ثمن التغير المناخي [1/7]... حصاد هزيل لموسم زيتون تحاصره الحرب في سورية

إدلب

مصعب الياسين

مصعب الأشقر
مصعب الياسين
صحافي سوري
28 اغسطس 2022
سورية
+ الخط -

تفتح تحقيقات "العربي الجديد" ملف التغيّر المناخي، وتبدأ من سورية التي تشهد تراجعاً في إنتاجية أشجار الزيتون، بسبب ارتفاع درجات الحرارة فوق معدلها الطبيعي وقت الإزهار، إلى جانب قلة الأمطار وتأخرها، ما أدى إلى تدهور جودة الزيت وكمياته، في ظل خطورة الحصاد بسبب القصف.

- انتقل المزارع السوري علي محمود الأسود إلى العمل في حقول جيرانه بعد تضاؤل إنتاج أشجار الزيتون بمزرعته في مدينة حارم بمحافظة إدلب غرب سورية، إذ كان إنتاج الشجرة الواحدة يصل إلى 80 كيلوغراماً من ثمار الزيتون سنويا حتى عام 2015 لكنه تناقص اليوم إلى أقل من 50 كيلوغراما، تنتج زيتا بمعدل يصل إلى 12 لترا.

و"تراجع إنتاج المزرعة الكلي آخر ثلاثة أعوام، إذ وصل إلى 190 تنكة زيت عام 2017، ثم أخذ بالتراجع حتى وصل إلى 67 تنكة عام 2021، ولا تعادل هذه الكمية تكاليف حراثة الأرض ورعاية الأشجار وتقليمها وقطف الثمار"، كما يقول الأسود.

وتعكس معاناة الأسود من تراجع الإنتاج، ظاهرة عامة إذ انخفض في عام 2021 بنسبة 24% مقارنة بالموسم السابق في جميع أنحاء البلاد، بإجمالي 645.331 طنا من 85 مليون شجرة زيتون مثمرة موزعة على 696.363 هكتارا، فيما قدرت كمية إنتاج الزيت بـ 103 آلاف طن، بينما كان إنتاج الثمار 850.341 طنا عام 2020، و160 ألف طن من زيت الزيتون، وفق ما وثقه معد التحقيق عبر بيانات وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي المنشورة على موقعها الإلكتروني.

ويعزو الباحث الدكتور منذر الدرويش، الذي عمل سابقا في هيئة البحوث العلمية الزراعية وهو رئيس سابق لقسم بحوث الزيتون في إدلب، انخفاض الإنتاجية إلى عوامل الجفاف المرتبطة بالتغيرات المناخية وطول فصل الصيف على حساب الشتاء، إذ تأخر الهطول المطري المعتاد بالمنطقة والذي يبدأ من شهر سبتمبر/أيلول عادة، حتى منتصف ديسمبر/كانون الأول من عام 2021، علاوة على حالة الحرب ونزوح المزارعين عن مساكنهم وأراضيهم، وبالتالي لم يتمكنوا من الاهتمام بالشجر والحراثة والريّ واستخدام الأدوية للقضاء على الحشرات، بسبب القصف المتواصل من قوات النظام والقوات الروسية والذي يستهدف المَزارع، لدرجة أن الكثيرين منهم لم يتمكنوا من الوصول إلى أراضيهم الواقعة في المناطق الساخنة إلا في مرحلة جني المحصول فقط.

الحرارة العالية تعيق الإزهار

تتركز زراعة الزيتون في سورية في المناطق الشمالية والغربية خاصة في محافظات طرطوس واللاذقية وإدلب وحلب والرقة، وسجلت محافظتا حلب وإدلب اللتان تعدان من مناطق الإنتاج الأساسية لوجود 50% من المساحة المزروعة بالزيتون فيهما، تراجعا في الإنتاجية لموسم 2021، إذ قدّر الإنتاج في حلب بـ 130.135 طنا، بينما وصل في موسم 2020 إلى 237.174 طنا، بنسبة انخفاض 55%، وفي إدلب قدّر إنتاج 2021 بـ 102.122 طن، بينما وصل 185.000 طنا عام 2020 بنسبة انخفاض 55% ، بحسب بيانات وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي.

