعادة أمجاد الماضي وتكرار ذات الحالة الفنية التي تمكنت من خلقها في ألبومي "الراوي" و"ديب".