تحت التهديد
قبل ثمانية أشهر بالتحديد، طالعنا، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حادثة ضرب عريس مصري عروسه في يوم الزفاف، وتحديدا قبل أن تبدأ مراسم الاحتفال، وقد خرجت العروس لكي تخبر الجميع بأن ما حدث كان مزحةً من العيار الثقيل، وأنها قد تزوّجت بمن أحبّته سنواتٍ مضت. ولكن كان يبدو من تعبيرات وجهها، وهي تتحدّث، والحركات المريبة لمن حولها من أهل العريس خصوصا، أن كل ما يحدُث تمثيلية مبالغ فيها، أو أن الممثلين لا يقومون بأدوارهم بجدارة، فكان الكذب مفضوحا، ولكننا طوينا الصفحة مثل أي صفحة لامرأة تتعرّض للعنف من زوجها، وتقرّر أن تستمر من أجل الستر.
قديما كان المثل الشعبي يقول إن "الغلب بستيرة أفضل من الغلب بفضيحة"، ويقصد أن على المرأة أن تصبر على عنف الزوج واضطهاده بدلا من أن تفضح نفسها، فالنتيجة واحدة، لأن أحدا لن ينصرَها، وكأنه قد كتب على النساء العربيات خصوصا أن يدفعن الثمن دائما، حتى يقعن تحت التهديد ويسدّدن فواتير لا ناقة لهن فيها ولا جمل.
ربما حين تنزوي بنفسك، وتفكّر كثيرا بحالات العنف التي تتعرّض لها المرأة عموما فتكتشف أن السبب الأول هو أن المرأة تدخل في حسابات الطرفين، وأنها لا تستطيع أن تنأى بعيدا عنها. وقديما جدا أيضا أذكر أن أحدهم قد احتاج مبلغا من المال ليقترضه من قريب، فكان عليه أن يغريه، فأرسل إليه رسالة شفهية مع وسيط أنه سوف يزوّجه بابنته فاطمة التي وقتها كانت في العاشرة من عمرها، وما زالت تلعب بعروستها التي خاطتها أمها من بقايا قطع القماش وحشتها بالقطن. والمعنى من تزويجه ابنته لم يكن يقصد به أن يتزوّجها الشخص نفسه، بل يعني أن ذلك الأب الظالم المقايض يقدّم عرضا لتزويج ابنته لأي رجل يختاره الشخص الذي يبغي اقتراض المال منه، فالعرض كان فضفاضا والصفقة تمت بنجاح، ودفعت ثمنها فاطمة حين تزوجت، وهي لم تبلغ مبلغ النساء.
اليوم خرجت عروس الإسماعيلية مرة ثانية، لتعترف بأنها وقعت تحت التهديد، وأنه توجّب عليها أن تستمر في مراسم الزواج والاحتفال والخروج في اليوم التالي لزواجها مبتهجة، وتقدم دعوة لتناول "إفطار الصباحية" لمراسلي وسائل الإعلام المدفوعين من روّاد مواقع التواصل الاجتماعي، والذين وفدوا إلى بيت الزوجية لتقصّي أخبارها، وكانت تلك التمثيلية السمجة.
وقعت عروس الإسماعيلية تحت التهديد. والسبب الأول والأخير لأن تقع أنثى رقيقة تحت طائلة تهديد رجل بمسمّى زوج، ثم تصبح تحت طائلة تهديد مجتمعٍ لا يرحم أنها تقف على أرض رخوة، وأنها لم توضع خارج معادلة فقر (وعوز) أسرتها. وكانت بمثابة الأداة التي تستخدم لإطفاء الحرائق المنزلية، فربما كانت لتصفية حساب أو دين أو التمهيد لصفقة أو تجارة أو مشروع، فجرى زجّ حياتها ومستقبلها وراحتها وأمانها في هذا الاتفاق البغيض الذي يرى المرأة مجرّد متعة ومتاع، مع ملاحظة أن هناك تضاعفا لجرائم النساء ضحايا العنف الأسري في مصر في العامين الأخيرين (813 جريمة في عام 2020 مقارنة بـ415 جريمة في 2021).
كان من الممكن أن تخرج تلك العروس وتعترف بأنها تعرّضت للضرب حقيقة، وتطلب الطلاق قبل أن تتورّط أكثر، ولكنها خافت. وحسبما تقول إن عريسها وذووه هدّدوها بقتل والدها والتنكيل بأفراد من عائلتها، ورضيت بأن تدخل بيت الرجل قاسي الملامح غير المريح، بضحكته اللزجة وبذلته التي حشر جسده الضخم بداخلها. وبعد شهور، لم تحتمل ما تقاسيه على يده من عنف واضطهاد، إلى درجة أنه كان يحبسها لكي يمنعها من الاتصال بأهلها، لكي لا يروا آثار التعذيب على جسدها.
تحت التهديد، نضع بناتنا بأيدينا وتحت مسمّى السّترة، وتحت مسمّى ظلّ رجل، وفي النهاية تقع الواقعة ويكون الثمن فادحا، لأن قرار الطلاق مرعبٌ، بحيث لا يترك متّسعا لقرار حياة.