المغاربةُ في المؤشّر العربي
تضمّن المؤشّر العربي الذي يصدره المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (2019 - 2020) بيانات مهمة بشأن المغرب، تستحق الوقوف عندها وقراءتها، في ضوء ما تطرحه السياسةُ المغربية من أسئلة، على الصعيدين، الاقتصادي والسياسي.
في هذا الصدد، يرى 32% من المستجوَبين الوضعَ الاقتصادي في المغرب سيئاً، ويراه 15% سيئاً جداً. يعني ذلك أن 47% من المغاربة يعتبرون أن السياسة الاقتصادية التي تنتهجها الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية الإسلامي أخفقت في تحسين أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية. وإذا كان ذلك يعيد إلى الواجهة إقرارَ العاهل المغربي، محمد السادس، أكثر من مرة، بفشل الخيارات التنموية، وتأكيده ضرورة اجتراح نموذج تنموي جديد يواكب ما استجدّ من تحولات، فإنه يسائل، في الوقت ذاته، سياسة المشاريع الاقتصادية الكبرى التي لم تُوازِها تنمية اجتماعية ومجالية متوازنة، تعيد صياغة الصراع الاجتماعي في المغرب، من خلال وقف استنزاف الطبقة الوسطى، وإعادة الاعتبار للفئات الهشّة والفقيرة بإدماجها في الدورة الاقتصادية لهذه المشاريع.
بموازاة مع ذلك، اعتبر 32% من المستجوَبين الوضع السياسي سيئاً، واعتبره 25% سيئاً جداً، وهو ما يدلُّ على أن أكثر من نصف هؤلاء (57%) ليسوا فقط غير راضين على السياسة المغربية، بل يتطلعون إلى تغيير القواعد التقليدية التي تؤطّر هذه السياسة منذ عقود، وبالأخص في ما يتعلق بأداء الأحزاب السياسية التي باتت التمثلات التي يصوغها الرأي العام المغربي بشأنها بحاجةٍ للبحث والدراسة، في ظل اتساع رقعة النقمة الشعبية عليها وعلى قياداتها. ولعل في ذلك مساءلة دالة لآفاق العرض السياسي الذي طرحته السلطة في 2011، وفشلت البنيةُ التقليدية للحقل السياسي في تنزيل مخرجاته المختلفة، بما يفضي إلى مصالحة المغاربة مع السياسة.
اعتبارُ الوضع السياسي في المغرب سيئاً يشكل تحدّياً للسلطة والنخب، ويعزّز مخاوفها من مقاطعة واسعة للانتخابات التشريعية القادمة، ويبرز الحاجةَ إلى إعادة النظر في هذا الوضع، بعد أن بات عبئاً على الدولة والمجتمع. وفي السياق ذاته، كان لافتاً أيضاً اعتبار 49% من المستجوَبين البرلمان لا يقوم بدوره على مستوى الرقابة على الحكومة. وهو الأمر الذي يعزّز الصورة السلبية التي تحتفظ بها فئات واسعة من الرأي العام بشأن النخب البرلمانية، خصوصاً مع تصاعد الأصوات المطالبة بإلغاء تقاعد أعضاء البرلمان، على خلفية العجز الكبير الذي صارت تسجّله صناديق التقاعد خلال السنوات الأخيرة. ولن ينسى المغاربة رفض هذا البرلمان التصويت على الزيادة في ميزانيتي التعليم والصحة (2020)، سيما أن جائحة كورونا كشفت الأهمية القصوى لهذين القطاعين في مواجهة تفشّي الوباء.
ويمكن القول إن تقييمَ الوضع السياسي، ودور البرلمان في الرقابة على الحكومة، لا يكتسيان دلالتهما إلا في ضوء مؤشرين آخرين، يتعلقان بتقييم مستوى الديمقراطية، والقدرةِ على انتقاد الحكومة، إذ حصل المغرب على 4,8 من 10 في الأول، وعلى 5,7 من 10 في الثاني. وهو ما يعني ترسيخ صورة النظام السياسي المغربي ضمن ما تعرف بالأنظمة الهجينة (Régimes hybrides) التي تحول بنياتُها السلطويةُ دون تحوّلها الكامل إلى الديمقراطية، بحيث تكتفي، في أدائها السياسي، بانفتاحٍ محدودٍ ومتحكَّمٍ فيه.
من ناحية أخرى، سجّل المؤشر تفاعل المغاربة مع محيطهم الإقليمي، فأيّد المستَجوَبون الاحتجاجاتِ الجزائريةَ (بنسبة 66%)، والسودانيةَ (بنسبة 49%). وفي ذلك إشارة إلى أن المنعرج الدراماتيكي الذي شهده الربيع العربي بعد 2013 لم يَحل دون استمرار المغاربة في التفاعل مع قضايا أشقائهم وتطلعاتهم نحو التغيير المنشود.
فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، يرى 70 % من المستجوبين أن هذه القضية تبقى قضية جميع العرب، وليست قضية الفلسطينيين وحدهم. ويُعارض 88% منهم اعتراف المغرب بإسرائيل، فيما يبدو تأكيداً، في توقيتٍ دال، على رفض شعبي عربي كل أشكال التطبيع معها، مهما كانت المُسوّغات التي تسوقها الأنظمة.
ختاماً، يبقى ما ساقه المؤشر العربي بشأن المغرب بحاجة لمزيد من القراءة والتحليل، في أفق استنتاج خلاصاتٍ أكثر عمقاً وصرامة.