رئيس جديد لبرلمان شاحب

05 نوفمبر 2024

مبنى مجلس النواب العراقي في المنطقة الخضراء ببغداد (27/2/2024 فرانس برس)

+ الخط -

استمع إلى المقال:

صوّت البرلمان العراقي، الأسبوع الماضي، على رئيس جديد له، بعد إقالة الرئيس السابق محمد الحلبوسي قبل عام مضى، وبقاء منصب الرئيس (أعلى منصب تمنحه الأعراف السياسية للعرب السنّة في العراق) شاغراً يملأه نائب الرئيس السياسي الشيعي الكردي محسن المندلاوي، بعنوان رئيس البرلمان بالإنابة أو المؤقت.
جرت في العام الماضي محاولاتٌ عديدة للاتفاق على رئيس جديد للبرلمان العراقي يكون من بين الأحزاب السنيّة التي لها تمثيل في البرلمان، ولم تكن الخلافات بين التيّارات السياسية السنيّة التي منعت هذا الاتفاق فقط، وإنّما رغبة قادة وزعماء الإطار التنسيقي الشيعي الحاكم. فاز محمود المشهداني برئاسة البرلمان لما تبقّى من الدورة البرلمانية الحالية، بضغوط واضحة من زعماء "التنسيقي"، وبسبب تشرذم الأحزاب السنيّة وضعفها. وحتى إنْ لم يفز المشهداني، وكان هناك سياسي آخر يشغل المنصب الشاغر، فالجميع يعرف أنه لن ينال هذا المنصب من دون موافقة قادة "التنسيقي" الشيعي.
المشهداني الذي أقصي سابقاً (23 ديسمبر/ كانون الأول 2008) من رئاسة دورة سابقة للبرلمان العراقي، وأجبر على الاستقالة مع راتب تقاعدي كبير، يعود اليوم من دون أن يكون للمنصب تأثير كبير، مضى البرلمان الحالي بنشاطاته المعتادة من دون افتقاد لرئيسه، وكان يمكن أن تنتهي هذه الدورة من دون الحاجة الى تعيين رئيس جديد.
إمتلأت مواقع التواصل الاجتماعي العراقية، وكذلك بعض البرامج التلفزيونية، بالسخرية، بل إن معلّقين تساءلوا عن فائدة الدورة البرلمانية كلّها، وأن النوّاب الحاليين يكلّفون ميزانية الدولة مبالغَ كبيرةً من دون أن يقدمّوا شيئاً فيه مصلحة للشعب العراقي، بل امتلأ العام الماضي على سبيل المثال بصراعات ونقاشات حول قضايا ضدّ الشعب العراقي، أو لا تمثّل أولويات للتنمية والتطور الاقتصادي والاجتماعي. وستنتهي الدورة البرلمانية الحالية (في أكتوبر/تشرين الأول 2025) من دون إقرار قوانين مهمّة، ظلّت تُؤجَّل من دورة برلمانية إلى أخرى من دون حسم. كما هو الحال مع قانون النفط والغاز، الذي ينظمّ توزيع عائدات النفط وإدارة الموارد ما بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان والمحافظات المنتجة للنفط. وأيضاً قانون المحكمة الاتحادية العُليا وقانون مجلس الاتحاد، الذي ثبّت في الدستور العراقي ولم يُنفَّذ حتى الآن، ويقضي بتأسيس مجلس الاتحاد بجوار مجلس النواب جزءاً من السلطة التشريعية. وأيضاً قانون مجلس الخدمة الاتحادي، وغيرها من التشريعات الضرورية التي تُعطِّل الخلافات السياسية إقرارها، بينما يفجّرون بين حين وآخر قضايا هامشية، كما هو الحال مع تعديل قانون الأحوال الشخصية.
الوجه الآخر لضآلة الحصيلة، التي يمثّلها إجلاس رئيس جديد في مقعد رئيس البرلمان، أن هذا المنصب الحسّاس قُصقِصت أجنحته منذ سنوات وما عاد فاعلاً، ولا ذراعاً قويّة للأحزاب السنيّة، ومن خلفها المجتمع السنّي العراقي. الفرضية التي بُني عليها نظام ما بعد 2003 هي توازن القوى الكُبرى في المجتمع العراقي، ما بين الشيعة والأكراد والسنّة، وإقرار حقوق المكوّنات الأصغر، وتعزيز العمل في المشتركات الأساسية، وعدم فرض الإرادات أو تقييد طرف لآخر. لكنّ الأحزاب الشيعية تشعر بالقلق من وجود سياسيين سنّة أقوياء، وتفضّل الشخصيات الضعيفة التي تستجيب لما يُمنَح لها، ولا تشعر بأنّها ملزمةٌ بتنفيذ مطالبها، ما يضعف مصداقية هذه الشخصيات السنيّة، لأن هذه المطالب هي مطالب مجتمعاتهم المحلّية ذات الغالبية السنيّة، الأمر الذي يجعل وجودهم داخل قبّة البرلمان في الوقت الراهن غير فاعل، ومُجرَّد "ديكور" لشكل العملية السياسية الديمقراطية.
تزداد الصورة تعقيداً حين نلاحظ أن الغالبية من النوّاب الشيعة في البرلمان لا يمثّلون الغالبية من المصوّتين من الجمهور الشيعي، لتكتمل الصورة الشاحبة للمشهد البرلماني العراقي الحالي، الذي ينتظر لحظةَ تصحيح في موعد الانتخابات في العام المقبل.