يفكر المزارع اليمني سالم موسى، في التوقّف عن زراعة نبات الموز، بعد تراجع إنتاج مزرعته الواقعة في بستان الحسيني بمحافظة لحج (جنوب اليمن)، إلى 6 أطنان، بسبب قلة الأمطار، وانخفاض مستوى المياه الجوفية، بعدما كان يجني حتى عام 2010، عشرة أطنان في الموسم الممتد خلال الفترة من مارس/آذار وحتى يناير/كانون الثاني.
ويستخدم الأربعيني موسى، طريقة الري بالغمر في مزرعته التي تبلغ مساحتها فداناً ونصف الفدان، وتستهلك 16 ألف متر مكعب من المياه سنوياً، بينما يبيع المحصول بمليون و800 ألف ريال يمني (سعر الدولار في مناطق الشرعية 1118 ريالاً)، كما يوضح لـ"العربي الجديد"، مضيفاً أنه يحتاج إلى 1116 لتراً من الديزل (سعر اللتر في مناطق الشرعية 1090 ريالاً يمنياً) سنوياً، بقيمة مليون و 216 ألف ريال، من أجل ضخ المياه من البئر.
وتنتشر زراعة الموز في محافظات الحديدة (خاضعة لسيطرة الحوثيين)، وأبين، ولحج، وحضرموت (خاضعة لسيطرة الشرعية)" على مساحة 10 آلاف هكتار، 60% منها في محافظة الحديدة، بحسب التقرير الإحصائي السنوي الصادر عن وزارة الزراعة والري في عام 2010، والذي حدد إنتاج اليمن بـ 133 ألف طن في العام ذاته، لكنه تراجع في عام 2020 إلى 123 ألف طن، من بينها 77 ألف طن تنتجها محافظة الحديدة، بحسب بيانات وزارتي الزراعة والري في مناطق الحوثيين والحكومة الشرعية.
لماذا تراجع إنتاج الموز بسبب التغير المناخي ؟
يتراجع إنتاج الموز في اليمن، بسبب تذبذب سقوط الأمطار زمانياً ومكانياً، مع استمرار استنزاف المخزون الجوفي للمياه، كما يقول لـ"العربي الجديد" الدكتور ياسين القحطاني، أستاذ الجغرافيا الطبيعية المساعد بكلية التربية في جامعة صنعاء.
وبينما تراوحت معدلات هطول الأمطار في المناطق الشرقية والساحلية، مثل محافظات أبين، ولحج، وحضرموت، والمهرة ما بين 50 و250 مليميترا، و1200 ملم في المرتفعات الجنوبية، مثل محافظات إب، وتعز، والضالع في عام 2010، إلا أنها تراجعت في السنوات العشرة الأخيرة ما بين 50 و100 مليميتر في المناطق الشرقية والساحلية، وما بين 400 و800 مليميتر في المرتفعات الجنوبية، حسبما يوضح الدكتور عبد الله علوان، رئيس الهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي التابعة للحكومة الشرعية، مضيفاً في إفادته لـ"العربي الجديد" أن بعض المناطق تمر بفترات جفاف تستمر ما بين 5 و7 سنوات، وبالتالي يتراجع مخزون الأحواض المائية بشكل مباشر.
إنتاج الموز تراجع إلى 123 ألف طن في عام 2020
ويؤدي الجفاف وتراجع سقوط الأمطار إلى انخفاض سنوي في منسوب المياه الجوفية بنسبة تتراوح بين 4 و6 أمتار مكعبة سنوياً، بحسب الدكتور علوان، مشيراً إلى أن تراجع إنتاج مزارع الموز يعود إلى قلة وتراجع تغذية المخزون الجوفي.