الصورة
الزيتون1

ويعود انخفاض الإنتاجية إلى ارتفاع درجات الحرارة الذي أثر على عملية الاصطناع الحيوي للزيت (تكوُّن المنتجات داخل مصادرها الطبيعية) في الثمار، بالإضافة إلى تأثير الجفاف على مواصفات الثمار ونتيجة ذلك تجعدت ثمار الزيتون بسبب ظاهرة العطش الفيزيولوجي والتي تشير إلى عرقلة عمل الجذور وقلة امتصاصها للماء لدى ريّها بسبب ارتفاع الحرارة، فتذبل الثمار وتعطي مؤشرات نضج غير صحيحة نتيجة تغير لونها بالرغم من عدم الوصول لمرحلة النضج المناسبة للقطاف، بحسب توضيح الدرويش.

الصورة
انفو الزيتون 1

وفي شهر إبريل/نيسان من عام 2021 وهو شهر التزهير وتثبيت العقد، ارتفعت درجات الحرارة أكثر من معدلاتها في الأعوام السابقة، إذ وصلت في النصف الأخير من الشهر إلى 33 درجة مئوية في معظم الأيام، ما أثر على شجر الزيتون في فترة "الإزهار والعقد"، وهي فترة حرجة وانعكس ذلك سلبا على نسبة الثمار العاقدة والإنتاج، إذ تحتاج شجرة الزيتون في موسم التزهير الذي يبدأ من منتصف شهر مارس/آذار وحتى منتصف مايو/أيار إلى حرارة تتراوح بين 18 و28 درجة مئوية نهارا وبين 13 و16 درجة مئوية ليلا، كي تحافظ على الزهر والنموات الخضرية (العقد) بحسب المهندس الزراعي أنس رحمون، الحاصل على درجة الماجستير في فيزيولوجيا النبات وتأثيرات المناخ.

سجّل الإنتاج في عام 2021 انخفاضا بنسبة 24% عن الموسم السابق

وإذا ما ارتفعت درجة الحرارة إلى أكثر من 30 درجة مئوية وتخطت عتبة الـ 32 درجة سوف يتساقط الزهر، ولن يصل إلى مرحلة العقد، ما يؤدي إلى تدهور إنتاج الشجرة من الزيتون، بحسب توضيح الدرويش، مشيراً إلى أن الشجرة تحتاج إلى 10 أيام لإكمال مرحلة التزهير بدءاً من أول زهرة تتفتح بأغصان الشجرة ضمن درجات الحرارة الطبيعية لتثبيت الزهر.

قلة تساقط الأمطار تؤثر في جودة الزيت

تعتمد 95% من أشجار الزيتون في سورية على مياه الأمطار إذ تعدّ من الزراعات البعلية، فيما تعتمد النسبة المتبقية (5%) على الري التكميلي، وهذه قريبة من الحزام الصحراوي في أرياف حمص وحماة الشرقية، بحسب الدرويش، الذي يوضح أن الجفاف المتزايد نتيجة ضعف الهطول المطري خلال السنوات الماضية أثر على النموات الخضرية ( الثمار في الطور الأول بعد أن تتغطى البذرة بقشرة)، إذ يعتبر عددها قبل موسم القطاف مؤشرا على وجود محصول جيد أو شحيح.

الصورة
الزيتون2

وتسبب ضعف الهطول المطري خلال الموسم الزراعي لعام 2021/2020 بتشقق التربة في حقول الزيتون وبالتالي تقطع جذور الأشجار وعطشها وحاجتها لكميات زائدة من الري، بحسب الرحمون، إذ اتسم الموسم بتأخر بدء هطول الأمطار بشهرين على الأقل في جميع أنحاء البلاد. علاوة على ذلك، لم تسقط على العديد من المناطق بعد مارس 2021 أي أمطار مثل إدلب وحلب واللاذقية، وهي بداية مبكرة لموسم الجفاف، وكان مصحوبا بدرجات حرارة أعلى من المتوسط  في معظم المحافظات، وخاصة في إبريل 2021، ما تسبب في إجهاد المحاصيل، بحسب تقرير (الجمهورية العربية السورية... تحليل هطول الأمطار من عام 1980-2021) الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة العام الماضي، مبينا أن معدل الهطول في المحافظات السورية الغنية بزراعة الزيتون كان منخفضا، إذ سجلت حلب عام 2021 معدل هطول بلغ 82 ملم، وإدلب 64 ملم، واللاذقية 82 ملم، وطرطوس 115 ملم، وحمص 96 ملم، في حين يحتاج الزيتون إلى ما لا يقل عن 400 ملم سنويا، لأن إنتاجه مرتبط إلى حد كبير بكمية الهطولات وتوزعها ودرجة احتفاظ التربة بالماء، وعلى الرغم من أن الزيتون من أكثر الأشجار تحملا للجفاف إلا أن الإنتاج يتأثر كثيرا في ظروف انحباس الأمطار وعدم وجود مصادر للري.

