أنا وزوجي

06 ديسمبر 2024

(بهرام حاجو)

+ الخط -

لا تتردّد كاتباتٌ معروفاتٌ عن دسّ أزواجهن في أحاديثهن وكُتبهن، كأنّهم جزء من عملية الاعتراف بهن، مثلما تفعل ربّاتُ بيوتٍ بسيطات التعليم، مع أنّهن يُعتبَرْن رموزاً للنّسوية في العالم. فتقول سيمون دي بوفوار: "أنا وسارتر" في بعض كُتبها، وتربط بعض آرائها به، إمّا لأنّها توافقه فيها، أو لأنها تستعين به لتكتسب شرعيّةً أكبر.

قد يُلام على ذلك الوسط الثقافي آنذاك، المعروف بالعنصرية تجاه كلّ ما هو غير فرنسي وغير ذكوري، وكثيراً ما اشتكت كاتباتٌ فرنسياتٌ من التمييز. لكن امرأةً بقوّتها، كان عليها أن تفكّر ملياً قبل أن تكتب هذه الجملة للأجيال اللّاحقة. فيما تقول أيضاً الكاتبة البلغارية الفرنسية الشهيرة جوليا كريستيفا: "أنا وفيليب سوليرز"، هي التي رغم ذكائها وموسوعيتها، لا تكفُّ عن العودة إلى ما يقوله وما يفضّله زوجها الفرنسي فيليب سوليرز، في مذكّراتها التي جاءت في شكل حوار مطوّل مع المحلل النّفسي صامويل دوك. ورغم أنها محلّلة نفسية أيضاً، إلى جانب عملها الفلسفي والروائي، ما يعني أنها على قدر كبير من الاستقلال عن زوج أو معلّم، إلّا أنها منحت زوجها مكانةَ القبطان في فكرها واختياراتها في الثقافة والحياة. كان لقاؤها المُبكّر بسوليرز سلاحاً ذا حدّين، فلعلّه منحها استقراراً عائليّاً مبكّراً ساعدها في تجاوز النّظرة الدّونية للفرنسيين إلى الأجانب، كما صرّحت بذلك، لكنّه ربطها بعمله، وصارت لا تفترق عنه في الكتابة، مثلما في البيت. تستشهد به في مواقف عديدة، وفي كلّ اختيار معرفي أو حياتي. ربّما كان أكثر ثقافة وشهرة منها لمّا التقته في شبابها، لكن ما كتبته هي تركَ أثراً يتجاوز الحدود الثقافية والجغرافية بشكل لم يحقّقه هو.

كان يمكن لكريستيفا تقديم نموذج مختلف للاستقلال الفكري والأدبي وإبقاء زوجها بعيداً عن مساحة الكتابة. مع أنّه بالكاد قدّر لها ذلك، فهو رغم حبّها الكبير له، لم يكفّ عن اللّعب بذيله، وهو ما لم تنكر معرفتها به، إنّما لم تفارقه، بل إن حبّهما كان في نظرها متّقداً ومستمرّاً، إلى درجة أنه كان جزءاً من أعمالها الروائية، أي أنه تجاوز الموقف الثقافي إلى الكتابة نفسها، فهو القالب المثالي للرجل في أعمالها، خصوصاً روايتها "السّاموراي".

عربياً، لم تقل الشاعرة السّورية سنية صالح، زوجة محمّد الماغوط: "أنا وزوجي"، وربما لم تتوافر لها الفرصة، بما أنّها رحلت مبكّراً، لكنّها فعلت ما يكفي لتعيش في ظلّه، وهي صاحبة إحدى أقوى تجارب قصيدة النثر في زمنها، لكنّها لا تُحسب فيه علَماً مهمّاً مع الماغوط وأُنسي الحاج وسركون بولص ورياض الصالح الحسين. وبعد وفاتها فقط، اعترف الماغوط بظلمه لها إنسانياً وإبداعياً، لكنّها لم تنل رغم هذا الاعتراف ما تستحقّه من تقدير.

لن نلوم الرّجال هنا، فالأمر لا يتعلّق بنساء بسيطات، أو ضعيفات. لكن من جهة أخرى، هل يقول الكاتب: "أنا وزوجتي"؟... فلا سارتر يُحضر لنا سيمون، ولا فيليب يذكر لنا جوليا في لحظات مجدهما، ولا نجد في ديوان الماغوط ذِكراً لسنية بالاسم، رغم أنه كتب عنها، وما كان يضرّه لو فعل، كما فعل الشاعر الفرنسي لوي أراغون الذي كتب ديواناً عن زوجته الرّوائية الرّوسية إلسا تريوليه، سمّاه "عيون إلسا"، وهو من أشهر أعماله، وبسببه يبحث القراء عنها ليكتشفوا أنها روائية فائزة بجائزة غونكور، مع العلم أنه واجه بتمسكّه بها، إبّان الحرب العالمية الثانية، تحريضاً عاماً للانفصال عنها بسبب جنسيتها، ولو مؤقّتاً، وعاشا قصّة حبّ نادرة في ظلّ الثورة الجنسية وتعدّد الشركاء، الموضة الأدبية لذلك العصر. وعلى عكس الأخريات، لم تدعه إلسا يتسلّل إلى أعمالها الرّوائية، ولو ظلّاً، هو الذي وصفها بأنّها "المرأة الخالدة التي أنجبتُها للعالم، ومنها أولد". لكن ما أضافته إلسا إلى حياته لم يتجاوز الإلهام، ولم تغطّ على حضوره الأدبي رغم حضورها الرومانسي.

هناك نماذج إيجابية للفصل بين مواقف الكاتبة وزوجها، منها رضوى عاشور، التي حافظت على موقفها الأدبي مستقلاً عن مريد البرغوثي، لتبرز بشكل قد يكون أقوى منه. وإذا كانا كثيراً ما يُذكران معاً، فذلك بسبب الحبُّ لا غير.

596D72F8-6B45-4709-8735-7AC0F35F2CE1
596D72F8-6B45-4709-8735-7AC0F35F2CE1
عائشة بلحاج

كاتبة وصحافية وشاعرة مغربية

عائشة بلحاج