وتؤدي آثار التغير المناخي على البيئة اليمنية، إلى تغيير في كمية الأمطار وتوزيعها ونسبة الإشعاع الشمسي (مقدار الأشعة الشمسية الساقطة على مساحةٍ معينة) وكمية الحرارة المتولدة عنه، كما يوضح الدكتور عزي أحمد فقيه، عميد كلية الزراعة بجامعة الحديدة الحكومية مضيفاً لـ"العربي الجديد": "درجة الحرارة المثالية لإنتاج الموز في اليمن تتراوح بين 15 و35 درجة مئوية، ويتأثر الإنتاج بارتفاع درجة الحرارة إلى 40 درجة، وهو ما يحدث في فصل الصيف بالحديدة، إذ إن أثر التغير المناخي يبدو في ارتفاع درجة الحرارة إلى 41 درجة، علماً بأن درجة الحرارة لم تكن تصل إلى هذا الحد حتى عام 2010".
ويعاني المزارعون من فيضانات وأعاصير وتدفق السيول على الأراضي الزراعية، في بعض المواسم بسبب التغيرات المناخية، وهو ما وقع في تهامة التابعة لمحافظة الحديدة في يوليو/تموز 2020، إذ جرفت السيول مزارع موز في زبيد، وأودية "رماع، وسهام، وسردود، ومور"، وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021 ضربت عاصفة مدارية ناتجة عن إعصار شاهين، مزارع الموز في بستان الحسيني بمحافظة لحج جراء الأمطار الغزيرة التي شهدتها المحافظة، بحسب إفادة أحمد الزامكي، وكيل وزارة الزراعة والري لقطاع الري واستصلاح الأراضي بالحكومة الشرعية.
تزايد تكلفة الزراعة
"في نهاية عام 2015، انخفضت مستويات المياه الجوفية في تهامة بمحافظة الحديدة ودلتا أبين (جنوب اليمن)، وجرى تخفيض دعم الديزل في ظل الحصار الاقتصادي، ما أدى إلى هجر المزارع، وخاصة تلك التي تزرع فواكه جائعة للمياه، مثل الموز والمانجو"، بحسب ما رصده تقرير "محنة الزراعة في اليمن" الصادر في أكتوبر 2020 عن مرصد الصراع والبيئة (يعمل على العواقب البيئية الناتجة عن النزاعات ومقره في بلجيكا).
قلة الأمطار وانخفاض المياه الجوفية سبب رئيسي في تراجع الإنتاج
ويعاني اليمن من استنزاف جائر للمياه الجوفية بمنسوب يتراوح بين 6 و8 أمتار في حوض صنعاء وحوالي 1و3 أمتار في مناطق تهامة، في حين تقع باقي الأحواض ما بين هذين المعدلين من الهبوط السنوي لمناسيب المياه الجوفية، بحسب دراسة "الموارد المائية في اليمن وانعكاساتها على القطاع الزراعي"، وتأكيد مصادر التحقيق، ومن بينهم الدكتور علوان، والذي يقول إن الموز من المحاصيل التي تحتاج إلى كمية كبيرة من المياه، تصل بطريقة الري بالغمر إلى 26 ألف متر مكعب في الهكتار الواحد، ما يعوق استمرار الفلاحين في زراعة النبات، بسبب تراجع مخزون المياه الجوفية جراء السحب الجائر، وعدم تعويضه في ظل تذبذب الأمطار وندرتها، كما هو الحال في محافظات لحج والحديدة وحضرموت.
ويعتمد مزارعو الموز على الري بالغمر، نتيجة ارتفاع سعر تصميم شبكة الري بالتنقيط، إذ تكلف الواحدة ما بين 27 ألفاً و36 ألف دولار أميركي، كما يقول المزارع الأربعيني المقيم في مديرية زبيد بمحافظة الحديدة، أحمد سلمان، والذي تغلب على بعض هذه الصعوبات، من خلال إدخال شبكة ري حديثة تعمل بالطاقة الشمسية إلى مزرعته التي تبلغ مساحتها 3 معاد (وحدة قياس للمساحة تستخدم في غرب اليمن ويوازي 4320 متراً مربعاً)، بدلاً من الري بالغمر والذي كان يستهلك كمية كبيرة من المياه، تصل إلى 30 ألف متر مكعب سنوياً، تحتاج إلى 1200 لتر من الديزل الذي يبلغ سعر اللتر الواحد منه 675 ريالاً يمنياً (سعر الدولار يعادل 559 ريالاً في مناطق سيطرة الحوثيين) من أجل رفعها من البئر، مضيفاً لـ"العربي الجديد": "أستهلك حالياً 61% فقط من إجمالي كمية المياه التي كنت أستهلكها سابقاً".
