على مدى السنوات السبع الماضية، ومع استفحال أزمة اللجوء السوري إلى الدول المجاورة، ومنها لبنان، ارتفعت معدّلات العنصريّة ضدّ السوريين في بعض وسائل الإعلام اللبنانية لتبلغ حدًّا بات يستدعي السخرية بمخالفته كلّ منطق، ناهيك بمراعاته أبسط المعايير الإنسانية. وهكذا، انتشرت تقارير مكتوبة ومرئية ومسموعة، تلوم السوريين على شتّى أنواع المشكلات، مما يُسمّى بـ"العنوسة" والبطالة وزحمة السير وارتفاع الأسعار والتدهور الاقتصادي، وحتى انتشار الجرائم.
ولم يترك الإعلام اللبناني للاجئ السوري الذي هرب من الموت في بلده سبيلاً للعيش بسلام. لكنّ هذا كلّه لم يكُن الدرك الأسفل. فوصل الأمر بقناة "إم تي في" (يملكها آل المر) إلى منافسة حالها، في العنصرية، عبر إلقاء اللائمة على السوريين بـ"ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان" في لبنان!
وعلى موقعها الإلكتروني، نشرت قناة "إم تي في" تقريراً خاصاً بعنوان "السرطان يجتاح لبنان... وسببان يساهمان في انتشاره"، أشارت فيه إلى أنّ معدل الإصابة بالسرطان ارتفع بنسبة 5.6 بالمائة. وقررت القناة استصراح طبيب "مختصّ" يُدعى فادي نصر، أرجع السبب إلى نقطتين: الأولى وهي التلوّث (يعاني لبنان من أزمة نفايات منذ عام 2015)، والثانية هي "النازحون السوريون".
وكتبت القناة على موقعها الإلكتروني، نقلاً عن نصر "الالتهابات المتزايدة بفعل تكاثر النازحين السوريين في لبنان تتسبّب مُباشرةً بمرض السرطان، فهؤلاء بسبب الظروف السيئة التي عانوا منها مرغمين، يأتون ببكتيريا خطيرة قد تخلق الأمراض لدى الإنسان". طبعاً من دون أن يستند الطبيب "المختصّ" إلى أيّ دليل حسّي أو دراسات في رأيه، أو يُشير إلى المعطى الذي أوصله إلى هذه النتيجة.
وليست هذه المرة الأولى التي تخرج بها قناة "إم تي في" باتهامات عنصريّة بحقّ السوريين. فعلى سبيل المثال، قالت في تقرير لها العام الماضي، إنّ "رؤوس الحلاقين اللبنانيين معرّضة للجزّ من المقص السوري"، في إشارةٍ إلى انتشار محلات حلاقة لسوريين في بعض المناطق.
وأثار التقرير الجديد المستفيض بعنصريّته غضباً على مواقع التواصل الاجتماعي بين اللبنانيين والسوريين. فسألت جويل بطرس "عفوا بس ع أي أساس بنى الطبيب المختص تحليله "العلمي"؟ بعد في هيدي ما كبيتوها عالسوريين!".
ودوّن الكاتب محمد حديب "طيب خذوني على قد عقلي، لو أنه كوليرا، لقلنا عطس السوريون. لو أنه جرَب لقلنا إن على اللاجئ التخفيف من البوس والأحضان، ولو أنه إيدز لقلنا إن الله خلق الشعوب – ما عدا السوريين في لبنان- لتعارفوا. أما السرطان، فهو مرض خبيث لم تحسم البشرية أمره ولم تجب عن سؤال "لماذا تصاب الخلايا بالجنون؟"، لكن الحديث دائمًا يتجدد بشأن نمط الحياة واستباحة الطبيعة التي ترد علينا بعنف. وهذه أول مرة أسمع أن اللاجئ يسبب السرطان في أي من بلاد اللجوء عدا جمهورية أم تي في.".
ولاحقاً، نشرت القناة "توضيحاً" قالت فيه إنّ رأي الطبيب لا يمثّل رأي الموقع وتذرّعت بالأسباب "المهنيّة" لعدم التعديل عليه، قائلةً إنّ معالجتها للموضوع لم تكُن من منطلق عنصري. ثمّ تمنّت عودة اللاجئين (سمّتهم نازحين) إلى بلدهم "من دون مرض أو ضرر".
لكنّ هذا التوضيح بدوره لم يهدئ غضب اللبنانيين، والذين اعتبروا أنّه عذر أقبح من ذنب.
Facebook Post |
Facebook Post |
Twitter Post
|
Twitter Post
|