الصورة
انفو الزيتون2

ويعتبر شهرا سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول من كل عام مثاليين لتغذية أشجار الزيتون بالأمطار حتى تتحسن إنتاجية الزيت وجودته بحسب المهندس عبدو حميدي والذي عمل سابقا في مكتب زيتون إدلب الذي كان يتبع لوزارة الزراعة والإصلاح الزراعي في حكومة النظام، لكن هذا العام شهد الشهران تراجعا كبيرا بمستويات هطول الأمطار العام الماضي لا سيما في المحافظات الأولى بزراعة وإنتاج الزيتون، إذ كان معدل الهطول المطري في المحافظات السابقة 0 ملم في الشهرين المذكورين.

ويؤثر الجفاف على جودة زيت الزيتون من حيث طعمه ونسبة الزيت ولونه بحسب الدرويش، لأن شحّ المطر يؤدي إلى تجعد الثمار وانخفاض نسبة الزيت، كما يكون استخلاص الزيت من اللُحمة في المعصرة أصعب، بالإضافة إلى تدني جودة الزيت ليصبح طعمه مرا غير مستساغ للمستهلك، وهو ما يؤكده المزارع  الأسود قائلا إنه "لم يُسرّ من لون زيته هذا العام لأنه عكر، بسبب ضعف الشحمة او اللحمة والتي تغطي نواة ثمرة الزيتون، والتي كانت في العام الماضي تلمع وناضجة بشكل كبير ما عزز فرص البيع لمنتوجه أكثر من العام الحالي"، واحتوت الشحمة عام 2021 على 20% زيت فقط.

وانعكس انخفاض إنتاج الزيتون على مادة البيرين (التفل المنتج من عملية عصر الزيتون إذ يتم طحن الثمرة كاملة بالمعصرة ليتم فرز الزيت باتجاه وبقايا الثمار باتجاه آخر، ويجري تجميعه في مكان خارج المعصرة)، ما يعكس ندرة إنتاج أشجار الزيتون من الثمار وحجمها، بحسب شاكر الكردي، صاحب معصرة زيتون في حارم، مشيراً إلى أن إنتاج المعصرة عام 2020، بلغ 700 طن من مادة البيرين وانخفض في 2021 إلى 500 طن.

50% من المساحة المزروعة بالزيتون توجد في إدلب وحلب

ويشير الكردي إلى أن إنتاج المعصرة في الأيام الأولى من شهر نوفمبر 2020 وصل إلى 225 تنكة زيت يومياً، في حين أن الإنتاج عام 2021 في منتصف نوفمبر لم يتعدّ 100 تنكة زيت في اليوم، ويستشهد بمزارعي زيتون قدموا إلى المعصرة يحملون 4 أكياس من 7 شجرات، وزن الواحد منها 65 كيلو غراماً، لكنها لم تنتج له سوى تنكة زيت واحدة، ولم يؤثر ذلك على الوضع الاقتصادي للمزارعين فحسب، بل أثر على مسار عمل المعصرة وعمل العمال الذين كانوا يشتغلون فيها كل عام لأكثر من 3 أشهر، وهذه المدة تقلصت الموسم الماضي ما أثر على دخل أسرهم.

المزارعون يبحثون عن مصدر دخل آخر

يتجه 19 مزارعا قابلهم معد التحقيق في محافظة إدلب إلى اقتلاع أشجار الزيتون من مزارعهم واستبدالها بشيء آخر، نظرا لتدني الإنتاج الذي لم يغطّ تكاليف الرعاية والفلاحة وأجور عمال الحصاد، ومن بينهم المزارع محمود أبو شاهر من مدينة كفرتخاريم في إدلب، والذي يمتلك 10 دونمات مزروعة بالزيتون، كلّفته العام الماضي من رعاية وحراثة وتقليم وقطاف نحو 1500 دولار أميركي، إلا أن المردود مقابل بيع الزيت الناتج هذا الموسم لم يزد على 900 دولار، ما دفعه إلى اقتلاع 40 شجرة واستبدالها بالرمان.