وتصل كفاءة الري بالتنقيط إلى حوالي 70 في المائة من كمية المياه التي يجري استهلاكها من خلال الري بالغمر، كما يقول أحمد الزامكي، مشيراً إلى أن مقدار الري التقليدي لمساحة 10264 هكتاراً للموز، يبلغ 266 مليون متر مكعب، بينما في حالة الري بالتنقيط، يُستهلك 163 مليون متر مكعب.
لكن "على الرغم من وجود فارق جوهري بين الري التقليدي والري الحديث، فإن زراعة الموز تشكل خطراً كبيراً على المخزون المائي في ظل الفارق الكبير بين المياه المسحوبة والمتجددة"، كما يقول المهندس علي أحمد بيبي، مدير المنطقة الزراعية الجنوبية في هيئة تطوير تهامة بمحافظة الحديدة، والذي ينصح باستبدال زراعات الموز بالحبوب والبقوليات والمحاصيل النقدية مثل البن والخضراوات التي تحتاجها البلاد في الوقت الراهن، وفق قوله لـ"العربي الجديد".
تزايد خطر التغير المناخي وحلول غير ملموسة
"من المتوقع أن يزداد شح المياه، وموجات الحرارة، والعواصف الترابية، والانهيارات الأرضية، والفيضانات المفاجئة، والسيول، وارتفاع منسوب مياه البحر، والفيضانات في المناطق الساحلية في اليمن"، وفق مقال مشترك لـ إيميلي أوين مختصة بالتنمية الحضرية في البنك الدولي وباسكوال فرانزيس مستشار إدارة مخاطر الكوارث وتغير المناخ والقدرة على الصمود في البنك الدولي، نشراه على موقع البنك في 21 يوليو 2022، بعنوان "زيادة قدرة المراكز الحضرية في اليمن على تحمل تغير المناخ".
ولمواجهة تأثيرات التغير المناخي، جرى "تركيب ثمان محطات مناخية أوتوماتيكية حديثة في محافظات "الحديدة، وتعز، والضالع، وحضرموت، وصعدة، وريمة، وأبين"، فضلاً عن إعادة التأهيل (كلياً وجزئياً) لتسع محطات مناخية و26 محطة مطرية في محافظات "صنعاء، وذمار، وعمران، وحضرموت"، بحسب التقرير السنوي لعام 2019، الصادر عن وزارة الزراعة والري التابعة للحوثيين.
ويدير المحطات المناخية قطاع الأرصاد في وزارة الزراعة، وتعمل على تعزيز المعلومات حول التغيرات المناخية، من أجل مساعدة المزارعين في المحافظات، بحسب التقرير.
لكن 3 مزارعين أكدوا لـ"العربي الجديد" أنهم لا يعرفون شيئاً عن هذه المحطات، ومنهم الثلاثيني رأفت جلعوم، الذي توقف عن زراعة الموز في أرضه البالغة مساحتها معادين ونصفاً بمنطقة محوى الخليف بمديرية زبيد في محافظة الحديدة، قبل سبعة أعوام، بعد حصاد آخر موسم في عام 2015، حسبما يقول، مضيفاً: "لم أستبدل الموز بأية محاصيل أخرى، بسبب ارتفاع سعر الديزل، واكتفيت بالعمل في البناء بأجر يومي أستطيع من خلاله تدبر احتياجات أسرتي المكونة من 6 أفراد".