الجمال في عين الرِجال دخان
حاولي أن تكوني امرأةً تُحبّ أن تبدو في أفضل صورة، ولا تضعي أظافر اصطناعية، لأنّ أظافرك تتكسّر بفعل التوتّر، وضَعف نسبِ الحديد، أو أيّ خلل ستعانين منه مع زحف السنين وتراكم القلق المهني. أو أن لا تضعي رموشاً اصطناعية مع موضة العيون المدخّنة أو الواسعة الأحداق. رغم أنّ الحقيقة أن نظرتك في الأصل مُدخّنة، وأنّ أحداقكِ ضاقتْ، ليس لسبب وراثي، بل لكثرة ما ضاقتِ الحياة أمامك، وضاق خُلقكِ معها.
لا يجوز أن تكون لك أحداق واسعة، والأفق ضيّق للغاية أمامك، بل حتى إنّها لمذلّة. أين ستذهبُ الأجزاء الفارغة من عينيك؟ فتتعلّمين أن تُضيّقي نظرتَك، حفاظاً على صحّتك وعقلك، مقاومةً رغبتهم أن يحمّلوا أجفانك بشعيرات اصطناعية، تُخفي الحجم الحقيقي للأشياء عنك.
ورغم أن ما من شيء يُعجب المرأة، أو المرء، في ما حولنا، لكنّ رؤيته خير من الوقوع في حفره. أمّا رأسك، فلا يمكنه منافسة ذوات الخصلات الإضافية، مع خفّة شعراته التي قلّ إنتاجه لها للأسباب السّابقة، وغيرها كثير ممّا يطول سرده وشرحه. يكفي رأسك همّ إبقاء عقلك في مكانه، حتى لا يطير فرحه يوماً في لحظة من لحظات الحياة في مستشفى المجانين، الذي نعيش فيه في المدن الكُبرى.
لا يمكن منافسة أحدٍ على الإطلاق، لا في مظهرٍ جيّد، ولا في مظهر شاحب، ففكرةُ المنافسة هي محرّك الرأسمالية الاستهلاكية التي نتعلّق بأهدابها كالغرقى، وما نحن بغرقى، إلّا في الحاجة إلى الأشياء التي يمكن الاستغناء عن معظمها. ربّما يعود الإنسان إلى كهفه، ويكون الأمر برداً وسلاماً شرط الاحتفاظ بموادّ النظافة، كالصّابون، وإلّا صرنا قروداً قذرةً. وكم هي محرجة حقيقة أن الإنسان اخترع السّكين والنار، وبنى بيتاً، واكتشف أشياء أخرى كثيرة، قبل موادّ النظافة. رغم أن بعض البشر لم يكتشفوا الصّابون لحدّ الآن، ولا مُزيلات العرق ولا مقصّ الأظافر.
يريدون من المرأة أن تضع أشياء صناعية، ويلومونها على ذلك إذا خُدعوا فيها. مع العلم أن البلهاء فقط سيصدّقون أن إحداهن قد تجمع هذا الشعر الغزير السلس، والأظافر الطويلة والصدر العارم والخصر الدقيق الذي يضيقُ ليتّسع... من الخادع، هل الساعي خلف نموذج نمطي للجمال؟ أم المستجيبات لإغراء المحاولة؟ ... الطّامّة أن الأمر لم ينحصر عند ما نعرفه، فهم صنعوا ربلات صناعية، والرّبلة هي الجزء الدائري من الساق. يا للافتراء.. هناك معايير للرّبلات أيضاً! هل نجا جزء من الجسد من التنميط؟
أخيراً في النادي الرياضي الذي أذهب إليه، وبعد أن صارت الأجهزة الرياضية محلّ إقبال كثير من الفتيات، بعد حمّى نحتِ الجسم، فهجرن دروس "الأيروبيك"، وحملن الأثقال بأيديهن وأرجلهن. علّقت سيدة على جسم أخرى، وهما معاً من ذوات الأجساد غير المنحوتة: "لم ينقص وزنك، لكن مكامن الأنوثة برزت". لقد حُلّت معضلة الأنوثة يا نساء بفضل الآلات، ولم نعد بحاجة إلى إثبات أنوثتنا أمام لجان الفحص.
ماذا عن الذّكورة؟ اخترع الشبان الهوس بالبروتين لزيادة العضلات. هكذا إذاً، وجدنا مصدراً للذكورة. لكن ليتهم بالمرّة يكتشفون مصادر صناعية للرّجولة والمروءة، رغم أن اللغة العربية لم تجد لنا صفةً مُقابلةً للرجولة عن النساء، فأنّثت المروءة ومنحتها لـ"المرء"، بدل أن تجعلها جمعاً لـ"المرأة".
لا يمكن الاعتماد على اللُّغة لإنصاف المرءِ أو المرأة، ولا على مقاييس الجمال، لكنّها مرآة لما هما عليه في مجتمعهما. وسواء في مرآة اللغة، أو مرآة الجمال هناك كثير لفعله. وخداع المظهر يقع صاحبه ضحيّته قبل الآخرين، فكم تعاني اللّواتي تُقدِمن على عمليات التجميل، فتُظهِر برامجُ تغيير المظهر فرحةَ هؤلاء بجمالهن المُكتشَف، لكنّها لا تسألهن: هل تتعرّفن إلى أنفسكن فيها؟
هل هناك آلات لنحت المواقف والضمائر، وتحفيز مناطق إنتاج الصدق والوفاء والعدالة، وإعادة اللغة إلى عقلها؟ إذاً ليست الملامح وحدها الخادعة، بل كثير من الأشياء، فالتّزييف لم يكتفِ بالرموش ولا بـ"الفيلر" ولا بـ"البوتوكس"، بل طاول المواقفَ، وهذا الانبطاح في التطبيع مع الكيان الصهيوني، هو عملية تغيير شامل لضمائر الإنسان. كثير من أصحاب المواقف طبّعوا، فكيف نعرف حقيقة الإنسان من شكله الخارجي؟