الإسلام الصهيوني
صار المشهد ضبابيًا للغاية إلى الحد الذي بات فيه صعبًا لمتابعٍ أن يحدد ما إذا كان كاتبٌ مصريٌّ، مثل إبراهيم عيسى، ينقل من المعلقين الصهاينة أم العكس. وما إذا كان اختيار خطبة الجمعة في المساجد المصرية قرارًا مصريًا، أم يتم صبّه صبًا من الكيان الصهيوني في بيانات وزارة الأوقاف المصرية.
أيًا ما كان الأمر، فإن الشاهد أن ثمّة إفراطًا من الجانب الصهيوني، الرسمي والشعبي، في استخدام النصوص الإسلامية من القرآن الكريم والأحاديث النبوية في الحرب الإعلامية المسعورة على المقاومة الفلسطينية، كما أن هناك استبسالًا، في الوقت ذاته، من الإعلامي إبراهيم عيسى في تبنّي ما تريده الآلة العسكرية الإسرائيلية من تفريغ المعركة البطولية للشعب الفلسطيني المقاوم من أية مضامين أخلاقية وإنسانية، ومحاولة تصوير فصائل المقاومة أنهم إرهابيون دمويون وانتحاريون أيضًا.
تتردّد أكذوبة المستعمر السلمي والمستوطن المدني كل ليلة على لسان إبراهيم عيسى، في برنامجه التلفزيوني الذي تحول إلى منصة لترويج الخطاب الصادر طوال اليوم من المتحدّث باسم جيش الاحتلال وقطيع من المغرّدين الصهاينة والسياسيين الصهاينة الذين ينتجون عشرين كذبة في اليوم الواحد، يتحول بعضها إلى بيانات رسمية على لسان الرجل الأول في الإدارة الأميركية، فيما يجد بعضُها الآخر طريقه إلى الصفحات الأولى من الصحف الغربية التي تخوض المعركة ضد الشعب الفلسطيني، بإيقاعٍ أشرس من جيش الاحتلال نفسه.
لم يصل مدى نيران إبراهيم عيسى إلى الشعب الفلسطيني فقط، بل تجاوزت ذلك إلى كل متعاطف معه من الجماهير المصرية والعربية، ليكون عيسى صاحب الريادة في اتّهام رجل الأمن المصري الذي وجّه الرصاص إلى صهاينةٍ يرفعون علم الاحتلال في الإسكندرية بالإرهاب، معتبرًا أن ما أقدم عليه المواطن المصري العربي الغاضب لذبح أشقائه وحرقهم في فلسطين جريمة إرهابية. هذه التي أطلق عليها"الجريمة الإرهابية" كانت عند إبراهيم عيسى نفسه في مرحلة شبابه اليافع بطولة وطنية عظيمة، لطالما احتفل بها وغنّى لها حين كان مسؤولًا في نادي الفكر الناصري لطلاب جامعة القاهرة، منتصف ثمانينات القرن الماضي، الذي شهد بزوغ حركة مقاومة للتطبيع مع العدو الصهيوني في مصر، كان من بين أسمائها اللامعة المهندس خالد جمال عبد الناصر والمهندس محمود نور الدين، ونفّذت عمليات استهداف للوجود الصهيوني على الأراضي المصرية، أسفرت عن مقتل عدة أشخاص من الإسرائيليين، ومع كل عمليةٍ كان الطلاب الناصريون والقوميون في الجامعات المصرية يهتفون ويحتفلون ويعقدون الندوات، ويتظاهرون في ساحة معرض القاهرة الدولي للكتاب فرحًا باصطياد مجموعة من الصهاينة.
الآن، ما عاد إبراهيم عيسى يرى في المقاومة الوطنية سوى أنها إرهاب، ولا يرى في المستعمرين الصهاينة سوى أسراب من العصافير المدنية البريئة، لا يصحّ أن يمسّهم الفلسطيني الذي يقاوم من أجل تحرير وطنه بسوء، أو يأسرهم، لأنهم مدنيون طيّبون.
لن يكون مدهشًا والحال كذلك أن تجد إبراهيم عيسى مناضلًا إعلاميًا لا يُشقّ له غبار ضد تاريخ العمليات البطولية الفلسطينية التي استهدفت العدو في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته، إذ سبق له الحفر في أرشيف العمليات الفدائية الفلسطينية ليقرّر تصنيفها عمليات إرهابية بأثر رجعي، كما لن يكون مدهشًا حين تجد شيخ الأزهر الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب هدفًا لرصاصاته التلفزيونية في عديد المواقف والمحطّات، وإن لم يجد ما يهاجم به رموز الإسلام السنّي الصحيح عليه، فإنه يشغل وقت فراغه بإعلان الحرب على السنّة النبوية ورواة الحديث، ليطعن في صدقية الإسراء والمعراج، وصولًا إلى التشكيك في قيمة المسجد الأقصى وقدسيّته، لينتهي به الأمر، بقصد أو من دونه، جنديًا باسلًا في معركة التبشير بالنسخة الصهيونية من الدين الإسلامي، ذلك الإسلام كما يريده ويراه الخطاب الصهيوني.
المهمة ذاتها ينفّذها بمنتهى الإخلاص والتفاني وزير الأوقاف المصري الذي يلعب بنصوص خطبة الجمعة بالطريقة التي يفضلها وينشدها الكيان الصهيوني، وفي حالة خطبة جمعة اليوم ستجد مرونة استثنائية في قرارات وزارة الأوقاف المصرية، التي كانت قد أعلنت في منتصف الأسبوع مع اشتداد القصف الصهيوني على غزّة أن الخطبة المقرّرة على جميع المساجد سيكون موضوعها "فضل إغاثة المكروبين" الفلسطينيين بالطبع، ثم قرّرت إلغاء الموضوع بعد حادث جندي الإسكندرية، ليصبح محدّدًا بالنقاط الآتية بحسب نص البيان الرسمي المعمّم على كل المساجد "مفهوم عهد الأمان والحقوق المترتبة عليه - واجبنا جميعًا الحفاظ على العهود والمواثيق التي تلتزم بها الدولة تجاه كلِّ إنسان يدخل إلى بلادنا - يجب أن نكون متعاونين ومتضامنين على حفظ دمه، وعرضه، وماله، وخصوصيته - من واجبنا حسن استقباله، وإكرامه ليرى منا ما نحب أن يتصوّره عن عظمة ديننا، وعمق حضارتنا، ورقيّ إنسانيّتنا".
في مناخٍ معبأ بعوادم التصهين الفكري مثل المناخ الحالي، يصبح شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب، بنظر الجماهير التي لم يتلوّث وعيها بعد، بطلًا يحارب وحيدًا عدوانًا وحشيًا على كل القيم الدينية الصحيحة والمعاني الإنسانية المحترمة.