حُمّى الاستوزار في المغرب
مع تقدم المشاورات التي يقوم بها رئيس الحكومة المغربية المكلف، عزيز أخنوش، في أفق تشكيل الحكومة المرتقبة، يشهد الوسط الحزبي تهافتاً محموماً على الاستوزار، فعلى ما يبدو ترفض معظم الأحزاب الاصطفاف في المعارضة، وهو ما يعكس تحوّلاً دالّاً لا يقتصر على الحقلين الحزبي والسياسي، بل يتخطّاه نحو مؤسسات المجتمع برمته. وقد لا يكون من المبالغة القول إن النخب الحزبية، بمختلف أطيافها، أدركت أن الزمن الذي كان يُسمح فيه للمعارضة ببعض التأثير في السياسات العمومية قد ولّى وانقضى، بعد أن أصبحت هذه السياسات تُدار من الأعلى، في ظل تراجع مؤسّسات الوساطة وإعادةِ جدولة الأولويات التي يُتوقع أن يفرضها تنزيل مخرجات النموذج التنموي الجديد.
في هذا السياق، كان لافتاً تهرّب حزب الأصالة والمعاصرة، الذي حلَّ ثانياً في الانتخابات التشريعية الأخيرة بـ86 مقعداً، من الاصطفاف في المعارضة، وهو ما أكّده، صراحةً، قرار مجلسه الوطني بضرورة المشاركة في حكومة أخنوش. وإذا كان ذلك يبدو منطقياً بالنظر إلى النتائج التي حقّقها الحزب في اقتراع الثامن من سبتمبر/ أيلول الجاري، فإنه لا يبدو كذلك بالنسبة لأحزابٍ أخرى، ما تزال قياداتها ترى في الانتخابات فرصةً موسميةً ثمينة للاستفادة مما يدرّه العمل الحزبي والسياسي من منافع وامتيازات. وعلى الرغم من حصول بعضها على مراتب لا تؤهلها للمشاركة في الحكومة، إلا أن ذلك لم يمنعها من إبداء رغبتها الشديدة في تولّي إحدى الحقائب الوزارية. وهو ما ينطبق، إلى حد كبير، على الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (حلّ رابعاً بـ35 مقعداً)، الذي بدل أن يستثمر خبرته الطويلة في المعارضة، من أجل إضفاء بعض المعنى على عمل البرلمان، فضّلت قيادته أن تطرق كل الأبواب بحثاً عن موطئ قدم داخل تشكيلة الحكومة المقبلة، متمسّكةً بضرورة احترام ما سمّته ''التعدّدية المتوازنة''، و''التناوب الجديد''، و''الوزن الانتخابي''.
يرتبط تطلع الأحزاب إلى المشاركة في حكومة أخنوش بالتغيير الذي حدث في ميزان القوى بعد إغلاق قوس الربيع العربي، وعودة السلطويات في المنطقة إلى ما كانت عليه قبل 2011، ما يعني أن المعارضة ستكون شكليةً في ضوء استعداد النخب الوطنية والمحلية لتكون ضمن منظومة النموذج التنموي الجديد، بما يدرّه ذلك من مكاسب سياسية ومادية مختلفة، خصوصاً أن الأحزاب صارت أكثر ارتهاناً لحسابات الرأسمال والأعيان وشبكات النفوذ والمصالح، فهي تدرك أن الانضمام للمعارضة سيكون مكلفاً لها، وقد يُلقي بها خارج معادلة توزيع النفوذ، بينما المشاركة في الحكومة ومجالس الجماعات والعمالات والأقاليم والجهات تفتح الباب أمامها لأخذ حصّتها من هذا النفوذ.
تشبث الأحزاب بأن تكون ضمن الحكومة يجعلها تبدو وكأنها تكتلات زبونية تقليدية للاستوزار وحيازة النفوذ، ما يُفقد العمل السياسي مصداقيته، ويُضعف المعارضة داخل البرلمان. وبالتالي يهدد بانتقال دور المعارضة إلى الفضاء العمومي، سيما أن هناك احتقاناً اجتماعياً ما فتئ يتزايد، سبّبته حزمة السياسات الاجتماعية التي نفذتها حكومتا حزب العدالة والتنمية إبّان العقد المنصرم.
تمثل المعارضة في الدول الديمقراطية رقماً أساسياً في المعادلة السياسية، إذ تساهم في تقوية المؤسسات، وتعزيز دورها في الرقابة والمساءلة وتقييم القوانين والإسهام في حماية الحقوق والحريات وإغناء النقاش السياسي العمومي وتطويره، بما يعزّز مصداقية هذه المؤسسات أمام الرأي العام. ولذلك، لا يرتبط اصطفاف الأحزاب في الحكومة أو المعارضة برغبة قادتها وأبنائهم والمقرّبين منهم في الاستوزار، بل بمقتضيات الديموقراطية التي من شروطها الرئيسة احترام إرادة الناخبين كما تعكسُها صناديقُ الاقتراع، هذا من دون إغفال أن بناء التحالفات بين الأحزاب يكون قبل الانتخابات، وفق أرضيةٍ أيديولوجيةٍ وسياسيةٍ مشتركةٍ وواضحة، وليس بعدها.