الصورة
الزيتون3

وتشبه حال المزارع نائل العلي حال باقي المزارعين، إذ كان يعتمد في إعالة أسرته المؤلفة من 15 شخصا على 200 شجرة زيتون في جبال بلدة الحفة في محافظة اللاذقية، ومنذ عام 2018 تراجع إنتاجها إلى النصف، لتنقص كمية إنتاج الزيت من 220 تنكة في موسم 2017 إلى 138 تنكة في موسم 2018 وتستمر بالتدهور إلى 50 تنكة خلال الموسم الأخير الذي بدأ قطافه في نوفمبر 2021، فالأمطار لم تعد تهطل بكمياتها المعتادة في فترة التزهير وإمكانية الري مستحيلة بسبب ارتفاع أسعار الوقود وعدم توفرها من جهة، وميلان الأرض الجبلية التي يستحيل تنظيم عملية الري فيها إلا من خلال الأمطار.

ووصل سعر لتر الديزل في إدلب خلال شهر سبتمبر 2021 إلى 0.80 دولار وتحتاج 50 شجرة زيتون إلى 20 ساعة ري متواصل بغزارة، وكل ساعة تحتاج إلى كمية تتراوح بين 3 و5 لترات من الديزل في منطقة حارم، بواقع 5 مرات سقاية في الأشهر من يوليو/تموز وحتى سبتمبر، ويلجأ المزارعون بمنطقة جبل الزاوية إلى شراء مياه الري بالصهاريج التي ترتفع أسعارها أيضا بحسب ارتفاع أسعار الديزل، ولا يمكن التنبؤ بعدد الأشجار التي يرويها الصهريج نظرا لتفاوت التربة وحدّة العطش، ما يجعل خيار الريّ التكميلي بعيد المنال عن أكثر من 70% من المزارعين بسبب تدني مستوى المعيشة وتراجع إنتاج الزيتون.

وعلى الرغم من أن المزارعين وأسرهم يخاطرون بحياتهم لرعاية الشجر وقطف الثمر تحت نيران مدفعية النظام، إلا أن المردود الذي حصلوا عليه لم يكف لتسديد ثمن الأسمدة والمبيدات والتقليم، كما يقول نوري السلوم، المزارع في مدينة أريحا التابعة لإدلب، ما دفع كثيرين إلى بيع الثمار في الأسواق دون عصرها لتوفير تكاليف المعصرة وتحقيق مردود مادي فوري، وبحسب التاجر فادي الصباغ الذي يعمل في سوق الهال في مدينة طرطوس، فإن موسم 2021 شهد غياباً كبيراً لثمار الزيتون، حيث اقتصر الموجود من الثمار على كميات يومية لا تتعدى الـ 500 كيلو في جميع محلات سوق الهال، في حين كان المعروض في المحلات في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2020 يصل إلى 4 طن على الأقل، كما ارتفعت أسعار الزيتون المعد للبيع بمعدل دولارين للكيلو الواحد بسبب ندرة الزيتون، بينما عُرض بسعر أقل، الزيتون الذي يظهر عليه الجفاف بشكل واضح من شدة العطش، ما أدى إلى انكماشه وتحوله للون الأسود قبل نضوجه وفق الصباغ.

ذات صلة

الصورة
سياح عند بحيرة ياسمينة في صحارى مرزوكة - جنوب شرق المغرب - 20 أكتوبر 2024 (فرانس برس)

مجتمع

أحيت الأمطار الغزيرة، التي هطلت أخيراً في جنوب شرق المغرب، بحيرات وبركاً مائية كانت قد نضبت لسنوات بسبب الجفاف وارتفاع درجات الحرارة في الصحارى.
الصورة
من مجلس العزاء بالشهيد يحيى السنوار في إدلب (العربي الجديد)

سياسة

أقيم في بلدة أطمة بريف إدلب الشمالي وفي مدينة إدلب، شمال غربي سورية، مجلسا عزاء لرئيس حركة حماس يحيى السنوار الذي استشهد الأربعاء الماضي.
الصورة
آثار قصف روسي على إدلب، 23 أغسطس 2023 (Getty)

سياسة

شنت الطائرات الحربية الروسية، بعد عصر اليوم الأربعاء، غارات جديدة على مناطق متفرقة من محافظة إدلب شمال غربيّ سورية، ما أوقع قتلى وجرحى بين المدنيين.
الصورة
غارات روسية على ريف إدلب شمال غرب سورية (منصة إكس)

سياسة

 قُتل مدني وأصيب 8 آخرون مساء اليوم الثلاثاء جراء قصف مدفعي من مناطق سيطرة قوات النظام السوري استهدف مدينة الأتارب الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة